بحثا عن مبيت طارئ و بسعر زهيد

الاديبة السورية سوزان محمد علي

Souzi Mohamed Ali

كنت أتجول في المدينة ليلا، بحثا عن مبيت طارئ و بسعر زهيد، فلقد فاتني موعد السفر إلى القرية، وليس في حوزتي نقود تكفي لقضاء يوم آخر في العاصمة، فكل ما أملكه محدد ومخطط له منذ البداية وحتى النهاية، يبدأ من تذكرة الباص، وينتهي في بيتنا أعلى الجبل.
ولقد انقلبت هيئتي وشحب وجهي، وأنا أدخل فندقا وأتبع عنوان فندق آخر، أسعار الغرف اكثر من رؤوس خراف جدي، رأيت لمعة أسنان الفئران تحت السلالم المظلمة، شممت رائحة مني يابس قادمة من أروقة يزينها الموكيت المهترئ المسروق من قصر سلطان منفي.
أحد الموظفين دعاني لقضاء الليلة في غرفته قرب مخازن الوقود، لكنني رأيت طفولتي في عينيه، تركته دون أن أقول له: شكرا.
حسنا …لابد أن تنقلب هيئتي وتتدلى أذني كما لو كنت أرتدي قرطا من خشب الحور، طالما لا املك بيتا، وأتمشى في ساعة متأخرة من الليل بين أزقة عارية، إلا من العاهرات واللصوص والخونة.
دبيب في لحمي وطفق أجنحة في قلبي، ويد أحد المشردين ممن ينامون تحت الجسور تمتد كي يشعل لي سيجارة.
وشعرت بانتصاب في حلمتي وهو يتركني ويغادر بحثا عن جسر، كان يرتدي قميصا أسود كتب على ظهره بالانكليزية:
” good day better”
لم أتمكن من قراءة المزيد لأنه ابتعد وبدا لي جسده مثل جسر وسط الضباب، لربما لم أعجبه بنظاراتي السميكة ومعطفي الطويل، وبعد دقائق قليلة تقدمت عاهرة نحوي، لها شامة مصطنعة فوق شفتيها، تزين عنقها بعقد ضخم، ولشرايين عنقها البارزة لون أخضر قاتم، طلبت مني مغادرة المكان بغضب وحنق، فهذا ملكها وحياتها منذ عشر سنوات، بل إنها لا تملك شيئا في هذا العالم سوى هذا الوهم.


مضيت بسرعة، محاولة أن اطوي صراخها، سمعت وقع بصاقها فوق الأرض وشتيمة غريبة تتبعني.
لم ينجح الليل وفوات موعد المحطة وهذه الشوارع البالية في جعلي أبدو كعاهرة لليلة واحدة، كنت أريد ظلا أقترب منه، لكن الجميع طردني بخفة، حتى قطط الحديقة السجينة، نمت وأنا أمشي، متخيلة حقيبتي سرير، والكيس الأسود مشجب خشبي، وقادتني خطواتي إلى الصباح، حيث الموت صاخب والعصافير متلبدة والغازات السامة تتبع الجنود إلى الثكنات.

This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.