العميد الطيار لإيجد من يسمعه

محمد الرديني

مولانا بشير النجفي
نشرت لك اليوم جريدة المدى العراقية موضوعا قالت انه مترجم عن جريدة نيويورك تايمز الأمريكية ويعتقد أولاد الملحة أن هذه الجريدة قد وضعتم في ورطة لابد لك من التخلص منها.
فقد قالت الجريدة أن هذه الخطبة ألقيت بالنيابة عنك ولكن اين؟ لم تفصح الجريدة عن المكان وهذا بحد ذاته أمر غريب فعناصر الخطبة كما يعرف أولاد الملحة هي الخطيب والمستمعين ومكان الخطبة وزمانها.
ماعلينا..
قبل أن نعلن فخرنا بهذه الخطبة التي شخصت كل مفاسد الحكومة العراقية ومصارعتها الحرة مع طواحين الهواء لابد من القول أن أولاد الملحة يعرفون تماماً ان تاريخك المهني يشير إلى انك كنت عميدا في طيران الحكومة الباكستانية حيث أرسلوك بعدها إلى النجف الأشرف لترعى مصالح الزوار الباكستانيين في الأماكن المقدسة العراقية ويعرفون ان الكعدة طابت لك فقررت الإقامة ثم أصبحت بعدها مرجعيا دينيا ولك اتباع ومنهم علي الأديب وزير التعليم العالي والبحث العلمي الذي قلت له بالحرف الواحد أنه مكلف شرعيا بهذا المنصب وسترعاك العناية الإلهية .
ولكنهم لا يعرفون انك تملك هذه الموهبة الفريدة في تشخيص الواقع العراقي حتى ان الجريدة الأمريكية إياها نشرتها في آخر عدد لها.
ولولا جريدة المدى العراقية لما عرفنا انك محلل سياسي “يروحون لك فدوى” كل سياسيي المنطقة الخضراء.
لست محللا فقط وإنما سعت لك اشهر جريدة بالعالم ونشرت لك الخطبة ومن المؤكد سيرسلون لك مكافأة النشر وهي طبعا بالدولار الأمريكي وهذا حديث سابق لأوانه.
قلت في خطيتك أن الأمن مفقود في البلاد والهجمات الإرهابية مستمرة وحالات هروب السجناء تتكرر والقتلة يسرحون في الشوارع والأموال العامة تضيع ونسبة البطالة مرتفعة، فـأين تذهب الأموال؟”
أسئلة مشروعة تماماً وأولاد المحة يقسمون أنهم سيكونون في صفك إذا حصلوا على نصف الإجابة وبدون الاستعانة؟”
وتقول أيضاً إن من حق الشعب أن يطرح هذا السؤال، و أن البطاقة التموينية قد ابتليت مؤخرا بنقص في المواد الغذائية. وفي الواقع إن البطاقة التموينية كانت تتعرض إلى تقليص المواد في كل عام حتى انتهت إلى ما هي عليه الآن من المواد الأساسية فقط (الطحين والسكر..الخ) وليس هناك
وتكشف لأولاد الملحة سرا حين تقولً . ان فشل حملة محاربة الفساد يمكن إرجاعه إلى الوقت الذي غضب فيه المالكي بسبب خروج العراقيين إلى الشوارع بأعداد كبيرة بداية عام 2011، حيث أعطى المالكي وعودا كثيرة في محاولة للتمسك بالمنصب. الشعب العراقي لديه الكثير من المطالب والشكاوى التي لها ما يبررها؛ فهناك نقص في فرص العمل وفي الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب…الخ، وهناك الكثير من المواطنين الذين اختفوا في دهاليز منظومة العدل العراقية، كما ان هناك ايضا قضية مهمة وهي ان الشعب قد صوّت دون ان يتغير شيء في البلاد. فرغم نتيجة انتخابات آذار 2010 ( التي جاءت فيها القائمة العراقية أولا ودولة القانون ثانيا) فقد تم التجاوز على تصويت الشعب، وبقي المالكي رئيسا للوزراء. فلماذا صوّت الشعب إذن؟ لقد اعطى المالكي مئة يوم؛ يواجه فيها الفساد ويحل مشكلة البطالة. جاءت المئة يوم وولت ولم يحصل شيء. المالكي يلعب مع كل مشكلة، مما يعني انه يرفض مواجهتها ويؤجلها إلى وقت لن يأتي أبداً، انه يأمل إنهاك منافسيه وإنهاك الشعب العراقي، فهذا هو النمط الذي يسير عليه منذ 2006.
