ياسر العيسى
جريمة مقتل الشاب السوري #نايف_النايف في #إسطنبول مؤلمة وتحز في النفس وتُدمع العين، وتفرض محاولة الإجابة عن السؤال الرئيس: ما هي مشكلة السوريين في تركيا…؟
….
– 1-
مشكلة السوريين في تركيا مع ممارسة أغلب تكتلاتهم وناشطيهم وإعلاميهم دورهم “التخديري” للتخفيف من هول الجرائم، وهناك من يزعم صلاته مع السلطات التركية، وأنه بإمكانه إيصال صوتهم إليها، ويدعو إلى الامتناع عن التشهير بالجرائم على مواقع التواصل، وهو مطلب تركي لمصلحة تركية، وليس لمصلحة السوريين.
….
– 2 –
جريمة النايف هي من نتائج التزلف والانبطاح من قبل سوريين أمام المظالم المنفذة على سوريين آخرين، بل وحتى من قبل جهاتهم الرسمية الممثلة لهم، وزاد الطين بلة، سكوت المظلومين أنفسهم، بل وتبرير البعض منهم لهذه المظالم.
….
– 3 –
من الملامين على تردي الواقع العنصري، بعض الضحايا – الأحياء منهم طبعاً – ممن طُرحت مظالم بعضهم كقضية عامة قبل أن يُقضى على “عاميتها” على يديه، عندما تُحل مشكلته أو تُرد له مظلمته، أو يُمنح الجنسية، ليخرج علينا بدور المزور للحقائق، نافياً وجود الكم الكبير من الجرائم والمظالم المشابهة لمظلمته، بل ومزوراً لما حصل معه شخصياً..!! وفي أفضل الأحوال يروج أنها من الحالات الفردية، رغم أنها من القضايا العامة التي يعانيها أقرانه..!!
ليس هناك أوضح مثالاً من أحد الناشطين الذي تعرض لأسوأ أنواع المعاملة والتعذيب على يد حرس الحدود التركي في إحدى السنوات ليجعل قضيته عامة، قبل أن يحولها إلى “خاصة” و”استثنائية” و”فردية” بعد السماح له ولعائلته بالدخول إلى الأراضي التركي، ليضع مقتل مئات السوريين وتعرض أضعاف عددهم على الحدود ما تعرض له وراء ظهره..!!
….
– 4 –
مشكلة السوريين في تركيا، أن المظالم التي يتعرضون لها، هناك من يبررها ويباركها من أبناء جلدتهم..!! في ظاهرة فريدة و”مقززة”، وحتى لبنان التي تزخر بشبيحة الأسد، وتحكمه عصابة موالية له، لا نجد مثل هؤلاء، بل يهاجم مؤيدو الأسد وصفحاتهم وشبكاتهم وناشطيهم العنصرية والسياسة اللبنانية ضد اللاجئين السوريين.
….
– 5 –
مشكلة السوريين في تركيا ليست مع الأتراك بشكل عام، بقدر ما هي مع السلطات التركية التي حملت الضرر لهم عبر بعض القوانين والأنظمة، ومن خلال ضعف إداري وقانوني في إدارة ملف السوريين داخل البلاد، ناهيك عن تراخ و”تطنيش” في كبح جماح العنصريين من الأتراك، أو تجاوزات وجرائم وانتهاكات موظفيها وأمنها ورجال شرطتها و”جندمرتها” ضد السوريين.
….
– 6 –
مشكلة السوريين في تركيا هي مع عنصرية الإعلام التركي الذي يحرص على إبراز جنسية الجاني إن كان سورياً في أي جريمة أو حادثة، خاصة في العنوان الرئيس، وينشر صورته بطريقة مذلة في أوقات كثيرة، بل ويقدم أحياناً معلومات مشوهة تزيد من تشويه الجاني زوراً وبهتاناً..!! دون أي مراعاة إنسانية وقانونية وأخلاقية وأمنية للجاني وأسرته..!! بينما يغيب ذلك عندما يكون الجاني تركي الجنسية..!!
….
– 7 –
مشكلة السوريين في #تركيا مع السلطات التركية التي تحتاج لأيام عدة أحياناً من أجل صد هجمات عنصرية ضد اللاجئين، بل تعمد أحياناً إلى ترحيل المُعتدى عليهم من أطفال ونساء من منازلهم إلى أماكن أخرى، بينما يترك العنصري يصول ويجول في الشارع وفي مواقع التواصل وفي المدارس وأمكنة العمل، ولا دعوة تثار ضده ولا سجن ولا فرض غرامات.. إلا في حالات نادرة..!!
…
– 8-
مشكلة السوريين في تركيا أن العنصرية تتبناها في بعض الأحيان، جهات رسمية وحكومية عبر قرارات وقوانين وأنظمة، أو عبر عدم تطبيق الأنظمة والقوانين ذاتها الصادرة عنها، ورفض منح حقوق أقرتها هي للاجئين.
…
– 9-
مشكلة السوريين في تركيا هي مع قرارات الترحيل شبه اليومية، التي ليست اكثر من رضوخ للعنصريين الأتراك أحزاباً وأفراداً، رغم أن العنصري لن تُرضي عنصريته أمثال هذه القرارات، ولن يكتفي بأي تنازلات، بل تزيد من نار عنصريته..!!
…..
– 10 –
مشكلة السوريين في تركيا أن العنصرية لم تعد تقتصر على ما يلقاه من بعض الأتراك، لتنتقل إلى مرحلة أدهى وأخطر، متمثلة في عنصرية بعض السوريين مع مواطنهم السوري، ليشاركوا بذلك أقرانهم من العنصريين الأتراك نظريتهم القائلة: هو سوري.. إذا هو كائن مستباح… وبلا حقوق….!!
