إرضاء الناس غاية لا تُدرك، ولم أحاول يوما إدراكها…
أية قضية أدافع عنها أو ضدها، لا أنتظر أحدا
كي يعطيني الضوء الأخضر، بل أستمد ذلك الضوء
من ايماني بقدسيّة ما أقوم به.
إحساسك العميق بالرضى هو برهانك على قدسيّة تلك القضية.
كل عمل شرير يجعل من صاحبه شخصا متذمرا ساخطا،
وكل عمل خيّر يُشعر صاحبه بالرضى والسكينة!
إنه قانون من قوانين الطبيعة، اؤمن به كما اؤمن بقانون الجاذبية الأرضية.
لولا الرضى الذي يسربلني من جراء القضايا التي أتناولها وكيفية
تناولها، لما استطعت أن أستمر تحت وطأة الانتقادات والشتائم،
ناهيك عن التهديدات التي واجهتها، والتي لا تتحملها الجبال.
هذا الرضى هو منبع قوتي وسرّ استمراريتي!
…..
كذلك، كان عليّ أن أختار معاركي بدقة…
الأهم أولا، يليها المهم، ومن ثمّ الأقل أهمية.
فلا أضيّع وقتي وجهدي إلا في أمر يستحقهما،
وتوافه الأمور لا تستحق نفسا واحدا من أنفاسي.
لقد تعلّمت خلال مشواري الطويل،
ومن خلال القضايا الشائكة التي تناولتها،
أنني ولكي أقوم بمهمتي على أكمل وجه، عليّ أن لا أخاف من أن أخسر
أصدقائي، ومن يحيط بي!
فلو ربحتَ العالم وخسرتَ ضميرك، ستقتلك وحدتك،
فخير صديق ضمير مرتاح ومريّح!
الشعور بالوحدة يستفحل عندما لا تكون نفسك، وليس
عندما تكون وحدك،
ولم أكن يوما إلا نفسي!
……
لم أكتب حرفا إلا وخسرت شخصا،
تساقط هؤلاء الأشخاص الخلّبيون من ذاكرتي ومن تاريخي،
كما تتساقط أوراق الأشجار التي اصفرت ونفقت.
وستظل كتاباتي شاهدا
حيّا على أن ضميرا حيّا كان قد مرّ من هنا!
…….
يعتبر المختص في علم النفس الأمريكي
Gary Zukav
في كتابه
The heart of the Soul
يعتبر من يدوزن كل أفكاره وسلوكياته لكي توافق أذواق الناس، وبغية إرضائهم،
يعتبره شخصا مضطربا نفسيا وروحانيا،
وقد أفرد فصلا كاملا في كتابه الرائع لشرح تفاصيل
ذلك الإضطراب،
يقول بهذا الصدد:
You cannot please and, at the same time, breathe freely,
relax into your life, and express your creativity
(لا تستطيع أن ترضي الناس، وفي الوقت نفسه تتنفس بحرية.
استرخِ وأنت ماض في الحياة، وعبر عن ابداعاتك…)
فعلا الخوف من استفزاز الناس يقتل إبداعك، ويمنعك من أن
تعبر عن رأيك بحرية.
تذكّرْ قد تقضي حياتك كلها في سبيل الآخرين،
وعندما تموت لا أحد يمشي في جنازتك.
لا يهم من يمشي في جنازتك، المهم ما تأخذه معك
في رحلتك إلى عالم الأبدية،
وما يبقى من عبقك حيث عشت ومررت!
شخصيا أعرف أنني أتيتُ إلى هذا العالم من قبل، وعدتُ لأكمل المهمة،
وسأعود لأستمر في إكمالها….
وفي كل مرّة آتي إليه أتركه أجمل ممّا كان عندما جئت إليه.
…………
تراتيلك وتلاوتك لكتابك في معبدك
ليست أهم من أغنية دندنتها لوحدك في حمامك.
بينما الشجرة التي زرعتها،
وأنت على ثقة من أنك لن تعيش لتأكل ثمارها، أهم
من اجترارك لكتاب مبهم لم يخفف ألما ولم يضمّد جرحا.
بعد أن ترحل، سيمر رجل تحت تلك الشجرة،
ويتلذذ بثمارها ويتفيأ بظلالها وينتعش
بعبق أزهارها….
وستبقى تلك الشجرة شاهدا حيّا على أنك فعلت شيئا لصالح غيرك،
وتركت الكون أجمل مما كان عندما أتيت إليه.
رغم كل ما في الكون من شرور وكوراث،
هذا الجمال التراكمي الذي ساهم فيه كل من ترك أثرا طيبا ملموسا،
هو سرّ استمرار الحياة،
ولو خليت منه لخربت!
بينما سيُسقط الكون من ذاكرته كم مرة زرت معبدك وكم مرة
تلوت كتابك، لأنه لا زيارة ولا تلاوة قد تركت وراءها عبقا!
……
لست هنا لأجرد الإنسان من حقه في أن يؤمن بربه،
ويزور معبده ويرتل كتابه، إذا كان في ذلك راحة لنفسه!
فأنا اؤمن وأمارس طقوسا ايمانية، واشعر من خلالها براحتي،
ولا أستطيع أن أمارس حقا وأحرّمه على غيري.
لكنني أعبّر هنا عن قناعتي أن الإيمان هو طريقة حياة،
وليس دينا، أو مجرد طقوس.
وبأن دينك يخصك دون سواك، وليس مسطرة لتقيس بها الآخرين،
وتحكم عليهم من خلالها.
أرفضُ أن أقيّمك من خلال إيماني ووفقا لمفهومي للإله،
وسأحاربك لو حاولت أن توصمني من خلال إيمانك
ووفقا لمفهومك للإله!!!
….
احترمُ حقّ الإنسان في أن يؤمن بالحجر،
لكنني سأردّ الصاع صاعين عندما يضربني بذلك الحجر!
*********************
أعزائي القرّاء:
هذا الفصل هو بداية سلسلة من الفصول، التي اضفتها مؤخرا للكتاب، وأرد فيها على السفهاء من المتدينين
الذين زعموا أن البشرية أصبحت شرا بالمطلق، وبأن الله قد عاقبها
بفيروس كورونا.
أرجوكم اعذروا الإطالة وانتظروا البقية.
خالص محبتي