الجلسة العفوية التي ضمت عدداً من الصحافيين اللبنانيين في بيروت، خرجت بخلاصات حاسمة يستند معظمها إلى سوء فهم للموقف السعودي من عدد من القضايا. وهي غالباً، أي الخلاصات، ما ترزح تحت «العجلة» اللبنانية الموصوفة، في القفز إلى استنتاجات قاطعة حول الربح والخسارة والانتصار والهزيمة. جربنا نحن اللبنانيين هذه اللعبة طويلاً، وكانت الانتصارات والهزائم ولا تزال تنقلب خلال أيام أو أسابيع قليلة، من جبهة إلى أخرى، وتتغير بين تصريح وآخر أو بين نشرة أخبار وأخرى. يزهو من يزهو ويحبط من يحبط لتعود وتنقلب الأدوار سريعاً، في بلد تبدو سرعة السياسة فيه أعلى بكثير مما تحتمله علوم السياسة. في بيروت ستجد من يعاجلك «بحرب» السعودية في اليمن. ما لا يُلحظ، أن هذه الحرب ليست اختيارية. لم تقرر السعودية الدخول في حرب اليمن، بقدر ما فرضت هذه الحرب نفسها على سياسة المملكة بعد طول صبر وأناة.
لم يكن ممكناً انتظار انقلاب الحوثيين أن يتمدد أكثر. حين أعلنت السعودية انطلاق «عاصفة الحزم»، في 25 مارس (آذار) 2015 كان الحوثيون وقوات المخلوع علي عبد الله صالح يتقدمون نحو عدن بعد إسقاط تعز والمخا ولحج، مستفيدين من التقدم الذي أحرزوه قبل ذلك بأشهر حين احتلوا عمران ورداع وتوجوا انقلابهم بالسيطرة على العاصمة صنعاء. لم تكن حرب اختيار، وقراءتها اليوم تقاس بما تحقق من حماية جنوب اليمن، وممر باب المندب الاستراتيجي بعد معارك طويلة وقاسية، واستعادة السيطرة على عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة ومأرب وصولاً إلى مشارف العاصمة صنعاء.
وبإزاء تماسك المشروع السعودي القاضي بتحرير اليمن من رهانات الهيمنة الإيرانية وإبقاء اليمن أسير نزوات التفرد عند المخلوع صالح، ظهرت التشققات العميقة بين صالح والحوثيين لتبدد أي أفق سياسي أو استراتيجي لزواج المصلحة بين الاثنين.
تنتهي من اليمن ليُفتح في وجهك ملف قطر، باعتباره اختياراً قاسياً مكلفاً.
ينسى محدثي أن قطر تتعامل مع أزمة واحدة هي الاشتباك المفتوح مع الرياض، وتجند لخدمتها ترسانة إعلامية وسياسية ودبلوماسية، في حين أن السعودية تتعامل مع ملفات معقدة وكثيرة تبدأ من مشروع التحول الداخلي الاقتصادي والاجتماعي ولا تنتهي عند المسؤوليات العربية الأوسع للسعودية. قطر دولة ثرية وبوسعها أن تصمد لأشهر، أمام العقوبات الخليجية، ودولة حيوية وبوسعها أن تبقي على عنوان الأزمة مع السعودية حياً في دورة الإعلام والأنباء. لكنْ توجد لهاتين القوتين حدود. أدعو محدثي أن يقفز معي أشهراً قليلة إلى الأمام، وأدعوه لتخيل الموقع الذي سيحتله خبر قطر في الإعلام، وأدعوه لتخيل تماسك الدعاية القطرية التي لكثرتها دخلت باكراً في زحمة تناقضات فاضحة. وأدعوه لتخيل موقف رجال الأعمال الذين ستضعهم حسابات الربح والخسارة الباردة أمام حقائق مرة، لا يغطي عليها ولا يحلها الاستنجاد العسكري بتركيا أو السياسي بإيران. فهؤلاء أول وأكثر من يعرف عمق الترابط بين سلامة الاقتصاد القطري وسلامة العلاقات الخليجية. كل ما عدا ذلك: «هوبرة» إعلامية و«عنتريات» ضيقة الحدود وضعيفة الفاعلية. أي رجل أعمال قطري يعرف أن كاتب عدل في الإمارات أو السعودية أو البحرين أو مصر بوسعه أن يوقف أعمالاً له بمئات ملايين الدولارات… انتهى البيان! زد أن المطلوب ليس تغيير النظام في دولة خليجية، ولا احتلالها، ولا الهيمنة عليها، بقدر ما أن المطلوب ببساطة هو كف الآثار السلبية للشغب القطري، وتعطيل المفاعيل المؤذية لمحاولة دولة صغيرة أن تتقمص دور دولة عظمى!!
يسهل بمنطق الاستعجال اللبناني القفز من عدد «اللايكات» أو «التويتات»، لتصور أن هذا تعبير حضور جماهيري جبار لموقف أو شخص أو دولة أو كيان!! وهو يسهل كثيراً في حالة قطر، التي تعرف أن الأمور بخواتيمها، والتي لن تكون إلا لصالح قطر وشعبها وسلامة علاقتها بالمنظومة الخليجية.
في ملف العراق، ستجد صعوبة في شد انتباه محدثك اللبناني، إلى التقدم الذي تحققه سياسات الانفتاح السعودي على الجار الاستراتيجي. فالسنوات الطويلة الماضية جعلت الهيمنة الإيرانية على العراق، تبدو المنطق الطبيعي للأمور، في مقابل العزوف السعودي عن هذا البلد المهم. يغشى هذا التاريخ النظرة إلى الرهانات الاستراتيجية السعودية في العراق وأساسها الاستثمار في جذب العراق أكثر صوب مصالحه مع العرب ومصالح العرب فيه. ليس بسيطاً الرهان على الموقف الوطني العراقي لمقتدى الصدر الذي زار الرياض وأبوظبي، وليس قليلاً البرم الذي تعبر عنه حكومة بغداد بالسياسات الإيرانية على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي. ليست كافية بالتأكيد، لكنها مؤشرات أن سياسات الانفتاح على العراق، اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً، افتتحت زمناً جديداً.
ملفات الإقليم على الطاولة السعودية كثيرة. لكن ثلاثة منها ستقرر مكانة السعودية الجديدة. ضبط قطر، حماية اليمن، واستعادة عروبة العراق. في الثلاثة، لا شيء يثير القلق.
المصدر: الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
فيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمحرب #اسرائيل مع #حماس دينية ام سياسية ؟
Published by:صباح ابراهيمعن الفنان السوري #فؤاد_غازي: أخدوه ع الشام و"خيسوه"، الله "يخيّس" آخرتهم.
Published by:مفكر حرمن تلفيقات الفقهاء وأكاذيب المفسرين
Published by:صباح ابراهيمنبوءة_اشعياء وحرب #اسرائيل وحماس
Published by:صباح ابراهيمشيعة #العراق وأزمة المواطنة
Published by:علي الكاش** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هلوسات د. سمير غطاس حول أرض الموعد وهيكل سليمان … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السنديالطفل اليانع
Published by:آدم دانيال هومهالعراق ما بين الماضي الزاهي والحاضر العاثر
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- س . السندي on سيناريوهات الحرب بين #حماس و #إسرائيل.
- س . السندي on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- الأب بولس فلوح on رواية الغريب وضياع الهويه