…
– 11 –
مشكلة السوريين في تركيا أن الكثير منهم ما زال يعتبر أن #العنصرية المتفشية وكل قانون وتضييق وقرارات وإجراءات تستهدف السوريين، بأن سببها وقائلها ومصدرها وداعمها المعارضة التركية فقط، بينما لا يمكن لأردوغان وحزبه وسلطات فعل شيء سيئ ضد السوريين…!! هم منزهون دائماً وأبداً ومطلقاً..!!
….
– 12 –
اتهام المعارضة بأن لها اليد الطولى فيما يحصل مع السوريين وتخويفهم منها، هدفه التنصل الحكومي من المسؤولية، ومن تحمل بشاعة ما يجري، وما فعلته قراراتهم وقوانينهم، وتراخي سلطاتهم.
وللتنويه، فإن المتابع للسياسة التركية يرى بأن ولاء كثير من السياسيين الأتراك بشتى أصنافهم من اليمين حتى أقصى اليسار لأحزابهم وتكتلاتهم أقوى من ولائهم لبلدهم.. وإن زعموا العكس.
بالتالي: المعارضة إن وصلت على السلطة فلن يتغير الشيء الكثير على اللاجئين، لأننا نعلم ارتباط هذه الأحزاب وبأوروبا والغرب، ممن لن يسمحوا بأي سياسة ونهج جديد يؤثر عليهم ومنها قضية اللاجئين في تركيا.
…
– 13 –
مشكلة السوريين في تركيا، أن اتخاذهم كورقة سياسية – بشكل رخيص – لم تعد تقتصر على أحزاب المعارضة فحسب، ليجاريها الحزب الحاكم وقادته.. ولم ننس مرشح “حزب العدالة” عن اسطنبول في انتخابات البلدية الماضية، عندما نافس مرشح المعارضة في إطلاق التصريحات والوعود المعادية للسوريين القاطنين في الولاية.
….
– 14 –
مشكلة السوريين في تركيا، محاولة ايهامهم بضرورة مخاطبة الشعب التركي واستمرار ووقوفهم في موقف المدافع عن أنفسهم، وهذا يبعدهم عن الأسباب والحلول الحقيقية.
مشكلة السوريين ليست مع الشعب التركي، بل مع الجزء العنصري منه، والذي – هذا الجزء – موجود في كل مجتمع، لكن ما يفرق عنه أنه هنا الأبواب مفتوحة أمامه ونال الدعم والمساندة من سلطات بلادهم عبر تركهم يصولون ويجولون في عنصريتهم دون قيد أو شرط، وهؤلاء لن تنفع معهم أي مخاطبة عقلانية من أي جهة كانت، لأنهم يعلمون أن ما يردوونه أكاذيب وادعاءات.
….
– 15 –
مشكلة السوريين في تركيا.. أن المنتهك والعنصري ضدهم يعلم حق اليقين أن السوريين أصبحوا وسيصبحون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع التركي، أو على الأقل.. جزءا ليس بالقليل منهم.. وبالتالي.. الانتهاكات بحقهم، هدفها كسر شوكتهم وجعلهم يشعرون وهم وأولادهم وأحفادهم من بعدهم بالدونية والنقصان أمام بقية أصناف الشعب التركي، وبعبارة مختصرة: تكرار تجربة عرب أورفا و بعض سكان الجنوب التركي، الذين ما زال لدى كثير منهم عقدة النقص واضحاً ومقلقا ومزعجاً وغير مبرر أمام بقية مواطنيهم الأتراك.
….
– 16 –
مشكلة السوريين في تركيا تردديهم جلد الذات المستمر بأنهم السبب لعدم قدرتهم على تشكيل تجمعات وكيانات واختيار شخصيات تمثلهم بالشكل الصحيح وتدافع عن حقوقهم، رغم أن الواقع يقول أن هذه النية إن وجدت، فإن تركيا وحكومتها وحزبها الحاكم لن يسمحوا بوجود تجمعات وكيانات وشخصيات تخالف رؤيتها للأمور والقضايا الخاصة بالسوريين في تركيا أو بالقضية السورية بشكل عام، وإدارتهم لمناطق درع الفرات وغصن الزيتون بالداخل السوري، خير دليل على ذلك.. علما ان هذه الأرض ليست أرضهم فكيف الحال إذا كانت داخل أراضيهم.
…
– 17-
يروى أن الذئب والخروف لما كانا على ظهر السفينة، وعجز الذئب أن يقدم سبباً مقنعاً للناس والركاب الآخرين لافتراسه، قال بأنه سيلتهم الخروف لأنه يثير العجاج (الغبار)، رغم عدم وجود التراب والغبار في السفينة أصلاً، ومن هنا جاء المثل القائل:
“خاروف السفينة معجعج لحالو”
لا تبقوا تتعبوا أنفسكم بالتفكير ولوم النفس، وجلد الذات: لماذا فعلنا كذا ولم نفعل كذا؟
كل الدلائل والوقائع تؤكد أنكم كنتم أفضل حتى من الخروف الضحية في المثل السابق، ولكن.. صراع الذئاب له رأي آخر.
…..
أخيراً:
الرجاء.. القليل من الاحترام لعقولنا، والتخفيف من بيانات “احذروا الفتنة”.. أو على الأقل إذا أصررت عليها، فلتكن موجهة للطرف الساعي إليها، وليس للضحايا الهاربين منها.. ومن بينهم وليس آخرهم: نايف النايف.