
حمدي تموز.
“بُراقُ ناسا”
في الأمسِ استأجرتُ بُراقاً موديل 2023 وبمواصفاتٍ خاصة من وكالة ناسا للأبحاث الفضائية كي أستكشف الشمسَ وما يَليها.
لم يمضِ المساءُ، حتى اتّصَلَ مندوبُ الوكالةِ ليُخبرني بأنّ البُراقَ قد هبطَ بسلامٍ على سطح منزلي ليُحلّقَ بي نحوَ غايتي. حزمتُ أمري إليهِ مُسرعاً، ثمّ أمسكتُ بلِجامِه وربّتُ على رقبتهِ ليتعرّفَ على فارسهِ قبل الولوج نحوَ الفضاء.
صهلَ الحصانُ صَهلةَ ترحيبٍ فامتطيتُهُ على الرغمِ من خطورةِ اختراق الكرةِ الشمسية، ناهيكم عن الكلفةِ الباهضة لِعلَفِ ذلك البراق.
على كلّ حال، كان فضول اكتشافِ أصلِ الكون يهوّن من خطورة الرحلةِ ونفقاتها، لذا أسبَلتُ لجامَ الحصان ليُرفرفَ بأجنحته الذهبيّة وينفُثَ بزفيرهِ قافزاً مِن نجمِ إلى آخر حتّى نزلَ بي إلى سماءٍ ليس فوقَ فوقِها ولا تحت تحتِها سماءُ.
هناك، طوى البراقُ أجنحتهِ وأعلنتْ بوصَلَتُهُ بأننا قد بلغنا المحطّةَ الأخيرةَ من الكون، فنفضتُ عن كَتفي وعثاءَ السفرِ بعد أن أنزلتُ رِكابي رابطاً عِقالَ البُراقِ بذراعي.
التفتُّ إلى يميني ثمّ إلى شِمالي حيثُ لا أرضٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا ريحٌ ولا غيمٌ هناك ولا ماءٌ. لا شيءٌ يلوحُ في المدارِ سوى كرسيّ عرشٍ مُهترِءٍ باعهُ التاريخُ يطوفُ في فضاءٍ قاتمِ الصُفرةِ ترقُصُ حولهُ شياطينُ نارٍ وأباليسٌ أقزامَ، حمراءٌ منها وزرقاءُ.
هنا، صهلَ البُراقُ خوفاً، فامتطيتهُ لنبتعد عن ذاك المشهد، وناديتُ بمُكبِّرات الصوتِ:
يا صاحبَ الكُرسي، يا مالك المُلك، أين أنت، لقد سرقت الشياطينُ عرشك وعبثوا في سمائك وأرضك. كررتُ ندائي، لكن ليس من مُجيب، فأمرتُ البُراق أن يطلق طائرات الدرون لتبحث عنهُ، فضحكتْ الأباليسُ منّي بعدَ أن أخذت تلعبُ بطائراتي، لذا أمسكتُ بلِجامِ حصاني خوفاً أن تمتطيه الشياطينُ، ثمّ أطلقتُ ندائي الأخير:
أيّها الملكُ، يا صاحب ال…..، يا ……، يا ……، وياءاتٌ كثيرةٌ دوّتْ في الّا مكانِ: أين أنتَ، هل تسمعني لأخبرك عن آلامِ الثكالى والأراملِ، عن جوع أيتامٍ خلّفتها حروبِ أديانٍ أنت صائغها. فهل تسمعني أيها الملك، لماذا لم تخلق العالمَ أمّةً واحدة، بلونٍ واحدٍ وبدينٍ واحدٍ كي لا يتنازعوا، أين نحنُ من هذه الحكمة، أيسُرّك التناحرُ ومشاهدُ السبيِ؟
سأكتفي بذكر هذا لك ولا أريد إطالة الحديث عن أخبار الدمار وموت الابرياء جرّاء زلازلٍ وفيضاناتٍ في أرضٍ أنت مُسيّرُها ومُهندسها.
يا …….، لماذا لم تجِبْني، أأنت في إجازةٍ، هل لديك واتساب كي اتصل بك؟ أما زلت على قيد الحياة؟
مكثتُ فوق سماءِ السماوات أنادي وأنادي حتى أيقضني عطشُ ريقي مِن رحلةِ سريري، فسُبحانَ من أسرى بعبده.
حمدي تمّوز.