أ.د.سلمان لطيف الياسري
الحملة الجنكيزخانية والبربرية والامريكية والقاعدة وداعش لاحتلال العراق وجوه متشابهة وزائفة , وأن كانو برابرة وقتلة ومجرمين فما بالك من يحكم العراق الان من اي فصيلة او نوع وبشر لو لا ومن اي جحر انسلوا الينا وهل في غفلة منا ام خدعونا بالاعلام والارقام والفتاوي والعتاوي والبلاوي وليس اقل من نفاية-رعاع-دهماء-رجرجة-ارذل الناس-اوباش – بربر-كجول
ما أشبه سقوط بغداد تحت أقدام الأمريكان بسقوطها تحت أقدام التتار! وما أشبه المسلمين أيام التتار بمسلمي اليوم! وما أشبه حكام المسلمين أيام التتار بحكام المسلمين اليوم!وما أشبه التتار بالأمريكان!وما أشبه حلفاء التتار بحلفاء الأمريكان! فهي صورة متكررة في التاريخ بشكل عجيب، والأمثلة على هذه الصورة كثيرة جداً في التاريخ، ونحن سنحاول ربط هذه القصة بواقعنا، وإذا أردنا أن نتحدث عن صور أخرى من جوانب التاريخ الإسلامي بصفة خاصة، أو جوانب التاريخ الإنساني بصفة عامة فسنجد كثيراً من الصور تتشابه مع واقعنا الآن، وانظروا إلى هذه المقارنة بين سقوط بغداد الأول وسقوطها الثاني. ظهر التتار فجأة على مسرح الأحداث تماماً كما ظهر الأمريكان، فأمة التتار أمة بلا تاريخ، قامت على السلب والنهب، وقتلوا الملايين من الأبرياء؛ ليقيموا دولتهم على جماجم البشر، ولتسقى حضارتهم إن كانت هذه حضارة بدماء الملايين
المظلومين، وكذلك فعل الأمريكان، فقد قتلوا مئات الألوف بل الملايين من الهنود الحمر؛ لكي يقيموا لهم دولة، ونهبوا ثروات غيرهم، وأقاموا ما يسمونه أيضاً بحضارتهم على أشلاء وجماجم سكان البلاد الأصليين، ومرت الأيام وصار الأمريكان قطباً أوحداً في الأرض تماماً كما صار التتار، ولم يقبلوا بالآخر أبداً، ورسخوا الظلم والبطش والقهر في الأرض مع ادعائهم المستمر أنهم ما جاءوا إلا لنشر العدل والحرية والأمان للشعوب، وهكذا فعل التتار.وما أشبه طاولة مفاوضات التتار بطاولة مفاوضات الأمريكان، فهم يعطون عهوداً ولا ضمير، ومواثيق ولا أمان، وكلمات جوفاء تطلق في الهواء لتسكين الشعوب وخداعهم إلى حين، وعزمهم مبيت قبل التعهد على نقض العهود، والنية معقودة قبل اللقاء على الطعن في الظهر، وقد دخل الأمريكان بلاد المسلمين بحجج واهية كما دخلها التتار بحجج واهية، ولم يحتاجوا أبداً إلى دليل دامغ أو إلى حجة ساطعة، بل كلها أوهام في أوهام، وادعاءات في ادعاءات، فهم تارة يدعون محاربة الإرهاب، وتارة ترسيخ الديمقراطية، وتارة تحرير الشعوب، وتارة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وتارة البحث عن زعيم هنا أو هناك، وهكذا، فهم يريدون أي سبب ليدخلوا من ورائه؛ لأنهم حتماً سيدخلون.وحارب الأمريكان في بلاد المسلمين حروباً كحروب التتار، وكانت حروبهم بلا قلب، لا تفرق بين مدني ومحارب أبداً، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين طفل أو شاب أو شيخ كبير، واستولى الأمريكان على ثروات المسلمين تماماً كما فعل التتار، وإلا فما الفارق بين البترول، وبين الذهب والفضة، وما الفارق بين تغيير المناهج وتبديلها وتزييفها، وبين إغراق مكتبة بغداد وطمس كل ما هو إسلامي، فكلاهما يتميزان بروح همجية لا تقبل الحضارة، وكأن الله عز وجل أراد أن يطابق بين أفعال الأمريكان وأفعال التتار، فجعل خطوات الأمريكان في إسقاط بغداد شديدة الشبه بخطوات التتار، فكما تمركز التتار أولاً في أفغانستان كذلك تمركز الأمريكان في أفغانستان، وكما تحالف بدر الدين لؤلؤ زعيم الأكراد في شمال العراق مع التتار، كذلك تحالف أكراد الشمال العراقي مع الأمريكان.وكما فتح كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع المجال الأرضي التركي لقوات التتار، فتح الأتراك الآن المجال الجوي التركي، وليس هناك فرق بين المجال الأرضي والمجال الجوي.
وكما اخترقت الجيوش التترية أراضي المسلمين دون مقاومة لتصل إلى العراق، كذلك اخترقت جيوش الأمريكان أراضي المسلمين الآن، وليس فقط بدون مقاومة، ولكن بترحيب عال وباستقبال حار، فما أشبه اليوم بالبارحة.وكما فكر التتار في التعاون مع الشيعة في العراق فكر الأمريكان في ذلك، وكما استغل التتار بعض المنافقين من المسلمين لبث الحرب الإعلامية التي تحط من نفسيات المسلمين وتلقي الرعب في قلوبهم، قام الأمريكان بنفس الشيء، حتى رأينا الصحف القومية في البلاد الإسلامية تتحدث عن تدريبات وتسليحات وإمكانيات الأمريكان، وتوسع الفجوة جداً بين أمريكا والمسلمين، وتحبط المسلمين من المقاومة.وكما عمد هولاكو إلى توصية مؤيد الدين العلقمي الشيعي بمحاولة إنقاص أعداد الجيوش الإسلامية، كذلك فعل الأمريكان مع كثير من بلاد المسلمين، فوضعوا عليها قيوداً في التسليح وفي أعداد الجنود وفي التدريبات.. وفي غير ذلك من الأمور العسكرية.وكما حوصرت بغداد من التتار فكذلك حوصرت من الأمريكان،وكما قصفت بغداد من التتار فكذلك قصفت من الأمريكان، وكما انهارت أسوار بغداد تحت قذائف التتار، فكذلك انهارت أيضاً تحت قذائف الأمريكان، وكما طلب التتار تسليم المجاهدين فعل كذلك الأمريكان، وكما طلب التتار تدمير الأسلحة فعل كذلك الأمريكان، وكما هرب المستعصم بالله من الموقف ورضي بالهوان كذلك فعل صدام حسين .وكما قتل ولدا المستعصم بالله قبل أن يقبض عليه، كذلك قتل ولدا صدام قبل أن يقبض عليه، وكما خالف التتار عهودهم بالأمان قبل دخول بغداد، كذلك خالف الأمريكان،وكما قال التتار: إنهم سيخرجون من البلاد بعد تحريرها من المستعصم بالله كذلك قال الأمريكان، ولم يخرج التتار ولا الأمريكان، وكما كون التتار مجلساً للحكم في العراق من المسلمين الموالين لهم، كذلك كون الأمريكان نفس المجلس وبنفس الطريقة، وكما كان ذلك المجلس لا يساوي شيئاً عند التتار، فكذلك كان هذا المجلس لا يساوي شيئاً عند الأمريكان، فهما صورة بالكربون من التاريخ.
