أولماز، أجابتني أوكسانا ( أي مستحيل باللغة التركية).
تعرَّفتُ عليها في لقاء عمل، لا أدري كيف تسرَّعتُ بطلب لقائها خارج ساعات الدوام، كنت جريئاً حينها وبالغت في الثقة بنفسي أو لعلَّ الشعور بالوحدة دفعني إلى هذا الطلب.
آهٌ، كم كنتُ بحاجةٍ إلى من أتحدّث إليه، لقد سئمت من ثرثرة قلمي وصمت القرطاس.
*شكراً، اجابتني السيدة الجميلة.
سألتها، ماذا تقصدين بشكراً يا أوكسانا، هل قَبلتِ دعوتي ؟
*أولماز. آسفة يا أستاذ، وأرجوك أن لا تناديني أوكسانا. لقد مسحتُ هذا الإسم بعد وصولي إلى تركيا. و إسمي الآن هو زينب. لقد تحوَّلت من المسيحية الأرثودوكسية إلى الإسلام بعد زواجي من رجل تركي و بقيت مسلمة رغم طلاقي منه قبل سنوات، لأنني قررت أن أواصل حياتي هنا لأكون قريبة من ابنتي.
لكن، هل ستعودين يوماً إلى بلدك الأصلي في أوروبا ؟
*لا أفكّر بهذا الموضوع الآن.
استمرّينا بالدردشة قليلاً بعد الاجتماع بينما نشرب القهوة، سألتني عن وطني الذي لا اعلم عنوانه الآن ثمّ ابتسمت بعض الشئ و انكسر جانبٌ من جدار الجليد بيننا. مَدَتُّ يميني بصعوبة من خلال الفتحة المكسورة و دفعتني جُرأتي الساذجة أن أطلب رقم تلفونها الشخصي، لكن زينب اعتذرت للمرّة الثانية و أعادت يدي إلى حدودها بدبلوماسية راقية و سدت نافذة الجليد بإحكام،، هذه المرّة تلقيت حفنة ثقيلة من الثلج الساخن جعلتني أتصبّبُ عرقاً.
لكن الهروب من وحدتي هنا كان صوب عيني دائماً، فقررتُ أن أستمر في نضالي، فلا بُدّ للجليد أن ينصهر بحرارة الحديث، و سألتها إن كانت تشرب الكحول حينما كان اسمها أوكسانا في بلدها الأصلي ؟
*نعم قالت زينب، كُنتُ أحب النبيذ الوردي أو الزهري.
و الآن ماذا تشربين في تركيا يا زينب ؟
*لم يتغيّر شئ فالنبيذ التركي لذيذٌ جداً،، و أشكرك على الحضور، كانت فرصة سعيدة أن أتعرف عليك.
أشكُركِ أنا أكثر يا زينب، و سأكون أسعد لو إنك تقبلين دعوتي و نتبادل نخباً من النبيذ في نهاية الاسبوع.
*فُرصة ثانية أستاذ. ( هكذا أجابتني زينب، ودّعتها و مشيت عنها مُتبختراً لكن مُحبطاً داخل شخصية شرقية مُتناقضة ).
عند باب الخروج صوتٌ يُنادي:-
( أستاذ .. أستاذ لحظة من فضلك).
إلتفَتُّ،
أوكسانا خلفي تحمل ورقة صغيرة كتبت عليها رقم تلفونها الخاص و على شفتيها ابتسامة خجولة.
حمدي تموز.
انتاليا، تركيا
آب 2019