تركنا طرابلس خلفنا متجهين جنوباً عابرين بوابة بن غشير، ومقصدنا منطقة ترهونة وتحديدا قرية الداوون الجميلة المحاطة بمرتفعات جبلية متوسطة ومكتسية باللون الأخضر إما لأنها مزروعة بأشجار الزيتون واللوز والخروب أو كساها خالقها بشجيرات برية.
شعب ترهونة تواق للحرية والانعتاق من قبضة حكم الفرد وجل الذين قابلتهم مثقفون متابعون للأحداث السياسية من حولهم.. تذكرت ذلك وترهونة وبشكل أوسع ليبيا يتصارع فيها فريقان سياسيان أفرزتهما ثورة 17 فبراير وما تبعها من أحداث وتحالفات داخلية وتدخلات خارجية.
تقف سيارتنا بجوار حائط في ترهونة مكتوب عليه بخط أنيق مما يرجح على أن الكتابة رسمية “طز طز في أمريكا”.. ويجلس تحت العبارة بعض من العمالة المصرية يسندون ظهورهم للحائط، ولا يظهر عليهم التفاؤل ذلك اليوم لقلة فرص العمل؛ عرفت ذلك عند رغبتي في تبديل جنيهات مصرية بدنانير ليبية منهم فهزوا رؤسهم قائلين: ليس لدينا دنانير أصلاً.
وتعيش ليبيا حينها ركوداً اقتصادياً وحياة اجتماعية مملة فمضى على الحصار الأمريكي خمس سنوات وممنوع تحليق الطيران في سمائها.
كنا في صيف العام 1998 ومعمر القذافي يمسك بقوة بالسلطة أكثر من أي وقت مضى؛ فالمعارضة في تراجع وبالخصوص الفصيل الأقوى وهو جبهة إنقاذ ليبيا التي دفعتها مصالح الدول مع القذافي للانتقال خلف المحيط في الولايات المتحدة.
لقد طال صمت ترهونة أكثر من اللازم وحان لأهلها أن يطلقوا صرخة الحرية التي حرموا منها من زمن القذافي بل كأنهم إلى اليوم في ربيع العام 2020 يتصورون القذافي قابع في باب العزيزية، وأن خليفة حفتر هو خليفة القذافي الذي وكله على الجلوس في كرسي حكم الفرد المسيطر على بعض الأذهان بفعل طول الزمن ومكينة الإعلام العربي التي روجت لحتمية حكم الدولة العربية من عسكري.
أهلنا في ترهونة .. حانت لحظة النهوض والتحرر الذاتي..
الكل ينظر لكم.. الكل ينتظر منكم..
يوسف الشاعل..