يحكي التاريخ قصة احتلال بغداد على أيدي المغول عام 656هـ ( 1258م )، يرى المسلمون اليوم احتلال بغداد على يد الجيش الأمريكي البريطاني ، ويعيد التاريخ نفسه، وقد يتساءل المرء وهو يتابع تلك الحملة الوحشية على بلد مسلم، ويتذكر ما فعله المغول من القتل والتدمير، هل ثمة شبه بين الأمس واليوم…
خلال الحرب العالمية الثانية، غيّر الحلفاء خُطتهم الحربية حتى لا يُلحقوا أي أذى بمدينة فلورانس الإيطالية التاريخية.وفي 9 أبريل من العام 2003، وقف الجنود الأميركيون يتفرجون على كنوز المتاحف العراقية وهي تنهب من دون أن يرف لهم جفن.بين هذيْن النموذجين تكمن الحقيقة العنصرية في طريقة النظرة الغربية إلى الحضارة العربية الإسلامية.وهناك اوجه تشابه بين مافعله المغول وبين ما فعله الامريكان عند احتلالهم بغداد ومنها…مقارنة عجيبة بين مغول هولاكو و مغول بوش :بعد مراجعة المصادر في غزو التتار لبغداد وجدت تطابق وشبه تام بين غزو التتار والمغول والغزو الامريكي البريطاني للعراق في الاحداث الرئيسية والتي لم تتعرض العراق وبغداد لاخطر من هذين الغزوين :
1- سبق الامريكان اجتياح افغانستان في طريقهم للعراق
سبق للمغول اجتياح مملكة خوارزم في طريقهم لبغداد
2 – تحالف امريكا وبريطانيا في حربها على العراق
تحالف المغول والتتار في حربهم على بغداد
3- حصار بغداد من الشرق والغرب
حصار بغداد من الشرق والغرب
4- بدأ غزو العراق 16 محرم
بدأ غزو بغداد – الخلافة 16 محرم سنة 656هـ
5 – دخول بغداد 7 صفر
دخول بغداد 7 صفر
6- انهيار المقاومة ودخول بغداد يوم الاربعاء
انهيار المقاومة ودخول بغداد يوم الاربعاء
7 – مدة الغزو 21 يوم حتى احتلال بغداد – العراق
مدة الغزو 21 يوم حتى احتلال بغداد- الخلافة
8 – استباح الامريكان العراق مع عملاء لهم سلب ونهب وحرق المكتبات والمؤسسات والعلوم والمتاحف وسفك الدماء وقتل الرجال والشيوخ الاطفال والنساء
استباح المغول والتتار بغداد مع قوم جاءوا من عدة انحاء سلبا ونهبا وحرق لمكتباتها وضياع العلوم وسفك الدماء وقتل الرجال والشيوخ الأطفال والنساء
9- يذكر التاريخ ان بن العلقمي والمقربين منه كانوا على اتصال مع المغول والتتار وحرضوهم على غزو بغداد وزينوا لهم ذلك
وكذلك كان اشخاص على اتصال مع الامريكان وتمكنوا من تحريضهم على غزو العراق وزينوا لهم ذلك
10- توقف الناس خوفا من اداء صلاة الجمعة في اول جمعة
توقف الناس خوفا من اداء صلاة الجمعة في أول جمعة
11- استولت امريكا على آبار النفط وثروات العراق الطائلة
استولى المغول والتتار على أموال طائلة من الخلافة العباسية
12 – تهديد امريكا لسوريا بالغزو
واصل المغول والتتار زحفهم نحو الشام لغزوها
13- نحن واثقون في أن الله عز وجل سيضرب امريكا ضربة قاضية ويسلط جنده لاكتساح تفوقها العسكري وهيبتها وافشال مخططاتها في حربها على الاسلام – فمتى تكون عين جالون المعاصرة … !؟
بعد سنتين في رمضان سنة 658 هـ خسر المغول والتتار في الشام كل شيء من هيبة وتفوقهم العسكري في معركة عين جالوت في معركة كاسحة على أيدي المسلمين من الجيش المصرى وماتبقى من جيش الشام والمتطوعين ولقد برهن الأميركيون من خلال تغاضيهم عن نهب الحضارة والتاريخ من متاحف بغداد، وتركيزهم على حماية كل ما له علاقة بالبترول، على أنهم مقامرون باحثون عن الذهب، لا رواد حرية أو بناة حضارة.ذكرت صحيفة نيويورك تايمز (16/04/2003) أن “الجنود الأميركيين كانوا داخل دبابتهم أمام المتحف الوطني ببغداد وهو يُنهب، وأن عمّال المتحف كانوا يستجدون الجنود المساعدة” لكن “رواد الحضارة” رفضوا مجرد التدخل لإنقاذ متحف يحتوي على أول أحرف خطها البشر على هذا الكوكب.لقد قفّ شعري قبل أيام وأنا أقارن بين ما كتبته الصحافة الأميركية (شاهد من أهلها) عن إضاعة كنوز المعرفة في المتاحف العراقية على أيدي جنود الاحتلال، وبين ما كتبه بعض المؤرخين عن دخول المغول لبغداد عام 656هـ وما فعلوه بمكتباتها حينئذ.وخرجتُ من تلك المقارنة بخاتمة مفادها أن العدو يظل عدوا بغض النظر عن كثافة الأصباغ التي يتدثر بها لتغيير ملامحه.فما ثمَّ كبير فرق بين الجندي المغولي المتشح بجلود النمور، وبين الجندي الأميركي القادم من أكثر دولة يلوك ساستُها مصطلحاتٍ من قبيل”الحرية”و”الديمقراطية”. .. قبل غزو العراق، حذرتْ منظمات ثقافية من خطر تعرض كنوز المتاحف العراقية للنهب والسلب، لكن السلطة الأميركية تجاهلت ذلك كله.فقد اجتمع بعض الباحثين، بقيادة مكغير غيبسون، أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، مع مسؤولين في البنتاغون في يناير 2003 وحذروهم من أن تاريخ البشرية المحفوظ في متاحف بغداد قد يتعرض للضياع إذا لم تتم حمايته من طرف الجنود الأميركيين. كما قامت منظمة علماء الآثار البريطانية بتوجيه رسالة لتوني بلير بداية 2002 تحذره فيها من مغبة عدم حماية المتاحف العراقية.بعد مراجعة المصادر في غزو التتار لبغداد وجدت تطابق العجب العجاب وشبه تام بين غزو التتار والمغول والغزو الامريكي البريطاني للعراق في الاحداث
التتار والمغول التتار والمغول هم مجموعة من الشعوب الناطقة بالتركية، والتي بلغ عدد أفرادها خمسة ملايين في أواخر القرن العشرين، وقد عاشوا في غرب وسط روسيا، وكان الظهور الأول لهم كقبائل تنقلت كثيراً، واستقرت في شمال شرق منغوليا والمنطقة المحيطة ببحيرة بايكال في القرن الخامس عشر، وقد أصبحت هذه القبائل التي تتحدث باللغة التركية جزءاً من جيوش المغول الفاتح جنكيز خان ودمجت معهم، وأصبح هؤلاء الغزاة المغول معروفين لدى الأوروبيين على أنهم التتار. والمغول هم قبائل عبدت الكواكب والشمس، وقد بنى قائدهم جنكيز خان إمبراطورية امتدت من بلاد الصين شرقاً إلى بحر قزوين غرباً، واعتبرت من القبائل التي دمرت العالم الإسلامي عندما بدأت غاراتها في عام 1219م، وهاجموا بلاد السلطان خورزم شاه وبقية البلدان وذبحوا، ونهبوا فيها، وسببو الفزع والرعب للناس، والفرق بين قبائل المغول والتتار يعود إلى الأصل، فالمغول يعودون في أصلهم إلى صحراء جوبي في الصين، أما التتار فهم أعم وأشمل، حيث إنهم يشكلون مجموعة من قبائل الترك، والمغول، والإيفور والسلاجقة، وشعب التتار يتّصفون بحبهم للسلب والنهب، أما نظامهم فهو قبلي، وهم يطيعون رؤسائهم، ويأكلون لحوم الحيوانات بما فيها الكلاب، وتعرف ديانتهم باسم الشمامانية، وهناك روايات تقول أن التتار والمغول إخوان، وقد سيّطر المغول زمن حكم جينكيز خان، والتتار في زمن حكم تيمورلينك، وبعد أن انفصلت الإمبراطورية التي أسسها القائد جنكيز خان، أصبح التتار جزءاً من المغول الذين شملوا معظم روسيا الأوروبية، وأطلق عليه الحشد الذهبي، وتفكك هذا الحشد في أواخر القرن الرابع عشر بسبب الانقسامات الداخلية والضغوطات التي تعرض لها إلى ما يعرف بخانات التتار، في قازان، وأستراخان على نهر الفولغا، وسيبير في غرب سيبيريا، وقد احتلتهم روسيا، وشبه جزيرة القرم التي أصبحت جزءاً من الأتراك العثمانيين إلى أن أخذتها روسيا عام 1783، وقد تتطور التتار في هذه الخانات تطوراً اجتماعياً كبيراً، ويوصف بأنّه معقداً، حيث كان لنبلائهم مراكز عسكرية ومدنية في العصر الروسي، وكان لهم فئات من كبار التجار، واعتمد اقتصادهم بشكلٍ كبير على الزراعة، والأعمال الحرفية، وقد أصبح لهم مكانة مفضلة لدى الإمبراطورية الروسية في القرنين الثامن والتاسع عشر، ولا يزال ما يقارب 1.5 مليون من التتار يعيشون في منطقة الفولغا والأورال، ومليونين منهم يعيشون في كازاخستان وآسيا الوسطى. سبب اجتياح المغول لبلاد المسلمين