ثلاث قطرات ماء في الطابق الثاني

محمد الرديني

واخيرا اقتنع عضو البرطمان بشراء احدى العمارات السكنية المطلة على شارع السعدون رغم انه كان معجب بعمارة مزخرفة في القصر الابيض.
لكن دلال العقارات المعروف ب”ابو فتيهن” حذره من شرائها معللا ذلك بانها تطل على نادي اتحاد الادباء المعرض للتفتيش نهاية كل شهر.
وقال له:بصراحة سيدي النائب.. ان رواد هذا الاتحاد من الكفرة والثرثارين ويدّعون العلم والثقافة.. الواحد منهم سيدي النائب قرأ كتابين او ثلاثة حتى بدأ يخطب بالجماهير ويتكلم عن الديمقراطية والحرية والكلام الفارغ المعروف.. ولهذا لو تقبل نصيحتي ان تشتري تلك العمارة التي رأيتها امس الاول والمطلة على شارع السعدون.
رد السيد النائب: ولكن يقال ان الماء لايصل حتى الى الطابق الثاني.
ضحك ابو فتيهن قائلا: وهذا من صالحنا سيدي النائب..وفي هذه الحالة امامك خياران رائعان جدا.. اما ان تحصل على اجازة استيراد “الماطورات” والحصول عليها سهل جدا خصوصا بالنسبة لك وراسمالها تلفون”صغير” لوزير التجارة وبعدها تبدأ استيرادها من الصين وتضّمن فقرة في عقد الايجارتلزم المستأجر شراء “ماطور الماي” من سيادتكم.
تململ السيد النائب وهو يقول: ولكنك تعرف ان الصناعة الصينية اي كلام ولاتقاوم الا شهور قليلة ثم “تخرب”.
ضحك ابو فتيهن هذه المرة بقوة وهو يقول: وهذا ايضا في صالحنا فحين يخرب “الماطور” يأتيك المستأجر مستنجدا وما عليك ان ترحب به وتطيب خاطره وتبيع له “ماطور” جديد وتقسم له انه “سرمهر” ولايمكن ان تصيبه العطلات.
رد السيد النائب: وماذا عن الخيار الثاني.
قال ابو فتيهن: لك علاقات قوية جدا ،حسب ما عرفت، مع احد البنوك وبالتأكيد سيرحب عضو مجلس ادارة هذا البنك باقتراحك لمساعدة المستأجرين للحصول على قروض ميسرة يشترون بها “الماطورات” وغيرها وطبعا لايفوتك ان لك عمولة مئوية انت تحددها.. وهذه ستكون البداية، فانت خلال سنة واحدة يمكن ان تشتري العمارة المجاورة وخلالها تكون قد جمعت قيمة الفوائد من بيع “الماطورات” لشراء العمارة الثالثة وربما سيستنجد بك ساكني العمارات المجاورة لشرائها وهكذا.
تململ السيد النائب مرة اخرى : دعني افكر بالامر.
رد ابو فتيهن: المسألة لاتحتاج الى كل هذا التفكير .. انها فرصة العمر ويجب ان تسرع فهناك من يريد شراء هذه العمارة.
نهض السيد النائب: من هو ؟؟.
رد ابو فتيهن: لاداعي لذكر الاسماء فانها كما تعرف من اسرار” الشغل” ولكني اطمئنك الى انه من زملائك المقربين جدا في البرطمان.
صاح السيد النائب: حسنا، قبلت العرض ودعنا نوقع الاوراق حالا.
مد ابو فتيهن يده الى احد الادراج واخرج ملفا :انه جهاز للتوقيع سيدي النائب.
وفي زحمة الاوراق التي تراكمت امامه توقف فجأة ليقول : ولكن الماء ياعزيزي.. صعب اقناع المستأجر بان الماء يمكن صعوده الى الطابق الثاني او الثالث.
قال ابو فتيهن: سيدي النائب.. امين العاصمة او محافظ بغداد يمكن ان يحلا لك هذه المشكلة بقليل من “البرطلة” كل مافيها ان يأمر احدهما بمد انبوب يشبه انبوب المجاري الى بناياتك السكنية على ان يكون مرتبطا بانابيب متفرعة الى كل “ماطور” شقة واتعابك تستحصلها شهريا مع الايجار.. شفت كل شيء سهل وابوك الله يرحمه.
وبعد انجاز كافة الاوراق الاصولية استعد السيد النائب للمغادرة وعند باب المكتب الرئيسي قال ابو فتيهن مازحا: هاي عليها حفلة.. مو؟
ضحك السيد النائب:طبعا راح اسوي اكبر حفلة بس مو في بغداد.. انت تعرف هنا فضيحة ،لدي ناد ليلي اشتريته في الشهر الماضي في بيروت سأقيم فيه حفلة العمر وانت اول المدعوين.
فاصل: لايوجد فاصل هذا اليوم فانا مشغول بكتابة اسماء المدعوين لحفلة بيروت.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.