من تظاهرات الشباب العراقي في البصرة
تنتمي طروحات الإسلام السياسي الشيعي في العراق إلى تيار الإحيائية الإسلامية، التي تركز على مسألة الهوية الإسلامية والدَّعوة إلى أسلمة الدولة والمجتمع. وقد يكون نوعا من المبالغة اللفظية، وصف نتاجات القيادات السياسية الشيعية في العراق بأنها تحتوي فكرا سياسيا يُنظر فيه لنموذجِ “دولة”. إذ لا يعدو أن يكون في عداد الأدب السياسي الحَرَكي، وكما يصفه عبد الإله بلقزيز بأنه “خطاب دَعَوي يتغيا التحريض والتجييش والتحشيد للأتباع والأنصار، ويتوسل في ذلك بالخطابة اللفظانية التي تخاطب الغرائز والوجدان، ومشاعر الغبن والحرمان”. ومن حيث العموم هو نتاج مرحلة تاريخية مختلفة عن واقع العراق المعاصر بعد 2003.
وتدّعي أغلب الأحزاب السياسية الشيعية التقليدية بأنها تنتمي إلى المدرسة الفكرية للسيد محمد باقر الصدر، والذي كان يدعو فيها إلى إقامة “دولة إسلامية عقائدية”، ويؤكّد على أنها ضرورة شرعية لإقامة حكم الله على الأرض، ولتجسيد دور الإنسان في خلافة الله، وهي، أيضا، ضرورة حضارية لأنها المنهج الوحيد الذي يمكنه تفجير طاقات الإنسان في العالم الإسلامي.
ولذلك يقوم الأساس رقم 5 من أسس حزب الدعوة الإسلامي، والتي ينسب كتابتها إلى الشهيد محمد باقر الصدر، على اعتبار الدولة الإسلامية بأنها “دولة فكرية”؛ لأنها تحمل رسالة الإسلام الفكرية.
بيد أن هذه الرؤية والأسس الفكرية، لم تعد حاضرة في الخطاب السياسي لحزب الدعوة الإسلامي بعد 2003، ولذلك نجده قد تخلّى عمّا جاء في الفصل الأول من النظام الداخلي لحزب الدعوة الإسلامية، والذي حدد هدفه في “تغيير واقع المجتمع البشري إلى واقعٍ إسلامي، بتغيير المفاهيم والسلوك والأعراف والعلاقات على كل المستويات، على أساس من العقيدة والرابطة الأخلاقية الإسلامية وإحلال الشريعة الإسلامية محل القوانين الوضعية، تحقيقا لإرادة الله سبحانه في عباده وابتغاء مرضاته جل شأنه”. لأنها لم تعد تتلاءم مع قبوله المشاركة في تأسيس النظام الديمقراطي في العراق.
مشكلة الأفكار الطوباويّة هي دورها في تشييد جدران الجمود الفكري، وعرقلة أيَّ مشروع للنقدِ والتجديد
أما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، فإن التغيرات الأبرز بعد 2003 شمل العنوان فقط، إذ حُذِفَت “الثورة”، التي لم تتحقق أصلا، وفيما بعد جرى التضحية بالحرس القديم بإعلان الانشقاق وتأسيس “تيار الحكمة” بزعامة السيد عمار الحكيم، عدا ذلك لم يحدث تجديد في الأفكار والرؤى للدولة.
فطروحات مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي السيد محمد باقر الحكيم (اغتيل 2003)، التي تُنظر لدور الأمة في اختيار الولي الفقيه “من خلال التدقيق في وجود المواصفات التي وضعها الشارع المقدس كشروط أساسية في الولي الفقيه، … وتقديم المشاورة الصالحة للحاكم الإسلامي”. يبدو أنها قد تحولت إلى نصوص تراثية مكانها في أرشيف ومكتبات المجلس الأعلى وتيار الحكمة، واستبدلت بشعارات سياسية منها “الشراكة الوطنية” و”الدولة العصريّة العادلة” كما يرددها دائما السيد عمار الحكيم في مهرجانات خطابية ومواسم الانتخابات.