طمع أحد ولاة ثغور ممكلة خوارزم شاه بأموال جاء بها تجار المغول إلى واحد من هذه الثغور في سنة 615هـ، كما قام بالإستيلاء على بضاعتهم وبيعها وقتلهم، وعندما علم جينكيزخان بذلك أرسل رسولاً يطلب من خوارزم شاه أن يسلمه الوالي، فما كان من الأخير إلا أن قام بقتل هذا الرسول، وجمع جيشه وقام بمهاجمة حدود التركستان التي تلي مملكته، بهدف مقاتلة القوة الحامية هناك من جيش المغول، ولكن الحدود لم يكن فيها سوى عدد قليل من النساء والأطفال لأنّ جنكيزخان وجنوده كان في مهمةٍ داخل الإمبراطورية، وعندما أدرك خوارزم خطأه أمر بإجلاء السكان من المناطق القريبة من الحدود، والتي كانت تتميز بأنها أراضي خصبة، فهجرها سكانها، وتركوها، مما سهّل الطريق أمام المغول الغزاة لأن يهاجمو مملكته. وعنما علم جينكيز بأمر الهجوم أعدّ جيشه، وعبر نهر جيحون واجتاز الحدود، ووصل إلى مدينة بخارى التي لم تقوى على مواجهته، فدخل المغول إليه وقاموا بعمليات السلب والنهب والذبح، وواصلوا طريقهم نحو معسكر خوارزم شاه الذي فرّ وتحصّن في قلعةٍ على جزيرة وسط بحر قزوين إلى أن توفي، وكانت هذه بدايةً لبسط المغول سيطرتهم على بلاد فارس، وقد توسعت إمبراطورية جينكيز خان إلى أن توفي سنة 624هـ، ولكنه قبل موته قسّم إمبراطوريته على أبناءه الأربعة الذين أكملوا مسيرة الهجمات والغزو على الإمارات الفارسيّة ووصلو إلى العراق وبلاد الشام ومصر. التتار من بداية ظهورهم حتى وصولهم عين جالوت تميّزت حروب وهجمات المغول والتتار أنها كانت سريعة الانتشار، كما تمتعت بنظامٍ وترتيب عظيمين، فقد سيَّرتها قيادات عسكرية على درجةٍ كبيرة من البراعة، وتحملت جميع الظروف القاسية التي مرت بها من هجمات؛ وصفت بأنّها بلا قلب أو بلا رحمة من هول ما قامت به، بالإضافة إلى نهب خيرات البلاد التي اجتاحتها، وفيما يلي جدولاً زمنياً يبين قصة التتار منذ بداية ظهورهم إلى أن وصلو منطقة عين جالوت: 603 هـ: ظهور دولة التتار بقيادة جينكيزخان. 616 هـ: بدء الهجوم على البلاد الإسلامية، واجتياح بخارى. 617 هـ: اجتياح سمرقند. مطاردة محمد بن خوارزم شاه الذي كان زعيماً للملكة الخوارزمية، ووفاته في جزيرة وسط بحر قزوين. احتلال مازندان، ثم الري، ثم أذربيجان، ثم أرمينيا، ثم جورجيا. تدمير قلعة فرغانة. تدمير مدينة ترمذ. تدمير قلعة كلابة. دخول التتار إلى بلدة بلخ المسلمة، والطلب من أهلها التعاون معهم ضد المسلمين. اجتياح الطالقان. حدوث مأساة مرو، ثم مأساة نيسابور. اجتياح هراة. مأساة خوارزم. انتصار الجيوش الإسلامية بقيادة جلال الدين بن محمد بن خوارزم على التتار في بلق، وانتصاره مرةً أخرى في كابول، ثم هزيمته على ضفاف نهر السند في الباكستان، وهروبه إلى الهند. اجتياح مدينة غزنة في أفغانستان. 618 هـ: تدمير مراغة. التهديد بغزو الخلافة العباسية في العراق. اجتياح همدان، ثم أردويل. اجتياح بيلقان في إيران. وقوف التتار على أبواب مدينة كنجة. اجتياح داغستان، ثم الشيشان. احتلال الجنوب الغربي من روسيا. 619 هـ: احتلال التتار للأراضي الواقعة بين الصين والعراق. 620 هـ: هزيمة التتار من البلغار الروس. محاربة المسلمين للكرج، وحدوث المجزرة بين الطرفين، والتي انتهت بالصلح. ظهور غياث الدين بن خوارزم في شمال فارس، وسيطرته على إقليم فارس بعد هزيمة التتار من الروس، وسيطرته على إقليم كرمان جنوب إيران. 621 هـ: حدوث الحرب بين غياث الدين بن خوارزم، وسعد الدين بن دكلا، والتي انتهت بتقسيم فارس بينهما. 622 هـ: عودة جلال الدين من الهند، وتحالفه مع سعد الدين ضد أخيه غياث الدين، وسيطرته على فارس، ثم غزوه للبصرة وتهديده لبغداد. استغاثة الخليفة العباسي بالتتار. سيطرة جلال الدين على أذربيجان والكرج. حدوث صلح مؤقت بين الأخوين جلال الدين وغياث الدين. وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله. 623 هـ: وفاة الخليفة الظاهر بالله، وولاية المستنصر بالله. 624هـ: وفاة جينكيزخان، وتولي أوكيتاي على التتار، والذي أوقف الحرب مؤقتاً على بلاد المسلمين حتى ينظم الأوضاع على الصين. 626 هـ: تسليم الأمراء الايوببيون في الشام بيت المقدس صلحاً للصليبين. 628 هـ: الهجوم التتري الثاني على بلاد المسلمين بقيادة شورماجان. هزيمة جلال الدين في إقليم فارس من قبل التتار، وهروبه إلى أرض الجزيرة شمال العراق، ومقتله على يد فلاح كردي. 629 هـ: التتار يعيدون احتلال فارس، وأذربيجان. إيقاف شورماجان التوسع إلى حين تثبيت أقدامه في البلاد الإسلامية. 634 هـ: عودة التوسع التتري بقيادة شورماجان، ثم احتلال أرمينيا، والكرج، والشيشان، وداغستان. 635 هـ: بدء حملة منظمة بقيادة باتو لاحتلال روسيا. 636 هـ: تدمير موسكو، وسقوط روسيا بالكامل. 638 هـ: احتلال أوكرنيا، وتدمير العاصمة كييف. 639 هـ: احتلال بولندا بقيادة بايدر. هزيمة الجيوش الألمانية المتحدة مع جيش بولندا من التتار غرب بولندا. احتلال باتو للمجر بعد سحق جيشها. هزيمة الجيوش الألمانية المتحدة مع جيش بولندا. احتلال بايدر لسلوفاكيا بالكامل. ثم احتلال كرواتيا، والوصول إلى البحر الأدرياتي. 640 هـ: وفاة الخليفة العباسي المستنصر بالله، وولاية المعتصم بالله. 634 هـ: سفارة البابا إنوست الرابع إلى كيوك خان التتار بغرض الاتحاد ضد المسلمين. 645 هـ: سفارة البابا إنوست الرابع إلى بيجو قائد القوات التترية في منطقة فارس. 646 هـ: سفارة لويس التاسع ملك فرنسا إلى كيوك خان التتار. 647 هـ: احتلال لويس التاسع لدمياط في مصر. 648 هـ: موقعة المنصورة وانتصار المسلمين على الفرنسيين. 649 هـ: ولاية منكوخان على التتار، وبدء الإعداد لإسقاط الخلافة العباسيّة. 650 هـ: اجتياح إقليم الجزيرة في شمال العراق. 651 هـ: سفارة صليبية من لويس التاسع ملك فرنسا إلى منكوخان. 654 هـ: اكتمال الإعداد التتري لغزو العراق. 655 هـ: حشد الجيوش التترية من الصين، وفارس، وروسيا، وأوروبا، وأرمينيا، والكرج. 656 هـ: حصار بغداد ثم اجتياحها، وقتل آخر خلفاء بني العباس في بغداد. إسقاط الخلافة الإسلامية لأول مرة في التاريخ. بدء الكامل محمد الأيوبي الجهاد في ميافارقين وحصارها. اختلاف هولاكو والناصر يوسف الأيوبي. 657 هـ: بدء اجتياح الشام، ثم احتلال نصيبين ثم احتلال البيرة، ثم حصار حلب. 658 هـ: قتل الكامل محمد الأيوبي، وسقوط حلب. احتلال دمشق، ثم احتلال غزة. تهديد التتار لمصر. أخذ قطز قرار الحرب. خروج الجيش المسلم من مصر إلى غزة. انتصار الظاهر بيبرس على التتار في غزة. انتصار قطز في عين جالوت. تحرير دمشق، وحلب، وبقية الشام. توحيد مصر والشام. واقعة عين جالوت قام السلطان قطز بالتوجه إلى بلاد الشام، ومعه جيش كبير في أوائل رمضان سنة 658هـ، وكان هدفه أن يقابل المغول في أرض الشام، ولا يتنظر ذهابهم إلى مصر، حتى يستطيع بذلك انتهاز الفرصة والبدء بمقاتلة المغول، وحتى يتسنى له مقاتلتهم خارج مصر، ولا يعرضها للتدمير والتخريب، وقد انضمت إلى جيشه المصري الكتائب الشامية التي كانت فارة من المغول، ومتجهة إلى مصر، وعندما وصلت الجيوش إلى غزة أجبرت المغول على تركها ودخلها الأمير بيبرس مع فرسانه، مما أضطر المغول إلى إخلاء جنوب الشام، ثم أكملت الجيوش طريقها من غزة متجهةً إلى عين جالوت حيث دارت المعركة الفاصلة هناك بين الجيش الإسلامي والمغول سنة 658هـ في 25 رمضان، وانتهت بانتصار جيش المسلمين، واعتبرت موقعة عين جالوت من أهم المواقع الفاصلة في التاريخ؛ لأنّها منعت المغول من التوغّل في مصر، وبالتالي دخولهم السودان، وبلاد المغرب، والأندلس، وأوروبا.]
