رهان #أردوغان على #علويي_تركيا
زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق، من الأسبوع الجاري، “جمعاً” للطائفة العلوية “التركية” البكتاشية في أنقرة، وأحيا معها بعض الطقوس الدينية والمناسبات الخاصة بالعلويين وهي كثيرة على فكرة، وهذه سابقة لافتة في تاريخ هذه الطائفة، ربما لم يسبقه لها أحد، فحتى في سوريا، لم يسبق أن قام أي رئيس سوري بإحياء طقوس خاصة واحتفالات للطائفة النصيرية، على عكس ما يجري للطائفة الرئيسية (الناجية من النار)، وهي التي تمثل دين الدولة البعثية الرسمي، حيث اعتاد الرؤساء في سوريا على الإسراع والمشاركة “الرسمية” في مناسبات وأعياد الطائفة “المنصورة” كعيد الأضحى والفطر والمولد النبوي، وليلة القدر، ورأس السنة الهجرية، فيما تم رسمياً، في سوريا “البعث” حظر بعض المناسبات والأعياد “النصيرية” ومنعها كـ(الاحتفالات بأعياد الرابع من نيسان التي كانت تجري سنوياً) وتشكل خطوات كهذه، وبالمنظور القانوني الدولي، عدواناً على التراث الإنساني..
غير أن التباينات الثقافية الحادة بين علويي تركيا واسعة جداً، بحيث لا يمكن الرهان على استحلاب موقف سياسي موحد ولا يمكن أن يتوحد، أو أن يشكل علويو تركيا كتلة بشرية سياسية وعرقية واحدة، إذ يتكلم علويو تركيا عدة لغات مختلفة ولا تجمعهم لغة “علوية” أو ثقافة واحدة جامعة مانعة، فالعلويون الأكراد، مثلاً، (يحكى ان عبد الله أوجلان منهك) وهم يتكلمون اللغة الكردية، والعلويون السوريون المستعربون يستخدمون اللهجة النصيرية للعلويين في سوريا، فيما العلويون الأتراك، يتكلمون اللغة التركية
كلغة أم Mother Tongue.
فكما أنّ هناك تبايناً عرقياً وإثنياً، وحتى عشائريا، بين علويي تركيا (علويو اللواء معظمهم من العشيرة الحيدرية التي تستوطن بمعظمها تقريباً قرى ومناطق شمال اللاذقية حتى كسب)، فالتباين الثقافي هو الأهم، فرغم أن معظم علويي تركيا يتقنون اللغة التركية كلغة مكتسبة ورسمية مفروضة وليست
كلغة أم Mother Tongue
وراثية جينية، فإن لكل منهم لغته وربما لهجته الخاصة، كما هو حال العلويين السوريين “المستعربين” الذين يتكلمون اللهجة السورية “العلوية” (النصيرية)، تماماً مثل أقرانهم في سوريا، (كنت على الفور وأنا خارج سوريا أميـّز العلوي السوري “ابن اللواء” وأعرفه، من لهجته “النصيرية” ونتعارف ونتجاذب أطراف الحديث وكأني أتكلم مع نصيري سوري باللاذقية وجبلة وطرطوس)، وحقيقة هم يعودون بأصولهم الإثنية إلى سوريا، ومع ذلك معظمهم لا يتقن اللغة العربية “الفصحى” الرسمية ولا يعرف حروفها لا قراءة ولا كتابة، ولكن يتوارثون اللهجة النصيرية السورية اجتماعياً ومن المحيط العائلي، رغم أنهم يتقنون التركية كتابة وقراءة، كونها مفروضة عليهم بالمدارس والتعاملات الرسمية، فيما لا تعتبر اللغة العربية لغة رسمية، كما هو حال الأكراد العلويين، الذين لا يتكلمون أيضاً العربية، ولا يتقنونها، لكنهم أيضاً يتوارثون اللغة الكردية كـ
Mother Tongue
من محيطهم العائلي والاجتماعي، وبينما اللغة الكردية محظورة رسمياً يفرض عليهم اتقان اللغة التركية كلغة رسمية للتعاملات والتعليم (وذات مرة كنت في زيوريخ بسويسرا وصعدت مع علوي كردي من جنوب شرق تركيا كان شغوفاً جداً بأوجلان وحين علم بأني من “علويي” سوريا رفض أخذ أجرة التاكسي وتكلم معي بحفاوة بالغة لشدة اضطهاد أردوغان لهم ولجوئه لسويسرا)، بينما يعتبر العلويون الأتراك، أتراكاً قومياً وسياسياً، ومندمجين اجتماعياً ولهم حقوق أكثر من أقرانهم الأكراد العلويين، والسوريين (المستعربين)، لدرجة أن يحتل كمال كليتشدار أوغلو العلوي “التركي” زعامة المعارضة التركية الرسمية ويتربع على عرشها لعقود، مع استحالة حدوث ذلك لعلوي كردي، أو لعلوي سوري مستعرب، (هكذا هو التصور أو السقف كما يعتقد).
والأهم من كل ذلك عدم وجود مرجعة مذهبية تنظيمية موحدة لعلويي تركيا، كما علويي سوريا، وعدم انتمائهم أو انتظامهم بهيكل تنظيمي أوحزبي مذهبي موحد، ووجود هيئات سياسية خاصة بهم، على عكس ما هو قائم للطائفة الناجية من النار، بوجود عدة مرجعيات، كالأزهر وهيئة كبار العلماء، أو جماعات التأسلم كداعش والنصرة والإخوان، فإن هذا غير موجود بالمطلق عند العلويين، ولا حتى في سوريا، وكم يبدو أولئك الذين يتكلمون عن “مجلس ملي” و”علوية سياسية” سذجاً وأغراراً وربما أغبياء وضحلي وعديمي المعرفة…
هذا التباين الثقافي والإثني بين العلويين الأتراك، ورغم وجود الأرضية والمذهبية المشتركة، يخلق واقعاً سياسياً هشاً معقداً ومضطرباً، وغير قابل للتجانس، وربما يغلب عليه الريبة والتوجس، لا سيما مع وجود هذا الكم الهائل من الحساسيات العرقية والقومية والإثنية بالتوازي مع الاضطراب والهيجان السياسي المائج الذي تشهده المنطقة، حيث تتوزع وتتنوع الولاءات وتتشتت الكتلة الإيديولوجية الواحدة وتذهب في قنوات فرعية كثيرة ما يضعفها، وإن كان هذا يبدو للوهلة الأولى في صالح أردوغان، وغيره من الرؤساء، لجهة منع تشكل تيار سياسي علوي موحد قوي ضده، فإنه بالمقابل، في غير مصلحته، حيث لا يستطيع كسب الولاء الجمعي لهذه الطائفة، رغم الحركة البهلوانية الاستعراضية الفارغة التي قام بها أردوغان، وحاول من خلالها إرسال رسائل باتجاهات متعددة، (حتى لعلويي سوريا فيما يجري الكلام عن شهر عسل سوري-تركي قادم في الطريق )، فبينه وبين علويي تركيا، وغيرهم الكثير من العلويين، وحتى غير العلويين، ما صنع الحداد واللحام و”الجزار” والعم سام.