خذوا السادات كله أو اتركوه كله‎

‫ يخطيء بحق التاريخ من يحصر سيرة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في زيارة القدس وإقامة علاقات مع إسرائيل.
حلقة السلام مع إسرائيل هي الأخيرة في سيرة ومسيرة السادات؛ التي بدأت من زمن الاستعمار مرورا بالثورة المصرية 52 وصولاً للاستعداد للمعركة الأهم في التاريخ العربي المعاصر؛ حرب أكتوبر/تشرين التي حققت فيها مصر نصراً نسبياً يتمثل في العبور.
ومن هذه المحطة انطلق السادات لفرض الأمر الواقع أخذاً بعين الاعتبار إمكانيات بلاده العسكرية/الاقتصادية المتوفرة بعد وقف القتال؛ إضافة لطبيعة الجغرافيا التي لا تتيح اجتياز الكثير من الأرض الصحراوية وفق تلك الإمكانيات؛ مقابل الدعم الكبير الأمريكي لإسرائيل.
إلا أن تلك العقبات يقابلها قوة رئيسية لا يجيدها إلا قلة من القادة منهم السادات المتحرر من الأيديولوجيا والمتسلح بجرأة الفلاح؛ إنها السياسة وفن التفاوض والعمل الدبلوماسي الدؤوب وقراءة المستقبل، ومن خلال ذخيرة المكتسب النسبي للمعركة بالعبور وتحطيم مانع برليف الحصين ومبدأ الحق وهو صاحبه.
لقد تكاملت حلقات سيرة الرجل باقتناصه لنتائج المعركة بعد أن خشي تأثير برود فوهات المدافع على المكتسب السياسي. ومعلوم أن الحروب تخاض لفرض واقع جديد يقوي مركز المنتصر في التفاوض بمقدار انتصاره.
وتم توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من سيناء المحتلة المفعمة اليوم بالحياة السياحية من طابا إلى شرم الشيخ وتحوي عشرات الآلاف من شباب مصر الذين استغنوا عن الهجرة بتوفر فرص العمل هناك في وطنهم وتحت سيادة دولتهم .
فالمدرسة الساداتية تعني التحرك الصلب في زمن الحاجة للصلابة والعنف كما فعل أثناء الاستعمار واتهم بقتل مسؤول رآه ميالاً للمستعمر كما اتهم بالتواصل مع الألمان لإضعاف الوجود الانجليزي، وبالتحرك الثوري المتمثل باشتراك السادات مع الضباط الأحرار في الإطاحة بالملكية وإقامة جمهورية. وهكذا يستمر السادات بين الأسلوب الصلب والناعم في توجهاته حتى يتمكن أخيراً من إنقاذ بلده من كوارث الاحتلال والحروب خاصة أن بلده لا يحتمل الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية أكثر من اللازم كما تستطيع دول أخرى كسوريا مثلاً.


لم يتخذ السادات قرارا خاصا بشخصه ولتكريس حكمه وإلا لما غامر في خوض حرب أكتوبر مهملاً رد الفعل الأمريكي والسادات هو صاحب قرار الحرب والمقنع لسوريا بذلك. كما أن خطوة السلام مع إسرائيل كان من الممكن أن تقوض حكمه من الداخل لصدمة القرار المفاجيء على نفسية الشعب.
إلا أن القرارات الصحيحة تعرف أصحابها.
من أراد النضال فلينهل من مدرسة السادات، ومن أراد التطبيع فليتعلم الأسلوب الساداتي الذي أمضى فيه مراحل المفاوضات يتبسم ويضحك أحياناً ويغضب في أحيان مع الإسرائيليين الذين وجدوا أنفسهم لاحقاً خارج سيناء منحسرين عن بقعة كبيرة من أرض الميعاد.
من يستشهد بسلام السادات ليبرر سلامه عليه أن يأخذ السادات كله يأخذه بنديته التي حققت لبلاده نتائج ملموسة على الأرض؛ بالفعل وليس بالكلام والتصاريح والوعود.

يوسف بن علي الشاعل

About يوسف علي الشاعل

.. يوسف علي الشاعل السعودية مواليد 1975 متزوج ماجستير قانون عام باحث عربي مؤمن بالتضامن الشعبي العربي بغض النظر عن توافق الحكومات
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.