ولاكن؟ مغول الأمس وإرهاب اليوم… وجهان لعملة واحدة – لا تزال الأمة الإسلامية تتعرض إلى مخاطر جمة لا تقل عن تلك التي تمتلئ بها كتب التاريخ من اعتداءات على الشعوب الإسلامية، وصلت إلى جرائم لن تمحى من ذاكرة أبنائها. فما تعرضت له الأمة من احتلال صليبي نجحت في صده بقيادة رجال تحملوا المسؤولية ونهضوا بشعوبهم في مواجهة الحملات الصليبية، كذلك ما تعرضت له الأمة من هجوم مغولي تتاري واسع قضى على الأخضر واليابس وهدم الحضارة الإسلامية بما حملته من مشاعل نور للعالم أجمع والحقيقة أن ما تتعرض له الأمة الإسلامية اليوم ليس بعيدا عما جرى في الأمس، فما تقوم به جماعات الإرهاب والتطرف من ممارسات تثير الرعب والخوف في قلوب الشعوب الإسلامية مثل القاعدة أو داعش أو مليشيات إيران وحشدها في المنطقة لم يختلف كثيرا عما ارتكبته جحافل المغول من جرائم وفظائع بحق المدن والممالك التي احتلتها. وحتى تستفيد الشعوب اليوم من أحداث التاريخ كي لا تتكرر الأخطاء والأخطار نفسها وتأخذ العبرة والعظة، علينا أن نبحث فيما حدث مع انتصارات جنكيز خان وحفيده هولاكو وما هي قصة خروجه إلى بلاد الإسلام والمسلمين، ولماذا تهاوت الخلافة العباسية على أيديهم بهذه السرعة وبهذه الصورة المهينة؟ تتعدد الروايات التاريخية وتتنوع حول بداية ظهور قبائل المغول والتتار، وإن كانت أقربها هي أن التتار والمغول هم في الأساس قبائل من الترك البدو كانوا يسكنون الجزء الشرقي من بلاد التركستان وما يليها شرقًا من بلاد الصين في العصور الوسطى، وأن ألنجة خان أحد ملوك الترك وُلد له في الأزمنة القديمة ولدان توأمان هما: مغول خان وتتار خان وقد تفرعت منهما قبائل المغول والتتار وقد عاش أولادهم في وفاق مدة طويلة إلى أن حدث نزاع بينهما تغلب فيه التتار أولاً وصارت لهم السيادة مدة طويلة، ثم اتحدت قبائل المغول وحاربت التتار وهزمتهم وانتزعت منهم السيادة وظل الملك متوارثا فيهم إلى عهد بيسوكا بهادر والد جنكيز خان والذي ولد عام 549هـ ولمّا بلغ الثالثة عشرة من عمره توفي أبوه وانفض أكثر قبائل المغول من حوله لصغر سنه فلما بلغ مبلغ الرجال ظهرت مواهبه السياسية والعسكرية فجمع قبائل المغول حوله وسن لهم قانونًا يسيرون على هديه ويحكمون بمقتضاه ووحد صفوفهم واستعان بهم على توسيع ملكه، ونجح في إخضاع قبائل التتار تحت حكمه وعليه، يصبح من الأهمية بمكان تصحيح الخطأ التاريخي الذي يقع فيه كثير من الباحثين والكتاب، عند تناولهم لتاريخ الدولة الإسلامية في مواجهة الغزو المغولي، فليس صحيحًا أن المغول والتتار شيء واحد، فيقال أحيانًا هجمة التتار على العالم الإسلامي أو إمبراطورية التتار، ولكن الصواب أن المغول والتتار وإن كانا ينتميان إلى قبائل الترك، إلا أنهما دخلا في صراع كبير، نتج عنه تشتتهما، حتى اجتمع شملهما على يد قائدهم جنكيز خان ويذكر أن اسم جنكيز خان لم يكن هو اسمه الحقيقي، وإنما هو لقب يعني باللغة المنغولية «قاهر العالم» أو «ملك ملوك العالم» واسمه الحقيقي هو تيموجين وكان قائدا عسكريا شديد البأس وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله وبدأ في التوسع تدريجيا في المناطق المحيطة به وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربا، ومن سهول سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا، بل نجحت الدولة في سنوات قليلة في أن تضم في طياتها دولة الصين بكاملها (9 ملايين كيلومتر مربع)، إضافة إلى كل من منغوليا، فيتنام، كوريا، كمبوديا، تايلاند، أجزاء من سيبيريا. ولقد كانت لهم ديانة غريبة وهي خليط من أديان مختلفة جمعها زعيمها جنكيز خان من شرائع الإسلام والمسيحية والبوذية واختلق لهم أشياء أخرى؛ وأخرج لهم في النهاية كتابا جعله كالدستور أُطلق عليه اسم «الياسق» أو «الياسج» أو «الياسا و نخلص إلى القول إن نجاح جنكيز خان في السيطرة على قبائل التتار وإرغامهم على الانضمام إلى جيوشه ومشاركتهم في حروبه، ومع غلبة عددهم في تركيبة هذه الجيوش، أطلق عليها التتار لتعبر عن الهمجية والقسوة والوحشيةومن الجدير بالذكر أن الاختلاف بين المؤرخين حول بدايات ظهور قبائل التتار والمغول، امتد إلى التباين في المقصود بكلمة التتار، إذ تباينت أسماء التتار، فكان الصليبيون يطلقون عليهم التاتا بحذف الراء، أما الأوروبيين فكانوا يطلقون عليهم اسم التارتار، والمفكر الإسلامي عبد الرحمن بن خلدون أطلق عليهم اسم التغزعز. وكما اختلفت تسمية التتار، اختلف كذلك معنى هذا الاسم، فالتتار عند الصليبيين كانت تعني البدو والفروسية. أما في اللغة التركية القديمة فكانت تعني الفارس صاحب البريد وبعيدًا عن هذه الاختلافات سواء في التعريف بما هو المقصود بمصطلح التتار أو بتاريخ نشأتهما، فما يعنينا هو بداية ظهور قوتهم في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي- السادس الهجري، حيث برزوا كقوة عالمية خارج نطاق موطنهم الأصلي (منغوليا) خلال العقدين الأول والثاني من القرن الثالث عشر الميلادي- السابع الهجري، إذ استطاعوا أن يؤسسوا لهم أكبر إمبراطورية عالمية في أقصر مدة زمنية، بدءًا من الجزر اليابانية والمحيط الهادي شرقًا إلى قلب القارة الأوروبية غربا، ومن سيبيريا وبحر البلطيق شمالا إلى الحدود الشمالية للجزيرة العربية وبلاد الشام وفلسطين جنوبا.
يرى المؤرخ ملبترون أن المغول يتكونون من طوائف وقبائل، في الغالب هم 4 طوائف تضم 10 قبائل منها:
• أتراك تركستان.
• تركمان شرق بحر الخزر (قزوين) وآسيا الوسطى وأرمينيا.
• الأوزبك.
• البخاريون
• أتراك قرمان الذين قدموا من تركستان.
• العثمانيون وأتراك الأناضول وقسطنطينية من تركستان.
• تتار جزيرة القرم.
الخلافة العباسية وتفتت الدولة الإسلامية”: نشأت الخلافة العباسية بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132هـ، وكانت عاصمتها بغداد، إلا أنها بدأت تواجه الكثير من مظاهر الضعف والتشرذم بحلول القرن السابع الهجري، فلم تستطع أن تسيطر إلا على وسط وجنوب العراق فقط؛ حيث تحولت الخلافة في ذلك الزمان إلى صورة للخلافة، إذ تشرذمت أراضيها واستقلت مدنها وأصبح لها حكام منفصلون، وذلك على النحو التالي:
1 – الدولة الأيوبية وتسيطر على كل من مصر والشام والحجاز واليمن.
2 – دولة الموحدين في بلاد المغرب والأندلس.
3 – الدولة الخوارزمية، تمتد حدودها من غرب الصين شرقًا إلى أجزاء كبيرة من إيران غربا.
4 – دولة الغوريين في الهند.
5 – الدولة الإسماعيلية في الأراضي الفارسية (إيران حاليًّا).
6 – الدولة السلاجقية في الأناضول (تركيا حاليًّا).
المغول وبدايات التفكير في غزو الدولة الإسلامية : في ظل حالة الضعف والتردي والانقسام التي أصابت الدولة الإسلامية في نهاية عهد الخلافة العباسية وتفتتها إلى دويلات وممالك متنازعة، وفي ظل نجاح جيوش إمبراطورية المغول في تدمير حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي، سعت تلك الجحافل إلى استكمال السيطرة على أملاك دولة الخلافة، وذلك عبر التمركز في البداية في منطقتي أفغانستان وأوزبكستان لعدة أسباب، منها:
1 – بُعد المسافة بين الصين مقر دولتهم والعراق عاصمة الخلافة، وهو ما يتطلب أن تكون ثمة قواعد إمداد ثابتة لجيوشهم في منطقة متوسطة الجانبين.
