قال لي صديق كوردي عراقي معتق، كنبيذ فرنسي عتيق: اعرف سوريا حارة حارة، اعرفها كما لا تعرفها انت، لكن لم أر قط هذه النوعية من السوريين التي تملأ اليوم ساحات المانيا ومدنها وبلداتها.
هذا الرأي سمعته من كثيرين؛ فهل كنا نعاني من فقدان البصر او من ضعف البصيرة؟
زمان، عندما جاء الإسلامي يوسف القرضاوي إلى دمشق، وفرش له السجاد الأحمر واستقبل استقبال الفاتحين، كتبت مقالة عنيفة جداً في صحيفة كويتية بعنوان: يوسي أم يوسف؟ كان مغزاها رفض زيارة هذا التكفيري، ومن ثم مقارنته بالسياسي الإسرائيلي التقدمي، يوسي بيلين. وكانت النتيجة الطبيعية التي وصلت إليها هي أنني أستطيع العيش ببساطة كجار ليوسي بيلين العلماني، لكني أخاف من المرور قرب الشيخ التكفيري العربي، الإسلامي.
كانوا مشغولين بهمروجة القرضاوي، لذلك لم تحدث مقالتي الحادة ما تستحق من ارتدادات سلبية.
بعد عزلات طويلة للغاية بين الأديرة المارونية، حيث كنت راهباً، وعزلة الناصرية التي استمرت ١٢ سنة تقريباً، وآخرها عزلة المرض القسرية التي تتواصل منذ سنوات أربع، وبعد أن قررت الذهاب إلى بصيرة، الشاطئ الجميل شمال طرطوس، بحثاً عن فيتامين دي. وهرباً من كورونا دمشق، اكتشفت فعلياً ما قاله صديقي الكوردي العراقي حول سوريا التي لا نعرفها:
نساء يتمخطرن تحت شمس آب المحرقة ورطوبته الباعثة على الاختناق بثياب سوداء ونقاب أسود وأحياناً منديل يغطي كامل الوجه وقفازات تختلط بلون الليل في عز غياب القمر.
رجال وصبيان وشبان يرتدون سراويل تغطي بين السرة والركبة، خاصة الركبة، التي يلف نهاياتها مطاط كي يتم التأكد من انها لن تشقل إلى ما فوق الركبة، فتثير غرائز البشر، دون ان ننسى الشارب الحليق والذقن الطويلة.
ملاحظة:
هل الفقه الإسلامي قوي إلى درجة انه يحكمنا من القبر منذ ١٥٠٠ عام، أم نحن نعاني من خواء عقلي يجعلنا على استعداد لملئه بأية تفاهة؟
صبيان لصوص يعتبرون باعتقادي أن مال من هو ليس منهم حلال لهم، ولا مانع عندهم من سرقة دراجة نارية لشاب يخدم مجاناً ستة مرضى، بينهم أنا، بين صافيتا وطرطوس وبصيرة.
قالت لي صبايا طرطوسيات من متابعي اعمالي في زيارات ليست قليلة، إنهن كن يأتين إلى بصيرة التي كانت تسمى وطى حصين البحر قبل ان يغزوها هؤلاء. وهؤلاء، إضافة إلى كونهم ضيوفاً، إلا أنهم ضيوف لا تطيقهم الطبيعة، وهم يصنفون الآخر وفق أمراضهم الدينية، وواقعهم الديني يقول إن المنكر، مثل المرأة غير المحجبة والرجل الذي يكشف عن ركبته، يجب مقاومته باليد او اللسان او القلب. وباقي القصة المزعجة معروف. لذلك يصعب ان ترى غير الغرابيب السود في كل مكان. وانسحب المتناغمون مع الطبيعة إلى مناطق أقل إيذاء للقلب والعين.
هل لا احب اعدائي؟
مع احترامي للمسيح، نعم!
هؤلاء لعبوا بسيارتي يوم ٤ حزيران ٢٠١٠ فتكسرت أضلعي وكتفي، وما زلت إلى اليوم مضطراً لاستخدام ابر الدكساميتازون لإسكان الأوجاع؛
هؤلاء دمروا قبور اهلنا في القريتين ثم قتلوا من الشعب الآمن حوالي ٨٠ شخصاً؛
هؤلاء دمروا أجمل اديرة البادية السورية في القريتين وكنائسها الجميلة دون سبب غير كراهية الآخر؛
هؤلاء انهوا وجوداً مسيحياً في القريتين عمره قرون؛
هؤلاء نبشوا قبر مار اليان الشرقي، شفيع القريتين، ورموا عظامه فوق التراب؛
هؤلاء حكموا علي أن لا ارى ابنة اخي ميمي، التي غادرت مع بداية الأحداث واستقر بها النوى في البرازيل.
نعم!
انا أحتقر الزمان الذي جمعني بهم.
احتقر المكان الذي جمعني بهم.
احبوا أعداءكم… أحبوهم انتم.
ستقولون هذه مظاهر خارجية تافهة لا تعبر عن الحقيقة، انا اقول هذه هوية تبعث في اوصالي الرعب.
كم حاربنا من اجل سوريا بكل ألوان الطيف،
سوريا قوس قزح،
وبعد عشر سنوات من انهر دماء الشهداء، صار يومنا مقيداً باللونين، الأسود… والأبيض.
هذه سوريا التي لا أعرفها.