عندما انتقلنا إلى بيتنا الجديد، رحنا نصمم ديكوره الداخلي وفقا لذوقنا.
صببت جلّ اهتمامي على المدخل، خصوصا أنني أهتم بفن الديكور على
طريقة
Feng Shui
، التي تأخذ بعين الإعتبار مكامن الطاقة ومسالكها!
فوق المدخل الرئيسي كانت هناك مساحة كبيرة
تصلح لأن تكون موطنا لصورة جميلة.
على الفور خطر ببالي أن تكون صورة للسيدة العذراء.فأنا أحبها جدا وأتبارك بها.
(بالمناسبة أنا أتبارك بكل شيء جميل)
طبعا، ليس من منطلق ديني، وإنما من منطلق كونها امرأة وأم،
فالمرأة مصدر الحياة، ولا شيء مقدس أكثر من الحياة نفسها.
اتصلت برسام معروف، رسام سوري من أصول أرمنية،
جاء كوكو فورا إلى البيت وتم الاتفاق على المقياس وشكل الصورة بعد
أن حمل لي معه عدة صورة لأختار منها.
بعد ثلاثة أشهر كانت السيدة تتربع على مدخل البيت، وترفل بثوبها الأزرق،
ذلك اللون الذي أحبه، إذ يمنح المكان رحابة وعمقا.
………
زارتني يوما صديقة قبطية ربطتني بها صداقة متينة،
زارتني لتبارك لي بالبيت الجديد، ولأنني أعرفها تحب السيدة العذراء،
أشرت إلى الصورة فور دخولها البيت،
وأنا أتخيّل سلفا تعابير الفرح والتقدير التي سترتسم على وجهها.
لكنها خذلتني!
لسبب لا أعرفه، امتعطت ودارت ظهرها، ثم تابعت سيرها داخل البيت،
وهي تحاول أن تغير الموضوع: إنه بيت جميل، ألف مبروك!
فاجئني جدا موقفها ولم أستطع أن أتبين اسبابه.
ظننت للوهلة الأولى أنها لم تحبّذ فكرة أنني غير مسيحية وأضع
صورة العذراء في بيتي، فتجاهلت الأمر علما بأنه ظل يقرصني!
مع الزمن زارني الكثيرون من الأصدقاء الأمريكان، وكلما وقع بصر أحدهم
على الصورة يسألني: هل اعتنقت الكاثوليكية؟
فأبتسم: لا…لكنني أحب السيدة العذراء!
حتى دخل يوما صديقي توم الكاثوليكي الأصل، والذي يعرف تماما موقفي من الأديان،
فشهق:
يا إلهي… هل اعتنقت الكاثوليكية؟
رددت مازحة: لا بل اعتنقت الأرثوذكسية!!
هز رأسه نافيا: لا يمكن!!
وتابع:
الأرثوذكس لا يستخدمون هذه الصورة، ولا يؤمنون بها!!
صدمني تعليقه، ورحت أصغي اليه بدهشة، وهو يشرح الخلاف بين الكاثوليك والأرثوذكس
حتى على صورة السيدة العذراء.
ثم أدخلني معه في تفاصيل “عويييييصة”، خرجت منها مصابة بـ “الدوار الدهليزي”،
واكتشفت من خلالها أنهم مختلفون إلى حد امتعضت عنده صديقتي القبطية
عندما لمحت الصورة، ولم تثنِ عليها بكلمة واحدة!
ويقولون جاءت الأديان لتعلم البشر الإنسانية!!!
عندما يشرخ الدين الواحد أتباعه لمجرد أمر تافه يتعلق بشكل وملامح صورة،
هل بامكانك أن تتخيل عمق الشرخ عندما يتعلق الأمر بأمور أكثر أهميّة وجدّية؟
أي سبب في الأرض يبرر لك أن تنظر إلى لوحة جميلة ولا تعبر
عن فرحك لرؤيتها؟ حتى ولو كان الرسام الذي أبدعها قاتل والدك؟
لا أعرف من قال:
To the eye of enmity virtue appears the ugliest blemish
عين العداوة تريك فضيلة عدوك أقبح العيوب!!
فكيف عندما تغذي الأديان تلك العداوة؟!!
………..
أذكر قصة قرأتها مرّة عن قاضي بريطاني، سأل امرأة رفعت
دعوى لتطلق زوجها: لماذا تريدين الطلاق؟
ردت:
نحن نتهاوش حتى على نوع معجون الأسنان، وعليك أن تقدر الباقي!
