جاكيتي الأبيض

/..أعيد نشر هذا البوست لأني أحبه، بعد أن نشرته في تموز 2015../
وصلتني مؤخراً دعوة كريمة من دولة متحضرة في شمال أوروبا وكان علي المرور على قنصليتها في اسطنبول لاستلام الڤيزا.
وقبل مغادرة بيروت، قلت في نفسي: رغم أنك متقاعد، فإن من المتوقع أن يستقبلك القنصل في مكتبه لذلك يفضل أن ترتدي شيئاً لائقاً.
تذكرت أمي رحمها الله، التي كانت تقول لي، عند مروري عليها لنيل الرضا، ‘ هل نظروا الى ملابسك قبل أن يعينوك سفيراً’ وكنت أجيبها ‘ كنت لابس منيح على غير عادة يومها’. لذلك قررت أن أحمل جاكيتي الأبيض الذي يرفع من مقداري وتوجهت الى المطار.
في اسطنبول وبعد عناء وصلت الى باب القنصلية فوجدت باباً حديدياً عريضاً وخلفه حديقة تفصلنا عن مبنى آلقنصلية الذي يعود بناؤه الى بدايات القرن الماضي.
كان الباب مليئاً بالفتحات والشبك بحيث تستطيع الرؤية عبره لكنكً لا تستطيع تمرير حتى جواز سفر من بين فتحات الباب.
خلف الباب عامل كردي مهذب يجيد العربية المحكية ويشعر بالفخر لأنه في موقع المسؤولية. سألني بلطف ‘ هل تجيد العربية؟’ قلت ‘ نعم ولدي موعد لاستلام الڤيزا، اسمي كذا..’.
ذهب الى التلفون المركون الى جانب المحرس فاستبشرت خيراً وتحدث مع شخص وبعد أن جعلني أكرر اسمي، قال لي: أعطني باسبورك، قلت من أين أمرره؟ فأشار الى فتحة طولانية ضيقة بين الباب وعارضة البيتون تكفي بالكاد لمرور الجواز، واستلمه بحِرْفية عالية.


مضت الدقائق والشمس تعاند في وسط السماء فأشفق عليّ مسؤول البوابة وطلب مني أن أنتظر في الظل على يسار البوابة من الخارج، أنا وجاكيتي الأبيض طبعاً.
بعد ربع ساعة أطل الجواز دون قنصل يرافقه. وكان مسؤول البوابة يحمله معجباً بانجازه ومتوقعاً أن أقفز من الفرح وأرمي جاكيتي الأبيض في الهواء.
واجاكيتاه … واأبيضاه
أتيت بك من بيروت لترفع مقداري فلم يحفل بك أحد وطويتك وعنقكَ مَلْوِية على ذراعي،
تشكو ضعفك وتعذرني،
فأنا مجرد سوري … يلبس جاكيتاً أبيض.
به أو بدونه أنا بحاجة إلى وطن …

About سامي خيمي

سامي خيمي *سفير سوريا لدي بريطانيا, دكتور مهندس بمركز الابحاث العلمية واستاذ بقسم الهندسة الاكترونية جامعة دمشق
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.