المفارقة، أن لا “الشراكة الوطنية” أنتجت استقرارا سياسيا، ولا شعار “الدولة العصرية العادلة” تحقق لينافس نظرية العدالة التي قدَّمها جون راولز وأمارتيا سن.
والتيار الصدري، الذي يعود بعنوانه إلى السيد محمد محمد صادق الصدر (اغتيل 1999) على الرغم من كونه لم يشارك في تأسيس بنية النظام السياسي بعد 2003، فإنه لم يتمسك بطروحات السيد محمد الصدر التي تتبنى ولاية الفقيه العامة والمطلقة، كما ناقشها في كتابه “ما وراء الفقه”/ الجزء التاسع، ورفضه الواضح للنظام الديمقراطي في كتابِه “نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان”. إذ تبنّى السيد مقتدى الصدر خيار التوجّه نحو “دعم الديمقراطية لإيصال المخلصين إلى سدة الحكم”.
إذن، مشكلة أيديولوجيات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، بقيت مجرد يوتوبيا تدعو إلى إقامة نظام حكم إسلامي، ولم تكن قادرة على التعاطي مع واقع التغيير السياسي بعد 2003، وأثبتت عجزها عن التصالح مع واقع الدولة بما تحمله من مصاديق واقعية كمفهوم مجرَّد وكمجموعة من الممارسات. إذ يبدو أن الغلبة أصبحت لواقعية العمل السُّلطوي، وما تفرضه من براغماتية، وباتت ضرورة تفرضها الرغبة بالوصول أو البقاء في الحكم، حتى وإن كان على حساب التخلي عن الأفكار والطروحات التي تأسسَت عليها تيارات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، والتي كانت تروّج لها طوال فترة المعارضة.
في العراق وبعد تجربة سبعة عشر عاما لا نزال ننتظر مفكرين يستثمرون مواقف التصالح مع الواقع السياسي ويساهمون ببناء نظرية سياسية تعالج الأزمات السياسية في العراق
حتى الآن، لم تحدث مراجعة فكرية عند أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في العراق، ما يعني وجود أزمة تجديد بالفكر. إذ لا توجد طروحات يمكن أن تقدّم أي نموذج للحُكم، يقوم على أسس ومباني فكرية تتلاءم مع ما تسوقه في خطاباتها السياسية التي تتحدث فيها عن الديمقراطية والاحتكام إلى الدستور، ويبدو أن تلك المشكلة مُركبة.
ففي فترة التأسيس لم تستطع، هذه الأحزاب، أن تخرج من دائرة الأدبيات السياسية التي أنتجتها تيارات “الإحيائية الإسلامية” بشأن الدولة ونظام الحُكم الإسلامي، وبعد 2003 لم تستطع أن تقدم أي نموذجٍ من نماذج الحُكم التي كان يطرحها قادتها في أيام المعارضة؛ ومن ثم كانت مواقفها في التعاطي مع الواقع السياسي العراقي بعد 2003 قائمة على أساس تعامل براغماتي. وبالتالي من يقرأ أدبياتها في فترة المعارضة ويقارنها مع سلوكها ومواقفها في العمل السياسي، يمكن أن يصل إلى نتيجة تفترض أنها ـ أي أدبياتهم السياسية ـ كان تُنظّر لدولة طوباويّة.
ومشكلة الأفكار الطوباويّة هي دورها في تشييد جدران الجمود الفكري، وعرقلة أيَّ مشروع للنقدِ والتجديد، وتحت ظلال هذه الجدران يُغيَّب الواقع ويُمسي مغمورا. وكما يقول “بول ريكور” تبدو الطوباويّة كأنها تُقدّم نوعا من الحُكم الاجتماعي دون أن تكترث للخطوات الواقعية الضرورية الأولى للتحرّك نحو مُجتمع جديد. وغالبا ما تُعامل الرؤية اليوتوبية كنوع من الموقف الفُصامي تجاه المجتمع، فهي في الوقت ذاته طريقة للهرب من منطق الفعل عبر تشكيلة خارج التاريخ.