فحكم القاضي بالطلاق، وهو يقول:
إنه الجواب الأكثر تفصيلا والأقدر على الإقناع
الذي سمعته في حياتي!
إذا كنتم تتصارعون على شكل الصورة، فعلى ماذا تتفقون؟!!
………
في إحدى روائع توفيق الحكيم ذكر أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية،
شاهد رجلا روسيّا يقرأ كتابا لمفكر ألماني، فسأله:
لقد كان الألمان ألدّ أعدائكم، فلماذا تقرأ لمفكريهم؟!!
ردّ:
ثقافة المفكر ليست ملكا لقوميته إنها ملك للجميع!
كذلك أنا اؤمن بأن الجمال ملك للجميع، ومن لم يستطع أن يراه
في لوحة إبداعية تجسد امرأة بهيّة، لن يستطيع أن يرى الله في أي مكان.
…………….
أما عند المسلمين فحدث بلا حرج!
هم يعرّفون الفضيلة والرذيلة حسبما تقتضي مصالح الطرف الذي ينتمون له.
السني يسخر من الشيعي لأنه يحلل نكاح المتعة،
والشيعي يسخر من السني لأنه يحلل إرضاع الكبير،
وكلا السلوكين أقبح من أقبح رذيلة!
نفس الرذيلة هي رذيلة عندما يقترفها الآخر وفضيلة عندما يقترفونها.
………………
لقد شوهت الأديان بشريتنا أكثر مما شوهت شريعة الغاب وحوشه،
مع فرق جوهري أن الوحش لا يأكل أبناء جنسه، لكنه
يأكل من هم أضعف منه من أجناس أخرى ليستمر في الحياة!!
بينما لو اهتم الإنسان ببني جنسه، وتحديدا بمن هم أضعف منه لاستمرت الحياة،
ولأصبحت أجود وأكثر سلاما وجمالا!
……
يبدو أن الشيطان بفهومه الديني السائد لم يستطع أن يخلق له أتباعا،
حتى صور لهم إلها وأقنعهم به،
ثمّ ومن خلال ذلك الإله راح يتشيطن!!
الشر يلبس دوما قناع الخير كي يغوي ويخدع…
ينتابني شعور بالغثيان عندما يتبجح متدين بإلهه، وخصوصا
عندما أعرف أنه يلبس ذلك الإله قناعا!!!
لم أرَ صراعا دينيا وكان سببه الخلاف على مفهمومهم للشيطان،
يبدو أن الكل متفقون عليه!
بل كان حصرا بسب الخلاف على أمر يتعلق بالله، اليس كذلك؟
لقد وحدهم الشيطان وفرقهم الله!
………….
Joseph Hall
فيلسوف ومفكر بريطاني عاش في القرن السادس عشر، وكان
أيضا رأسا من رؤوس الكنيسة، يقول:
No devil is so dangerous as the religious devil
لا يوجد شيطان أكثر خطرا من الشيطان المتديّن!
وأنا أقول:
هذا العالم كان، ولم يزل، حلبة صراع لشياطين أديانه،
وسيبقى مالم نتصدى لهم!!!
من ألأخر
١: كلامكِ في الصميم سيدتي ، فمالم نحارب شياطين الدين بصلابة وقوة ونقضي عليهم ، صدقيني سيستمرون في محاربتنا والقضاء علينا ، وخير من يزكي الخَيْرَ منهم من الشرير هى ثمار أعمالهم وفتاويهم ؟
٢: مقال لي في الطريق قريباً أتساءل فيه …؟
هل العلة في الاسلام أم في المسلمين ، فكانت الكارثة التي لا تقبل الشك في الاثنين ، بدليل ما في القرأن من أيات كارثية وكثرة أحاديث نبيه الارهابية ، وفي المسلمين لاتخاذهم من محمد قدوة لهم ، ومن سيرته تشريعاً وديناً ، دون تحريك للعقل وتشغيل للمنطق والتأكد من صحة ما قيل ويقال ؟
٣: وأخيراً
نعم هم يعرفون جيداًالفرق بين الفضيلة والرذيلة ، ولكن لشدة إنحطاطهم وسفالتهم صبغوا رداء الرذيلة بألوان القداسة والفضيلة كنبيهم ، لدرجة جعلوا منه وهو (القاتل والغازي واللص والمغتصب لأعراض الاخرين والمتاجر بالأسرى والأسيرات أشرف خلق ألله) في منطق مقلوب وسلوك منحط لا مثيل له حتى في ألأديان الوضعية ، سلام ؟