بصراحة ان كلامك وقع كالماء الزلال على عطش أولاد الملحة..ولا تستغرب حين تجدهم في القريب العاجل يلهجون باسمك ويكونوا من اشد المريدين إخلاصا خصوصا حين ذكرت انه مع معارضة دولة القانون للجهود الرامية إلى تحديد ولاية رئيس الوزراء بدورتين، من الغريب أن نتفاجأ بمقترح إلغاء البطاقة التموينية، ومن الغريب أيضا سكوت مارتن كوبلر عن هذه القضية. لكن مع صمت كوبلر فان الأمم المتحدة قلقة جدا بشأن هذا المقترح.
يقسم أولاد الملحة لو أنها كانت خطبة في إحدى الحسينيات لخرجوا بعدها في تظاهرة ويحملون على أكتافهم خصوصا وانت تقول:
كان العراقيون يستخدمون البطاقة التموينية للتصويت في كل الانتخابات منذ الاجتياح الاميركي عام 2003 اذ ان هذا هو نظام التصويت المعمول به. ليس هناك ما يحل محل البطاقة، لكن مع ذلك فقد اعلن الناطق باسم رئيس الوزراء بان البطاقة سيتم إلغاؤها. البطاقة التموينية هي بمثابة قائمة الناخب وهويته في الوقت نفسه، وخلال أشهر ستجري انتخابات مجالس المحافظات وفي 2014 ستجري الانتخابات البرلمانية ومع ذلك لم تجر مناقشة الكيفية التي سيتم بها التصويت – التسجيل والهوية – بدون البطاقة التموينية. لا يمكن بأية حال من الأحوال إلغاء البطاقة وعدم استبدالها بشيء آخر لأن ذلك سيحرم آلاف العراقيين بل الملايين من الذين سيبلغون الثامنة عشرة من العمر بحلول انتخابات 2014.
هل هناك ابدع من هذا الكلام .. ليحفظك رب العالمين أيها الشيخ الجليل ولا تحسبن ان غضبك سيمر عليهم مرور الكرام حين تقول: من الحماقة أن يسمح العراقيون للمالكي بتدمير نظام التصويت الذي تستخدم فيه البطاقة التموينية دون بيان ما الذي سيحل محلها. لقد قاتل المالكي في كل الانتخابات – مجالس المحافظات والبرلمانية – ويريد تولي دورة رئاسية ثالثة. لا يظن البعض انه لم يحسب كيف سيحصل عليها. ففي عام 2010 استخدم هيئة المساءلة والعدالة في محاولة لشق طريقه، البعض يخشى من انه قام بترهيب مفوضية الانتخابات التي حاول ان يتولى أمرها الا ان رئيسها لم يسمح له بذلك، وانتهى الأمر باعتقال رئيسها. البطاقة التموينية قضية كبيرة، انها تتعلق بالغذاء لكنها ايضا قضية من الذي سيصوت وكيف سيصوت، فاذا ما الغيت اليوم فكيف سيصوت الشعب؟ يمكن للمالكي ان يقول “مازلنا سنستخدم البطاقة في الانتخابات القادمة حتى نتوصل الى ما يحل محلها “. لكن هناك اطفال سيبلغون السن الانتخابية عند حلول انتخابات 2014، فكيف سيتم تسجيلهم كبالغين اذا لم تعد البطاقة التموينية موجودة.
ربما يكون المالكي قد رتّب أموره مع مفوضية الانتخابات، وهذا يفسر سبب سكوتها عن المقترح – مع انه ليس مقترحا وإنما صفقة مكتملة-.
لأول مرة أقف احتراما لرجل دين ومرجعية يملك هذا العمق في التحليل وثقب البصر.
ولكن من من العراقيين سمع هذه الخطبة؟

تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.