2 – غنى المنطقة بالثروات والموارد الطبيعية بما يمثل دعما لتلك الجيوش في حروبها.
3 – خطورة الاستمرار في التوسع وصولا إلى عاصمة الخلافة، وخلف جيوشها شعوب مسلمة، الأمر الذي يهدد نجاحها في أي معارك قد تخوضها إما بسبب محاربة هذه الجيوش لهذه الشعوب بما يضعها في مواجهة على جبهتين معا، وإما تُقطع عليها خطوط الإمداد ولهذه الأسباب قرر جنكيز خان خوض حروب متتالية مع الدولة الخوارزمية المسيطرة على تلك المنطقة مستفيدا مما بينها وبين الخلافة العباسية من عداوة شديدة، إذ أنه رغم المعاهدات والاتفاقيات المبرمة بين الدولتين (الخوارزمية والمغولية) بشأن عدم اعتداء أي من الدولتين على الأخرى؛ فإنه وفقا لما هو معلوم من سمات جيش المغول أنه لا عهد لهم مطلقا ولذا، انتهز جنكيز خان ما جرى في مدينة أترار الواقعة على الحدود بين الدولتين، حيث أقدم حاكم المدينة على قتل مجموعة من التجار المغول ذهبوا إليها، فأسرع جنكيز خان بمطالبة محمد بن خوارزم شاه رئيس الدولة الخوارزمية بتسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه، إلا أن الأخير رفض الطلب معتبرا أنه تعدٍ على سيادة البلاد المسلمة، إذ أنه سيحاكمهم في بلاده، فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية، وهو ما رفضه جنكيز خان معلنا الحرب على الدولة الخوارزمية كمدخل لغزو الدولة الإسلامية واحتلالها.
المحطات المغولية في غزو الدولة الإسلامية : مر الهجوم المغولي على الدولة الإسلامية عبر محطات، إذ كما سبقت الإشارة حرص جنكيز خان على أن يكون دخوله إلى قلب العالم الإسلامي عبر تصفية ممنهجة للممالك والمدن الرئيسية في الدولة، وبدأ ذلك بغزو الدولة الخوارزمية، إذ انتهز فرصة الحادثة السابق الإشارة إليها والخاصة بقتل التجار المغوليين، ليتخذ قرارا بغزو مملكة الخوارزميين، وكان ذلك عام 1219م -616 هـ، إذ اشتبك الجيشان في موقعة شرق نهر سيحون والمعروف حاليا بنهر سريداريا في دولة كازاخستان، وقد استمرت المعركة لمدة أربعة أيام راح ضحيتها ما يقارب من عشرين ألفا من المسلمين، مع وقوع قتلى من الجانب المغولي، وهو ما دفع وزير الأمير محمد بن خوارزم إلى الهروب حتى وقع أسيرا لدى جيش المغول. وقد تمت له السيطرة على مدينة أترار التي كانت تعد بداية أو مفتاح دولة ما وراء النهر. لينطلق الجيش المغولي مكملاً استيلاءه على كل من مدن جند وبنكت وخجندة الواقعة كلها على نهر سيحون، دون مقاومة تُذكر. وهكذا استولى جيش جنكيز خان على إقليم كازاخستان بأكمله، منطلقا لاستكمال احتلاله لبقية المدن، بدءا من مدينة بخارى والذي مثل احتلاله لها بداية الاختراق الحقيقي لقلب الدولة الإسلامية، وذلك على النحو التالي :-
1- اجتياح بخارى، كان استيلاء الجيش المغولي على دولة كازاخستان دون مقاومة تذكر، فتح شهيته للوصول إلى مدينة بخارى الواقعة في دولة أوزبكستان، حيث حاصر المدينة مطالبا من أهلها الاستسلام (1219م-6161هـ)، لينقسم رأي أهلها ما بين رفض الطلب والاستمرار في القتال، وبين الاستجابة للطلب خوفًا من القتل، ليرجح الرأي الأخير والذي كان هو رأي الأغلبية بما سهل دخوله إلى المدينة والقضاء على مجموعة المجاهدين المحصنين في القلعة الكبيرة الرافضين للاستسلام، وذلك بعد حصار دام عشرة أيام. ويذكر أنه رغم الاستسلام فإنه لم يشفع لأهلها، حيث أعمل فيهم الجيش المغولي بعد الاستيلاء على مقدراتها وثرواتها، القتل والذبح، وصولا إلى إشعال النيران في المدينة بأكملها
2- تدمير سمرقند، بعد الاستيلاء على بخارى، كان من السهولة الانتقال إلى المدينة المجاورة لها وهي سمرقند الواقعة كذلك في دولة أوزبكستان؛ حيث حاصر التتار المدينة التي استبسل أهلها في مواجهتهم رغم رفض الجيش الخوارزمي النظامي الدفاع عنها، حيث شكل أهلها جيشا من 70 ألف مقاتل لمواجهة العدوان المغولي، ورغم عدم خبرتهم في مجال القتال، فإنهم استطاعوا الوقوف في وجهه بما جعله يلجأ إلى الخداع في فك الحصار عن المدينة لسحب المقاتلين بعيدا عن المدينة لتبدأ تصفيتهم جميعا وعودة الجيش في حصار المدينة التي سلمها الجيش الخوارزمي النظامي رافضا الدخول في معركة مع الجيش المغولي، فما كان منهم إلا أن أعملوا القتل والنهب والتدمير والإحراق في المدينة وأهلها جميعا بمن فيهم الجنود الخوارزميون ومن الجدير بالذكر أن المغول تبنوا منهجا في غزوهم للمدن الإسلامية، تمثل هذا المنهج في اصطحاب أسرى من المدن التي يغزونها، وهو النهج الذي طُبق في غزوهم لمدينة سمرقند، حيث اصطحبوا أسرى من مدينة بخارى، ويرجع تبني هذا النهج إلى جملة من الأسباب، منها:
– زيادة أعداد الجنود بما يبث الرعب في قلوب أعدائهم.
– إجبارهم على القتال في صفوفهم.
– وضعهم في مقدمة صفوف القتال كدروع بشرية.
– يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في قلوب أعدائهم وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا.
– يبادلونهم في حال أُسر رجال منهم في القتال.
3- سقوط العاصمة الخوارزمية أورجاندا، مع استقرار جنكيز خان في مدينة سمرقند، أرسل فرقة عسكرية مكونة من عشرين ألفا من فرسانه للقضاء على محمد بن خوارزم، ومع نجاحهم في الدخول إلى العاصمة، لاذ محمد بن خوارزم بالفرار إلى مدينة نيسابور، فلما علم بقربهم منه ترك نيسابور واتجه إلى مازن دران وهي مدينة تقع في إيران حاليا فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا نيسابور بل جاوزوها واتجهوا خلفه مباشرة فترك مازن دران إلى مدينة الري ثم إلى مدينة همدان والتتار في أثره ثم عاد إلى مدينة مازن دران مرة أخرى ليتجه منها إلى مدينة طبرستان وهي مدينة على ساحل بحر ما يعرف الآن ببحر قزوين، ومنها إلى جزيرة في وسط البحر وظل بها حتى موته. لتعاود الفرقة التترية احتلال هذه المدن مرة أخرى، حيث نجحت في السيطرة على مازن دران رغم صعوبتها وحصانتها، كما سقطت مدينة الري ومدينة قزوين. ومع سياسة القتل والتعذيب والسبي والنهب التي تبناها الجيش المغولي، بدأت تتساقط المدن الإسلامية بالاستسلام، حيث قرر حاكم مدينة تبريز الواقعة في دولة أذربيجان غرب بحر قزوين تسليم المدينة دون مقاومة. وهو المسار الذي انتهجه الجيش المغولي في اجتياح المدن الواقعة غرب بحر قزوين، إذ نجحوا في هزيمة مملكتي أرمينيا وجورجيا المسيحيتين.
4- سقوط إقليمي خراسان وخوارزم (1219 – 1220م- 616 – 617هـ)، لم يركن جنكيز خان إلى الدعة والاستقرار في مدينة سمرقند، وإنما وجد أن ثمة إقليمين من أعظم الأقاليم وأقوها في المناطق المحيطة به، وهما: إقليمي خراسان وخوارزم؛ حيث كان يضم إقليم خراسان الواقع الآن شرق إيران وشمال أفغانستان، عددا من المدن الكبيرة، أهمها: بلخ – مرو – نيسابور – هراة – غزنة. أما إقليم خوارزم والذي كان نواة الدولة الخوارزمية فقد اشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية، ويقع إلى الشمال الغربي من سمرقند ويمر به نهر جيحون، ويقع الآن في دولتي أوزبكستان وتركمانستان؛ فأرسل جنكيز خان ثلاث فرق من جيشه: الأولى، لتدمير إقليم فرغانة الواقع في أوزبكستان حاليًا على بعُد نحو 500كلم شرق سمرقند، والثانية، لتدمير مدينة ترمز والتي تبعد نحو 100كلم – جنوب سمرقند، والثالثة، لتدمير قلعة قلادة وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر جيحون. وقد نجحت هذه الفرق الثلاث بدورها التدميري، عبر إعمال القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب؛ فوصلت الرسالة المغولية إلى كل الشعوب المحيطة فعمت الرهبة في أرجاء المنطقة؛ وعندما عادت الفرق الثلاث من مهمتها، بدأ جنكيز خان يعد للمهمة التالية وهي السيطرة على إقليمي خراسان وخوارزم، وقد تم له ذلك عام 617 هـ، ليسيطر المغول على المناطق الشمالية والوسطى من دولة خوارزم الكبرى ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب على مقربة كبيرة من نهاية هذه الدولة على حدود العراق.
