Sara Azmeh Rasmussen
كتبت السيدة ميشا مؤيد العظم عن حارتي وخلتني أرجع بالذاكرة لأيام الطفولة. لما كنت لف ودور عالبسكليتة ويبتسمولي حراس قصر الضيافة وآمرية الطيران. لما كنت فوت وأطلع من الباب اللي بيفتح لحاله بطاقة سحرية لما حدا يوقف قدامه، وبوّاب فندق الميريديان يقلعني… وأرجع أتسلل …
لما أقطف الياسمين من باحة كنيسة القديس يوحنا الدمشقي وألعب بباحة جامع الحسن واتطلع عالحمام الواقف عالمنارة.
لما أمشي نزلة الآمرية لساحة الأمويين. بعمل بحث على غوغل وما بلاقي صورة بتشبه ذكرياتي. صور الذاكرة مختلفة…فيها تفاصيل صغيرة ما في كاميرا بتلقطها
كنا نستعمل كلمات فرنسية بالبيت ربيت عليها قبل ما أفهم شو يعني فزلكة، ولا أصلا فهمت أنها من لغة تانية، كانت جزء من اللغة اللي تعلمتها ببراءة طفل. وكان أبي المرحوم يحكي أحاديث كاملة بالفرنسي مع أخوته وأخواته سمعتها قبل ما أعرف شي عن الاستعمار الثقافي… كانت جزء من نشأتي.
وجزء من تاريخ سوريا ما فينا نمحيه
بحس أنو حقنا بالحنين والشجن منقوص، نحنا اللي القدر لحشنا بحارات معينة وشوارع سفارات. لما نكتب بتتحسس الناس، بيفكرونا عم نشوف حالنا، عم نحط ع روسنا ريش… عم نعمل إعلانات عن طبقة. اي أكيد في هيك نية عند البعض بس مو الكل
شو ما بيصير نحنا كمان نشتاق لأيام الطفولة؟ ممنوع!
بس الشوق للضيعة وللحارة الشعبية عليه ختم عبور وطني؟ أصالة؟ صدق مشاعر؟ حنين غير مشتبه به؟ بريء
والباقي فشخرة؟!
نص السيدة العظم اللي صحّى ذكرياتي بيحكي عن حي إله تاريخ، هو جزء من تاريخ دمشق وأهميته لفهم الصورة الكاملة للمدينة وتركيبة المجتمع الدمشقي والسوري مو أقل من حي الشاغور أو الطبالة أو جرمانا
………
” “دمشق ابو رمانة، بقالية نورا” أحد أشهر عناوين دمشق الجميلة في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، على بعد مئتي متر من العنوان المذكور يقع قصر الضيافة، الهادئ القديم الذي يتوسط عقدة تتفرع منها أرقى شوارع العاصمة، وعلى مقربة من العنوان ذاته وفي أحد بيوت ” أبو رمانة” تم القاء القبض على “كامل أمين ثابت” متلبسا بالتجسس لصالح الموساد الإسرائيلي وأعدم باسمه الحقيقي “الياهو شاؤول كوهين”، كان الحي في أواخر السبعينات يردد الأغاني الفرنسية ويتذوق الفطائر عند ” موكا”… وفي
المساء يمر منه الدمشقيون وهم في طريقهم إلى أمسيات “الشوفالييه” و”الشوميير” و”جوي” وفي أي وقت وفي كل الفصول كان “زوزو” هناك أمام بقالية نورا بقميصه القطني الملون وبنطاله الابيض وملامحه الجميلة، يتحدث إلى الجميع بصوت عال ولكنة انثوية… يناديهم باسمائهم ويضيف إليها ألقابا اختارها لهم بعناية مثل “كاترين دونوف” وهو اللقب الذي اختاره لأختي لأنها كانت تشبهها برأيه…. تابعت دمشق تألقها في الثمانينات وبدت ” سيدة الحسن” في أمسياتها في فندق “ميريديان” وصالة “نادي الشرق” فخورة بعراقتها، وبات “زوزو” جزءا من ذلك كله، لم يسأل أحد عن حقيقته… من هو؟؟ ماذا يفعل هنا؟؟ لكن يوما غير بقية الأيام اختفى فيه زوزو أطلق العنان للأسئلة كلها، وكان أبسطها وأكثرها سذاجة “من أين ل زوزو أن يعرف كيف كانت تبدو كاترين دونوف؟؟ ” و “من أين له أن يلفظ اسمها بمثل ما كان يفعل؟؟؟ تابع الدمشقيون شراء الفطائر من “موكا” وظلوا يرتادون مطاعم غير تلك التي اعتادوها في اواخر القرن الماضي، غابت أصداء النغمات الفرنسية من الحي الفخم… بقي بعض السكان وذهب بعضهم الى حيث ذهبوا… وأتى آخرون… كل من مكان، أحضروا معهم موسيقى جديدة وعطورا مختلفة، وبقي “دمشق ابو رمانة، نورا” واحدا من أشهر عناوين دمشق الجميلة… سيدة الزمان والمكان…”