دروسُ الحياةِ وتجاربُ السنين

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

من لا يهتم بأصوله يسقط من طوله،

ومن لا يروي جذوره يجف ساقه وتسقط أوراقه،

ومن لا يحترم كبيره يحتقره محيطه، ويهينه صغيره،

ومن يتكبر ينكسر، ومن يتبختر يتعثر، ومن يتغطرس يتضرس، ومن يتعالى يتهاوى،

ومن لا تحمله كبراً الأرض يسكن جوفها قبراً،

ومن لا يعتز بماضي أمته ويفخر بتاريخها سيفقد هويته ويخسر شخصيته،

ومن يهين شعبه، ويحقر أبطاله، ويستخف برجاله، ويهزأ بأبنائه، ستسحقه يوماً نعاله،

تلك ليست كلماتٌ مصفوفة، أو عبارات منمقة، ومفردات مجزعة، ولا هي كلمات مجردة من واقعها أو منبتة من محيطها، أو منزوعة من سياقها،

بل هي حكم الزمان وخبرة الشيوخ وتجربة الشعوب، ونتاج الزمن،

هي كلمات العجائز وهرطقات الفلاسفة، ووصايا الكبار التي يحفظها الصغار،

هي علوم الحياة وعصارة المدارس، التي لا يلزمها كتاب ولا تحتاج إلى أستاذ،

وهي سنة الحياة وفطرة الإنسان وطبيعة البشر،

هي دروسٌ تبقى وإن ذوى العمر، وتدوم وإن فاته الإنسان ذخرها،

وعليها أضيف وأزيد، ما قاله الحكماء وما كرره السابقون، واعتز به العارفون وتمسك به الواعون،

من يعش لأهله، يخدم كبيرهم ويرعى صغيرهم، ويؤمن خائفهم، ويطعم جائعهم، ويداوي مريضهم، ويتفقد فقيرهم، وينشغل بحاجتهم، ويقلق على غائبهم، ويحفظ حقوقهم، ويسهر على راحتهم، ويحافظ على كرامتهم، ويبقي على عزتهم، ويحارب من يهينهم، ويقاطع من يسيئ إليهم، ستنتصب قامته، وسترتفع هامته، وسيشمخ رأسه، وسينير جبينه، وسيسطع نجمه ويعلو ذكره وتزهو نفسه، وتحفظ كرامته، وتصان سمعته، وسيكون بيننا سيداً مهاباً مسموع الكلمة موفور الكرامة،

أما من يظن نفسه قويٌ بلا شعبه، أصيلٌ بلا أهله، غنيٌ وحده، شريفٌ بمفرده، عزيزٌ بمكانته، فيظلم ويبطش ويحتقر ويزدري ويتكبر ويتعجرف وينعزل وينفصل، ويتبرأ وينقطع، ويعيش لنفسه ولا يفكر بغيره، ولا يعنيه شعبه، ولا يحزنه ما يلاقي أهله، فإنه يوماً سيسقط ويذوي، وسينهار ويقع، ولن يسعفه أحد، ولن يمد له أحدٌ يداً …

اعتزوا بماضيكم، وتيهوا بأخلاقكم، وتميزوا بشيمكم، وخلدوا على هام الزمان سيركم، واكتبوا بمدادٍ من الحب تاريخكم، فنحن أبناء أمةٍ عظيمةٍ، تاريخنا موغلٌ، وماضينا مشرقٌ، ودينها عظيم ومجدها كبير، فلا تقتلونا بكبركم، ولا تهينوننا بغروركم، ولا تدمروا أحلامنا بفسقكم، ولا تجعلونا سخريةً بسفهكم، أو معرةً بسلوككم، بل كونوا كباراً بنا ولنا، وعظاماً معنا وبنا، وخداماً لنا وأمراءً علينا، ولا تجعلونا أبداً عبيداً عندكم وأجراء عند غيركم، فتخسرونا وأنفسكم، وتفقدونا وهيبتكم….

فهلا من غيرنا تعلمنا، ومن آبائنا حفظنا، وعن شيوخنا نقلنا، فما أمسنا للحكمة التي فقدنا، وللتجربة التي خسرنا، وللقيم التي فرطنا، وللمفاهيم التي أهملنا…

About مصطفى يوسف اللداوي

د. مصطفى يوسف اللداوي • فلسطيني من مخيم جباليا بقطاع غزة، مواليد العام 1964. • معتقل سابق لتسعة مرات في السجون الإسرائيلية. • أُبعد إلى جنوب لبنان من سجن غزة المركزي بصحبة ثلاثة أخوة آخرين إلى جنوب لبنان. • دكتوراة في العلوم السياسية وليسانس شريعة إسلامية. • رئيس الكتلة الإسلامية الأسبق في جامعة بيرزيت. • ممثل حركة المقاومةىالإسلامية "حماس" السابق في كلٍ من سوريا ولبنان. • المدير العام الأسبق لمؤسسة القدس الدولية في لبنان، وأحد الذين ساهموا في تأسيسها. • عضو لجنة العلاقات العربية "سابقاً" في حركة حماس. • متفرغ منذ العام 2004 لأعمل البحث والكتابة والدراسة. • له تسعة مؤلفات أغلبها عن الصراع العربي الإسرائيلي وهي ... o الأسرى الأحرار صقورٌ في سماء الوطن "مجلدان". o الصليبية من جديد ... دفاعاً عن رسول الله. o القدرات النووية الإسرائيلية بين الغموض والإرهاب. o الإرهاب الصهيوني مسيرة شعب وتاريخ أمة. o قراءة في العقل الإسرائيلي. o القضية الفلسطينية خفايا وأسرار "حوار". o القضية السودانية بين صراع الداخل ونفوذ الخارج "حوار" o الأزمة الجزائرية جدل المعارضة والسلطة "حوار". o العدوان الإسرائيلي على غزة، جزءان "تحت الطبع".
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.