5- معركتا غزنة وكابل عام 617 هـ والنصر للمسلمين، رغم ما حققه الجيش المغولي من انتصارات على الدولة الخوارزمية، فإنه لم تمتد سيطرته على حدودها كلية، وإنما ظل جنوبها بعيدا عن سيطرته، وكان حاكمه هو جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه، الذي استفاد من الدرس الذي تم مع والده، فأسرع بإعداد العدة للقتال عبر مسارين: الأول، إعداد جيشه إعدادًا جيدًا. الثاني، تحالفه مع بعض الملوك المسلمين، منهم: سيف الدين بغراق وهو أحد الملوك الأتراك بجيشه البالغ عدده ثلاثين ألف مقاتل، وملك خان أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه. فضلا عن انضمام ما يقرب من ستين ألفًا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها. ولم ينتظر قدوم التتار وإنما خرج إليهم في منطقة بلق بجوار مدينة غزنة (تقع هذه المدينة في أفغانستان الآن، وذلك على بعد نحو مائة وخمسين كلم جنوب مدينة كابل، وهي مدينة حصينة تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية). وكان لحمية المسلمين وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية للمنطقة وبعد معركة دامت ثلاثة أيام، ألحق المسلمين النصر للمرة الأولى على التتار. ورغم ذلك النصر فإن جنكيز خان الذي كان يتمركز في منطقة الطالقان في شمال شرقي أفغانستان، لم يرتدع، وإنما أرسل جيشا بقيادة أحد أبنائه لمعركة جديدة في مدينة كابل الأفغانية وهي مدينة محاطة من كل جهاتها تقريبًا بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان، وقد تكرر معه ما حدث في معركة غزنة حيث تعرض جيشه لهزيمة كبيرة قُتل على إثرها عدد كبير من جنوده.
6- التفكك مدخل لهزيمة المسلمين واحتلال أفغانستان كاملة، لم يستمر التحالف الإسلامي طويلا، إذ دب الخلاف بين أطرافه، وتحديدا بين سيف الدين بغراق أمير الترك، وملك خان أمير مدينة هراة، بشأن أنصبتهم في الغنائم المحققة من الحرب، ورغم محاولات القائد جلال الدين خوارزم شاه المحافظة على وحدة الصف فإنه لم ينجح في ذلك، مما أدى إلى تفكك التحالف، لينتهز جنكيز خان القتال الذي احتدم بين الطرفين ليعاود هجومه لتعويض هزيمتيه السابقتين، وهو ما لم تستطع القوة الإسلامية ما بعد الانقسام من مواجهته، وقد اضطر جلال الدين إلى الهروب من ساحة المعركة والاتجاه جنوبا نحو نهر السند الفاصل بين باكستان والهند، حيث وقعت المعركة بين الجيشين ولم تستمر طويلا، انتهت بهزيمة الجيش الإسلامي وهروب جلال الدين ومقربيه ومقتل ملك خان، في حين تُرك عامة المسلمين ليتعرضوا إلى مذابح جماعية على يد التتار معلنا جنكيز خان سيطرته الكاملة على أفغانستان لتمثل الخطوة الأكثر خطورة في طريق سقوط الخلافة الإسلامية، نظرا لعدة أسباب، أبرزها ما يلي:
• الطبيعة الجبلية للدولة الأفغانية بما يجعل غزوها شبه مستحيل، وبذلك فهي تمثل حاجزًا طبيعيًا قويًا في وجه الغزاة، وهذا الحاجز يخفف الوطأة على البلاد المجاورة لها. فإن سقوطها يعني أن سقوط البلاد المجاورة لها أمر محتمل جدًا، وسيكون غزو أو مساومة باكستان وإيران ثم العراق بعد ذلك أسهل جدًا.
• موقعها الاستراتيجي وسط آسيا، فالذي يحتلها سيملك رؤية باتساع 360 درجة على المنطقة بأسرها، حيث يصبح على بعد خطوات من دول المنطقة مثل باكستان وإيران وروسيا والهند، كما يصبح قريبا نسبيًا من الصين، وبذلك تصبح السيطرة على كامل آسيا – بعد احتلال أفغانستان – أمرًا ممكنًا.
• تمتع سكانها بنزعة إسلامية عالية جدًا، وبروح جهادية بارزة، وليس من السهل أن يقبلوا الاحتلال، وظهر ذلك واضحًا في انتصارهم مرتين على التتار بينما فشلت كل الجيوش الإسلامية في تحقيق مثل هذا النصر. وعليه، فاحتلالها يعني نشر الروح السلبية في بقية الإمارات الإسلامية.
7- التهديد بغزو شمال العراق، وانسحاب جيش المغول وتوجهه نحو إيران: في ظل الانتصارات المتتالية التي حققها جيش المغول، فُتحت شهيته لمزيد من احتلال أراضي الدولة الإسلامية، حيث أصبح على مقربة من العراق، فبدأ التفكير في غزو مدينة أربيل في شمال العراق، ودب الرعب في أهالي المدينة وفي بعض المدن المجاورة كالموصل، وبدأوا في الهروب خوفا من ملاقاة العدو، وهو ما حرك الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وبدأ في إعلان حالة الاستنفار العام في كل المدن العراقية، مع تجهيز جيش الخلافة، إلا أنه لم يستطع أن يجمع سوى ثمانمائة رجل وذلك بسبب ما سبقت الإشارة إليه بشأن الصراعات والانقسامات، فلم يكن الخليفة إلا مجرد رمز أو صورة. ولذلك قرر قائد جيشه مظفر الدين الانسحاب خوفا من خوض معركة بهذا الجيش الهزيل بما يعني فناءه عن بكرة أبيه. ورغم كون هذه هي الحقيقة فإن الجيش المغولي شعر من جانبه أنها خدعة وأن هذا العدد هو مقدمة لجيش كبير، فقرروا الانسحاب من المعركة، متبنين أسلوب حرب استنزاف بدلا من الصدام المباشر، وذلك عن طريق توجيه ضربات خاطفة موجعة للعراق، وعن طريق الحصار الطويل المستمر، وأيضًا عن طريق عقد الأحلاف والاتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب. لذلك فقد انسحب الجيش المغولي بإرادته ليطول بذلك عمر العراق عدة سنوات أخرى.
8- اجتياح المدن الإيرانية همذان وأردويل وبيلقان، إذ أقدم المغول على حصار المدينتين، والدخول في معارك مباشرة مع أهلهما، انتهت بانتصارهم، حيث أعملوا القتل والحرق وسفك دماء أهلهما. إلا أنهم لم يتمكنوا من دخول مدينتي تبريز وكنجة حينما علموا بقوة أهلهما وقائدهما في ذلك الوقت وإعلانهما الجهاد، وهو ما أدخل الرعب في قلوبهم هكذا، نجح التتار خلال أعوام ثلاثة (616 – 619هـ) في الانطلاق من منغوليا بالصين إلى كل من: كازاخستان ثم أوزبكستان والتركمنستان وأفغانستان وإيران والوقوف على أبواب العاصمة العباسية العراق. وعلى الجانب الآخر نجحوا في السيطرة على كل من أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وروسيا المغول ما بعد جنكيز خان واستمرار التوسع على حساب دولة الخلافة: رص جنكيز خان قبل وفاته على أن يقسم إمبراطورتيه على أربعة من أبنائه دون الباقين والبالغ إجمالهم تسعة أبناء، لضمان تدريبهم على مباشرة مهام الحكم وتحمل المسؤوليات من ناحية، والحفاظ على ما حققه من منجزات من ناحية أخرى. وقد تم التقسيم على النحو التالي:
1 – أكبر أبنائه جوجي كان من نصيبه البلاد الواقعة بين نهر ارتش والسواحل الجنوبية لبحر قزوين، وكان أغلب أهلها من الأتراك والتركمان. ولما توفي جوجي قبل جنكيز خان، قرر أن تكون هذه المناطق من نصيب حفيده باتو بن جوجي وقد لعب دورا مهما في تسوية المنازعات على ولاية عرش الإمبراطورية بعد وفاة جنكيز خان.
2 – اختص جغتاي ببلاد الإيغور وأقاليم ما وراء النهر وكاشغر وبلخ وغزنة.
3 – نال أوكتاي السيطرة على مناطق جبال تار باجاي وأطراف بحيرة ألاجول وحوض نهر اليميل الذي يصب في البحيرة الواقعة في غرب منغوليا.
