وكأن سخونة أحداث الواقع صارت بمثابة دغدغة لطيفة أمام ذلك الكابوس الذي استيقظت عليه لتجد أحلامها وقد إنكسرت وصارت كوابيسا بات يتفنن بها عقلها الباطن ليجعلها تتقبل سخونة الواقع مقابل الموت الذي تأتي به تلك الكوابيس حيث جعلتها تلتمس من بين كل السلبيات التي تحيط بها شيئا ما يلمع هنا ومنسي هناك، وها هي ذا تمتلك وعيها ويداها وجزء من إرادتها، والأهم هو ابنتها بجانبها والتي لم يصبها أي مكروه بعد أن كاد العجز يقتلها حين فقدتها بالحلم وانتبهت فجأة لعدم وجودها ليعتصر قلبها على غير العادة رغم أن الحدث كان عاديا فربما قد ذهبت للعب هنا وهناك ، للحظات جالت في خاطرها أفكارا تشاؤمية أوقفت وجيس قلبها واستشعرت حدثا لا يحمد عقباه فانتفضت بشدة وكأن نارا سعيرا لسعتها، أخذت تبحث عنها في كل اتجاه وتنادي هذا وذاك ليبحث معها وهي تعلم علم اليقين بأن الطفلة لا يمكنها أن تتجاوز شارعهم وكان أملها الوحيد هو أن تجدها في بيت جارهم الذي اعتادت أن تدخله لتلعب مع ابنهم، فطلبت من أحد المتواجدين أن يبحث عنها هناك لكونه المكان الوحيد المرجح أن تكون متواجدة به فجاءها الرد لينفي وجودها هناك ومن ثم كانت الصدمة التي سوف لن تستفيق منها وفكرت بأنها قد فقدتها إلى الأبد، أخذت بالصراخ كالمجنونة ومن حولها يحاولون تهدئتها وهي لا تدري كيف تعبر عن حزنها حيث تأتيها نوبات هستيرية تمرغلها أرضا ولا تدري كيف تتفنن في مرغلت جسدها وفي نفس الوقت تنظر للوجوه لترى ردود أفعالهم ثم تعود للصراخ والعويل، تبكي تارة وتصرخ بكل قوتي تارة أخرى لكن صوتها كان مخنوقا، ثم تلطم على خدها ووجهها أحيانا ثم تنهض وتجلس وتصرخ وتنام دون أن تعرف كيف تعبر عن فجيعتها وحزنها ومأساتها وصارت تلبط كالسمكة خارج الماء وصديقتها تحاول أن تهدأ من روعها، أما هي فلن تحتمل تخيلاتها والصور التي تجول بخاطرها عن وضع ابنتها وكيف هو؟
من خطفها؟
وماذا يفعل بها وما سيكون مصيرها مع هذا الغريب؟
وما هو شعورها الآن؟
أسئلة جالت بفكرها سريعا، وهي تتخبط بحيرتها رأت صديقتها تتحدث عن شيء ما مع شخص ما وابتسامة خفية كانت تعلو شفتيها لا تريد لها ان تظهر للعيان، تسائلت مع نفسها كيف لها القدرة على الابتسام وأنا أتلوى أمامها، نفاق المحيطين هذا صعب أحتماله ، لست بحاجة لهم وفي نفس الوقت صعب البقاء بمفردي في مثل حالتي هذه بالرغم من إن وجودهم وعدمه سواء، لكنني أتأمل أن يتقاسموا معي هذا العناء ….
طفلتي آآآآه لا احتمل تفكيري وما يحدث لها الآن، لا احتمل قهري هذا فليس هناك ما هو أشد قهرا من اختفاء مفاجئ لأعز ما نمتلكه.
فكرت ان تعلن لمن حولها بأنها سوف تنهي حياتها لتجنب نفسها تلك الاحزان التي هي أكبر من احتمالها، وقبل أن تنطق انتابتها نوبة هستيرية من صراخ مكتوم وبكاء يشتد أكثر كلما بكت وكأنها تتعطش للمزيد من الدموع حيث كلما سكبت منها تنتابها الرغبة بالمزيد، ومع اشتداد شعورها بالحزن ووصوله للحد الذي لا يمكن احتماله بعد تصحو من نومها لتجد وسادتها وقد بللتها الدموع ولتجد الحقيقة أجمل بكثير من هذا الكابوس رغم الوباء وانقطاع الكهرباء والجو الخانق مع الحجر الذي بدأنا نتعايش معه، فبالرغم من مرارة واقعنا لا زلنا نمتلك القدرة على التحكم بأحداثه ولو بنسبة صغيرة لكون كل شيء به هو واقعا ملموسا ويمكن التحكم به ولو نسبيا.
دونت الحلم قبل أن يطويه النسيان لاعود له بعد حين لما يحمله من حقيقة ننساها دوما وهي إن كل شيء يهون حينما نمتلك وعينا ونعيش واقعا ملموسا لنا القدرة على أن نتحرك به وفق إرادتنا، وإن كانت تلك الارادة نسبية، ولكن تصعب الامور عندما نقف مكتوفي الأيدي وسط كابوسا يتحكم بأحداثه عقلنا الباطن دون أن يكون لنا القدرة على تغيير مساره ، له قيود تشل الحركة وتثقلها لتجعلنا عاجزين عن أن نتحكم حتى بأنفسنا، والواقع تكون وطأته أسهل من كابوس يشل حركتنا وتنعدم به إرادتنا
فنحن نخاف المجهول دوما لا لشيء سوى لكونه مجهولا كما ونخاف الظلماء لكوننا نجهل الموجود حتى لو كان الموجود جميلا، فالمخفي والمجهول هما أصعب من الواقع المنظور حتى لو كنا محاصرين بالوباء والكثير من الامور، كما والحاضر هو احلى من الماضي لكون الماضي مات والحاضر لا يزال حيا.