بعد العودة من المدرسة و الجلوس على طاولة الغذاء لمشاركة الطعام و تبادل و تكرار الاحاديث مع الاهل ، و بعد بعض المشاجرات الاخوية بيني و بين اخي عماد حول الرغبة بالحصول على وقت اطول بالكلام ، او حصة اضافية من الفاكهة ، يذهب كل منّا الى طاولته للانتهاء من الفروض المدرسية المكثفة..
يبدأ يومنا فعلياً كأطفال فعليين عند اشارة افتتاح التلفزيون السوري و ترديد نشيد حماة الديار بكل بلاهة مع شارة البدء، و بعد الاستماع لمّا تيسّر من ايات من القران الكريم ، تبدأ بعدها حصة الكرتون المخصصة للاطفال ..
برامج كرتونية و على بساطتها الا اننا تعلمنا منها الكثير من مكارم الاخلاق ، و نهلنا منها ارث كبير من القيم ما زلنا نستهلكه بعد مرور اربعين عام ..
تعلمنا من العم عبدالله في افتح يا سمسم اخلاق التجار و اصول المكسب الحلال ، و من الكهربائي هشام الشهامة و النخوة ، و من خليل صاحب المطعم كرم الضيافة ، و اخذنا الكثير من حكمة الببغاء ملسون ، و من معنى الصداقة بين بدر و انيس..
تعلمنا من شوارع حوارينا البساطة و المشاركة و احترام الجار .. تعلمنا من رجال حارتنا النخوة ، و من نساءها اللهفة ، و من عجائزها الكرم و اللطف..
تعلمنا العودة الى بيوتنا بالوقت الذي حُدد لنا ..تعلمنا احترام الوقت على الرغم من طوله..تعلمنا حمل الكتاب اينما ذهبنا .. تعلمنا رمي التحية و اصول تلقيها.. تعلمنا ان بنات الجيران هم بمثابة اخوة لنا..
لم يكن لدينا كومبيوترات تسرق منّا متعة البحث عن المعلومة ، و لا آيبادات تخطف منّا طفولتنا ، و لا آيفونات تلازم جيوبنا بدلاً من لغز للمغامرين الخمسة ينسينا طول و صعوبة المسافات ..
لم يكن لدينا اكس بوكس يضع غمامة الدواب حول عيوننا ، و لا يوتيوب يلهينا مشاهيره بسخافاتهم ، و لا تيك توك يختصر موسوعة الانساكلوبيديا التي افتخر ابائنا باحتواء اجزاءها التي زيّنت مكتباتهم ..
احزن من كل قلبي على اطفال عصر السرعة و انا القادم من عصر الرواء ..احزن على جيل لم يعد يعني له المشي حافياً على رمال الشواطىء، أو التمتع بجلسة سمر مع الاصدقاء حول اغصان خشب مشتعلة .. احزن على جيل لم يعد يستطعم الاكل الطيب بعد ان استبدله بالوجبات السريعة.. احزن على جيل لم تعد الموسيقا تطربه ، و فقد الرغبة في مشاهدة عرض مسرحي ، او المشاركة بكارنفال محلي.. احزن على جيل يعتبرنا نحن ابناء الجيل القديم اننا دقّة قديمة و اقل ما يصفنا بقليلي الفهم .. احزن على جيل لم يعد الخروج من المنزل لملاقاة الناس يعنيه ، مستعيضاً عنهم باصدقاء افتراضيين ..
فيا ابناء جيل الكاسيت و الفيديو و تلفزيون الابيض و الاسود..
صدق سيدنا علي حين قال : “ربّوا اولادكم لزمان غير زمانكم” ، و لكن علموهم ان زمانهم ليس افضل بل هو مختلف ، و قولوا لهم لولا قام غراهام بيل منذ ١٥٠ سنة باختراع التلفون ، لما وصل الايفون الى جيوبهم