4 – أما منغوليا فكانت من نصيب تولوي أصغر أبنائه، وقد ظل وصيا على العرش – طبقا للعرف المغولي – بمساعدة ثلاثة من المستشارين إلى أن انتخب أوكتاي خانا جديدا خلفا لجنكيز خان.
وجدير بالذكر أن التوسعات ظلت مستمرة في عهد الخان الجديد، حتى وصلت حدود دولة التتار عام 639هـ من كوريا شرقا إلى بولندا غربا، ومن سيبيريا شمالا إلى بحر الصين جنوبا، بل أصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم. في حين ظل القسم الأوسط والغربي من العالم الإسلامي – الذي يبدأ من العراق حتى المغرب – مفرقا مشتتا لا يكتفي بمشاهدة الجيوش المغولية وهي تُسقط معظم ممالك العالم في وقتهم، بل انشغلوا بالصراعات الداخلية فيما بينهم وازداد تفككهم. ومع وفاة أوكتاي تولى ابنه كيوك بن أوكتاي وكان له الفضل في تثبيت أقدام الإمبراطورية في مستعمراتها من دون إضافة بلاد جديدة. ولذا فقد توقفت توسعاتهم في ذلك الوقت إلا أنه في ظل ما كانت تتعرض له دولة الخلافة بممالكها المستقلة من حملات صليبية أوروبية، وفي ظل التقارب الذي حدث بين الطرفين (المغول والصليبيين) نتيجة تزاوج عدد كبير من قادة المغول من فتيات البلدان الأوروبية التي احتلوها، بما سمح بتغلغل الديانة المسيحية نسبيا في بلاط الحكم المغولي، الأمر الذي أوقع المسلمين بين شقي الرحى المغول من ناحية والصليبيين من ناحية أخرى، ومما زاد الطين بلة أن الصراعات بين المسلمين لم تتوقف مما ضاعف من أثر هذه الحروب على مستقبل الدولة العباسية، خاصة مع وفاة الخليفة العباسي المستنصر بالله، ليخلفه ابنه المستعصم بالله البالغ من العمر ثلاثين عاما ولم تكن لديه دراية واسعة بشؤون السياسة والعسكرية وفي خضم ذلك، استكمل المغول توسعاتهم بحق ما تبقى من أراضي الخلافة خاصة بعد استيلائهم على أملاك الدولة الخوارزمية كاملة والتي كانت بمثابة الحاجز القوي في مواجهة تقدمهم نحو مقر الخلافة في العراق، إذ لم يعد فاصلا بينهم سوى شريط ضيق في غرب إقليم فارس (غرب إيران حاليا)، تقطنه طائفة الإسماعيلية الشيعية الخطرة، وكانوا أهل حرب وقتال ولهم قلاع وحصون، فضلا عن طبيعة المكان الجبلية، وكانوا على خلاف دائم مع المذهب السني وكراهية شديدة له، بل كانوا يتعاونون مع الأعداء، تارة يراسلون المغول وتارة أخرى يراسلون الصليبيين. وهو ما أدركه المغول في ضرورة التخلص من هذه الطائفة واقتلاع جذور دولتهم، إذ أقدم هولاكو على رأس جيش كبير في يناير (كانون الثاني) 1256م-653هـ، متوجها إلى قلاع الدولة الإسماعيلية البالغ عددها نحو المائة قلعة، وذلك بناء على تعليمات أخيه منكو خان، وهو ما دفع زعيم الإسماعيلية ركن الدين خوارزم شاه إلى الاستسلام وتقبيل الأرض أمامه، بل وتوجيه أوامره إلى المندوبين التابعين له في بلاد الشام إلى تسليم جميع القلاع إلى جيش هولاكو.
مع تحقق الهدف الأول الذي جاء من أجله هولاكو والمتمثل في القضاء على الدولة الإسماعيلية، توجه لتحقيق هدفه الثاني المتمثل في الاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية التي كان خليفتها آنذاك المعتصم بالله (1242م – 1258م)، ونجح في الاستيلاء على عاصمة الخلافة، بل باشر فيها كثيرا من سلطاته بشأن تنظيم شؤون الإدارة فيها مع تركها في أيدي العراقيين عدا الإدارة العسكرية والشرطية واستكمالا لتوسعتهم، توجهت جيوشهم صوب الجزيرة العربية، إذ توجه هولاكو بنفسه إلى كل من دينسمر ونصيبين ومن ثم حران، وكلف ابنه يشموط بقيادة فرقة أخرى من الجيش والتوجه إلى ميافارقين، كما وجه فرقة أخرى بقيادة الصالح ابن صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ إلى آمد. وقد نجحت هذه الجيوش في السيطرة على هذه المدن، إذ أخضعت آمد بعد استسلام أهلها في عام 1257م. كما نجحوا في الاستيلاء على ميافارقين بالقوة بعد مقتل الملك الكامل، ليتوجه الجيش بعدها إلى حصار مدينة ماردين التي رفضت الاستسلام، ليتم تركها والتوجه إلى حلب عن طريق عبور نهر الفرات والاستيلاء عليها عام 1260م بعد حصار شديد ومهاجمتها من كل الجهات، والعودة إلى ماردين مرة أخرى وفرض الحصار عليها والذي انتهى بخضوع المدينة بعد وفاة الملك السعيد وتولي ابنه المظفر والدخول في مفاوضات ثنائية انتهت بتسليم المدينة. وبعدها توجهت الجيوش إلى دمشق إذ تم استسلامها في فبراير (شباط) 1260م، وخروج الملك الناصر وأتباعه إلى غزة، ليتوالى بعد ذلك سقوط مدن الشام مثل حماه حيث كان لما جرى في دمشق أثر كبير في استسلام أهلها وهروب الملك المنصور الثاني. وهكذا بعد أن تم للمغول السيطرة على حلب ودمشق وحماه وغيرها من المدن المجاورة، أصبح استيلاؤهم على بقية مدن الشام مسألة وقت، وذلك بسبب ما حل ببلاد الشام من الأهوال والخوف والفزع، فضلا عن تفرق كلمة الأمراء الأيوبيين وكان من نتائج سقوط كثير من المدن الإسلامية في أيدي المغول وحلفائهم أن عم الرعب والخوف سائر أرجاء مدن الدولة الإسلامية، خاصة مع هروب الكثيرين بما يحملونه في نفوسهم من خوف بسبب ما حل بهم وببلادهم من دمار وخراب وهلاك. وفي تلك الأثناء بدأت جيوش المغول تتمدد في بقية أراضي الخلافة العباسية، ولم يبق لها إلا مصر إذ أن احتلالها يعني سهولة استكمال المخطط المغولي في التمدد نحو مدن وممالك الخلافة الواقعة في الغرب خاصة أن الوضع في المغرب الكبير كان قد تمزق إلى دويلات صغيرة بعد سقوط دولة الموحدين. كما حرص المغول على احتلال مصر خوفًا من أن يؤدي تجمع العلماء والعسكريين الفارين من بلادهم المحتلة إلى مصر بما لها من مكانة تاريخية وقيادة واعية وحمية دينية من تحولها لمقر لإعادة ترتيب البيت الإسلامي لمواجهة تمددهم، وهو ما تم بالفعل. إذ أدرك سيف الدين قطز أن الحفاظ على دولته (دولة المماليك) يستوجب القضاء على الخطر المغولي الذي استشرى في الممالك الإسلامية، وبالفعل تم اتخاذ خطوات جادة لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية من خلال عزل الملك المنصور وتعيين ابن المعز أيبك قائدا للدولة، مع توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية عبر إشراك الأمراء والعلماء وكبار القادة وأصحاب الرأي في كيفية مواجهة هذا الخطر. وهو ما نتج عنه الاتفاق في الرأي على رفض ما حمله رسل هولاكو من تهديد ووعيد، وذلك بقتلهم وتعليق رؤوسهم على باب زويلة، وهي رسالة أراد بها قطز رفع معنويات المواطنين من ناحية، وإعلان الحرب على المغول من ناحية أخرى. لتبدأ مرحلة الاستعداد للمواجهة مع تغير النهج الذي اتبعته الممالك الإسلامية التي تحصنت داخل حدودها، حيث ارتأى قطز أن التحصن داخل المدن لصد الهجوم في حالة حدوثه لم ينجح في هزيمة المغول. ولذا اعتبر أن الخروج لمواجهتهم هو أفضل وسيلة للنصر واختار لذلك مكان عين جالوت في فلسطين، ويرجع اختيار هذا المكان لعدة عوامل، أبرزها: الطبيعة الجغرافية للمنطقة، إذ أنها منطقة منبسطة بما يجعل المعارك مكشوفة مع العدو، مع وجود جبل يعلوها بما يُمكّن الرماة من أداء واجبهم على أكمل وجه. كما أن اختيار بلاد الشام يعطي دفعة قوية للجموع الشامية الهاربة إلى مصر والمنضمة لجيش المماليك للاستبسال والتفاني في الجهاد طمعا في العودة مرة أخرى إلى بلادها. وبالفعل تحقق النصر للجيش المصري على المغول في معركة عين جالوت في أغسطس (آب) 1260م- 658هـ. ليستكمل المهمة بتحرير الكثير من مدن الشام (دمشق، حمص، حلب…) وإعادة ترتيب أوضاعها وأحوالها من خلال إعادة الملوك الأيوبيين إلى عروشهم تابعين لسلطان مصر المملوكي وكان من نتيجة الهزيمة التي مني بها الجيش المغولي بقيادة كيتوبوقا وعدم قدرة هولاكو على تزويده بقوات نظرا لحروبه مع منافسيه من أهل بيته، أنه سعى لدى الخان الأعظم لتعزيز قوته وهو ما تم له عبر إصدار مرسوم بمنح هولاكو البلاد الواقعة بين نهر جيحون حتى بلاد الشام، وبدأ في ترتيب جيشه لمعاودة الحرب مع المماليك إلا أنه لم يتمكن من ذلك إذ عاجلته المنية في 1265م- 663هـ,ولكن لم يتخل المغول عن حلمهم بضم مصر والشام، إذ مع تسرب خبر مقتل سيف الدين قطز بسبب خلافه مع قائد جيشه الظاهر بيبرس، توقعوا الانقسام داخل دولة المماليك بما دفعهم لمحاولة فرض سيطرتهم على بلاد الشام مرة أخرى، ورغم الاستبسال الذي أبلاه أهالي الشام في مواجهتهم، فإنهم لم يتمكنوا من هزيمتهم حتى تمكن الظاهر بيبرس بعد تثبيت شؤونه على عرش الدولة المملوكية في مصر والشام، بإرسال جيش لطرد المغول من بلاد الشام، وهو ما دفعهم إلى الانسحاب قبل قدومه خوفا مما جرى لهم في السابق. وهكذا نجحت الأمة الإسلامية حينما توحدت صفوفها في طرد المغول كما سبق ونجحت أيضا في طرد الصليبيين.
من كل ما سبق، يمكن أن نخلص إلى نتيجتين مهمتين: الأولى، تتعلق بأوضاع الأمة الإسلامية بين البارحة واليوم، إذ أنه ما تعرضت له من غياب لهويتها الإسلامية وتفرقها وتمزقها وتشتت إراداتها مع غياب الاستعدادات المادية اللازمة لمواجهة التهديدات والمخاطر، كانت من أبرز الأسباب وراء تعرضها للهزائم وللقتل والإبادة. أما حين فاقت من غفوتها ونجحت في تجميع شتات قواتها استطاعت أن تدحر أعداءها وتقف في مواجهة تهديداتهم. ولن تقف الجرائم التي ترتكب اليوم بحق أبناء الأمة الإسلامية إلا إذا فاقت من غفلتها واستعادت زمام أمورها ووحدت صفوفها، ولعل خطوة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب التي اتخذتها المملكة العربية السعودية بداية حقيقية لتصحيح هوية الأمة الإسلامية وتوحيد صفوفها في مواجهة أشد المخاطر التي تحيط بها اليوم وهو القتل باسم الدين. أما النتيجة الثانية، فتتعلق بدور القائد في تغيير حركة التاريخ ومساره، فالمقارنة مع الاختلاف بين دور كل من جنكيز خان في توحيد الشعب المغولي وبناء دولته التوسعية، وبين دور القائد قطز ونجاحه في إعادة ترتيب شؤون الدولة الإسلامية بعدما تفككت أواصرها وضاعت ممالكها تحت جحافل الجيش المغولي، توضح أنه يمكن أن يتحول مسار التاريخ تماما بظهور رجل قادر على بناء دولته شريطة أن تتأسس على مبادئ العدل والشورى والديمقراطية والمساواة والعدالة، وهو ما تطمح فيه شعوب منطقتنا العربية ودولنا الإسلامية جمعاء لاستعادة مجدها ولا تزال الأمة الإسلامية تتعرض إلى مخاطر جمة لا تقل عن تلك التي تمتلئ بها كتب التاريخ من اعتداءات على الشعوب الإسلامية، وصلت إلى جرائم لن تمحى من ذاكرة أبنائها. فما تعرضت له الأمة من احتلال صليبي نجحت في صده بقيادة رجال تحملوا المسؤولية ونهضوا بشعوبهم في مواجهة الحملات الصليبية، كذلك ما تعرضت له الأمة من هجوم مغولي تتاري واسع قضى على الأخضر واليابس وهدم الحضارة الإسلامية بما حملته من مشاعل نور للعالم أجمع والحقيقة أن ما تتعرض له الأمة الإسلامية اليوم ليس بعيدا عما جرى في الأمس، فما تقوم به جماعات الإرهاب والتطرف من ممارسات تثير الرعب والخوف في قلوب الشعوب الإسلامية مثل القاعدة أو داعش أو مليشيات إيران وحشدها في المنطقة لم يختلف كثيرا عما ارتكبته جحافل المغول من جرائم وفظائع بحق المدن والممالك التي احتلتها. وحتى تستفيد الشعوب اليوم من أحداث التاريخ كي لا تتكرر الأخطاء والأخطار نفسها وتأخذ العبرة والعظة، علينا أن نبحث فيما حدث مع انتصارات جنكيز خان وحفيده هولاكو وما هي قصة خروجه إلى بلاد الإسلام والمسلمين، ولماذا تهاوت الخلافة العباسية على أيديهم بهذه السرعة وبهذه الصورة المهينة؟
تتعدد الروايات التاريخية وتتنوع حول بداية ظهور قبائل المغول والتتار، وإن كانت أقربها هي أن التتار والمغول هم في الأساس قبائل من الترك البدو كانوا يسكنون الجزء الشرقي من بلاد التركستان وما يليها شرقًا من بلاد الصين في العصور الوسطى، وأن ألنجة خان أحد ملوك الترك وُلد له في الأزمنة القديمة ولدان توأمان هما: مغول خان وتتار خان وقد تفرعت منهما قبائل المغول والتتاروقد عاش أولادهم في وفاق مدة طويلة إلى أن حدث نزاع بينهما تغلب فيه التتار أولاً وصارت لهم السيادة مدة طويلة، ثم اتحدت قبائل المغول وحاربت التتار وهزمتهم وانتزعت منهم السيادة وظل الملك متوارثا فيهم إلى عهد بيسوكا بهادر والد جنكيز خان والذي ولد عام 549هـ ولمّا بلغ الثالثة عشرة من عمره توفي أبوه وانفض أكثر قبائل المغول من حوله لصغر سنه فلما بلغ مبلغ الرجال ظهرت مواهبه السياسية والعسكرية فجمع قبائل المغول حوله وسن لهم قانونًا يسيرون على هديه ويحكمون بمقتضاه ووحد صفوفهم واستعان بهم على توسيع ملكه، ونجح في إخضاع قبائل التتار تحت حكمه وعليه، يصبح من الأهمية بمكان تصحيح الخطأ التاريخي الذي يقع فيه كثير من الباحثين والكتاب، عند تناولهم لتاريخ الدولة الإسلامية في مواجهة الغزو المغولي، فليس صحيحًا أن المغول والتتار شيء واحد، فيقال أحيانًا هجمة التتار على العالم الإسلامي أو إمبراطورية التتار، ولكن الصواب أن المغول والتتار وإن كانا ينتميان إلى قبائل الترك، إلا أنهما دخلا في صراع كبير، نتج عنه تشتتهما، حتى اجتمع شملهما على يد قائدهم جنكيز خان ويذكر أن اسم جنكيز خان لم يكن هو اسمه الحقيقي، وإنما هو لقب يعني باللغة المنغولية «قاهر العالم» أو «ملك ملوك العالم» واسمه الحقيقي هو تيموجين وكان قائدا عسكريا شديد البأس وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله وبدأ في التوسع تدريجيا في المناطق المحيطة به وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربا، ومن سهول سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا، بل نجحت الدولة في سنوات قليلة في أن تضم في طياتها دولة الصين بكاملها (9 ملايين كيلومتر مربع)، إضافة إلى كل من منغوليا، فيتنام، كوريا، كمبوديا، تايلاند، أجزاء من سيبيريا ولقد كانت لهم ديانة غريبة وهي خليط من أديان مختلفة جمعها زعيمها جنكيز خان من شرائع الإسلام والمسيحية والبوذية واختلق لهم أشياء أخرى؛ وأخرج لهم في النهاية كتابا جعله كالدستور أُطلق عليه اسم «الياسق» أو «الياسج» أو «الياسا نخلص إلى القول إن نجاح جنكيز خان في السيطرة على قبائل التتار وإرغامهم على الانضمام إلى جيوشه ومشاركتهم في حروبه، ومع غلبة عددهم في تركيبة هذه الجيوش، أطلق عليها التتار لتعبر عن الهمجية والقسوة والوحشية:ومن الجدير بالذكر أن الاختلاف بين المؤرخين حول بدايات ظهور قبائل التتار والمغول، امتد إلى التباين في المقصود بكلمة ا