واستحضر هنا مقارنة مهمة، فبعد مرور عشر سنوات على تجربة حكم الإسلام السياسي في إيران، بدأت تتمخض ولادة تيار فكري إصلاحي لتقييم التجربة وتقديم طروحات تتراوح بين النقد والإصلاح. لكنها بصورة عامة تجاوزت حالة الانغلاق الفكري الذي حاول دعاة ولاية الفقيه العامة تنميط الفكر السياسي الشيعي بنموذجه. لذلك، برزت أسماء وعناوين وطروحات فكرية أمثال محمّد خاتمي، وعبد الكريم سروش، ومحسن كَديوَر، ومحمّد مجتهد شبستري.
أما في العراق وبعد تجربة سبعة عشر عاما لا نزال ننتظر مفكرين يستثمرون مواقف التصالح مع الواقع السياسي ويساهمون ببناء نظرية سياسية تعالج الأزمات السياسية في العراق.
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
#محمد_المسيح #التاريخ_المبكر_للإسلام 155 حكم المفطر في القرآن؟
Published by:مفكرفي ذكرى انتفاضة يوم الأرض
Published by:مفكرقصة المصحف الأول
Published by:صباح ابراهيمرسالةٌ الخليفة تكشُفُ الحقيقة!
Published by:مفكرحقائق لن تخفى على العالم!
Published by:حسن محموديالخلاف السني الشيعي في رواية " المهدي المنتظر "
Published by:يوسف تيلجيمن احاديث الشيوخ ورجال الدين
Published by:صباح ابراهيممسلمون يقتلون مسلمين
Published by:ميسون البياتيمشروع #الخميني في #العراق/ 2ـ3 وسيلة تنفيذ المشروع
Published by:علي الكاشكتاب إيقاعات وألوان للأديب عصمت شاهين دوسكي
Published by:عصمت شاهين دو سكيأبحاث في اللغة والأدب/35 الوشم في العقائد والأدب
Published by:مفكرفيلم "الكيف"
Published by:أسامة حبيبذكرى الثامن من آذار من كل عام ؛ ذكرى نهضة تحيينا ونحييها
Published by:حسن محموديالتعليم في #العراق ونقطة البداية
Published by:رعد يوسفمظلومية #الكورد_الفيليية قائمة :
Published by:عزيز الخزرجيأفكار شاردة من هنا وهناك/10
Published by:مفكرإضرابات النقابات في معادلة الصراع مع الاحتلال
Published by:مفكرإعتراض وجيه على تهنئة بمناسبة شهر رمضان :
Published by:عزيز الخزرجيمشروع #الخميني في #العراق/ 1ـ 3
Published by:علي الكاشتعدد الزوجات والأديان
Published by:صباح ابراهيم" نوروز" بين (الأسطورة والتسييس) ..!!
Published by:سليمان يوسف يوسفالمحامي #ادوار_حشوة : #المسيحية من روح #انطاكية الى غيرها !
Published by:ادوار حشوةكيف ترجم القرآن عن السريانية
Published by:صباح ابراهيممعنى الله ظهر بالجسد
Published by:صباح ابراهيمأَإِلَى رَمْسِهَا .. زُفَّتْ سَمِيرَامِيسْ؟
Published by:آمال عوّاد رضوانمحنة الشيعة في عصرنا:
Published by:عزيز الخزرجيالعرب المسلمون والأنعزال عن الركب الحضاري .. أضاءة
Published by:يوسف تيلجي((المسلمين لم يكذبوا عندما قالوا ان أسم محمد تم ذكرة بالاناجيل))
Published by:مازن البلداويفيلم "House of The Flying Daggers"
Published by:أسامة حبيب#العُهدة_العُمريّة.. بين الظلمِ والإستبداد!
Published by:مفكريا دار
Published by:عصمت شاهين دو سكينادي #مانشستر_يونايتد…. الى أين !
Published by:مازن البلداويادخال فكرة #المساكنة لبيوتنا عبر المسلسلات اجندات سياسية يمولها #النظام_السوري
Published by:أمل عرافة#الحضارة_الفينيقية في #الجزائر
Published by:مفكرأهريمان الشرّير في العقائد الإيرانية وقصة عيد النوروز
Published by:عضيد جواد الخميسيمباحث في اللغة والأدب/34 الحجاج رجل الدولة الحقيقي
Published by:مفكرعشرون عاما على الغزو.. والاحتلال.. والتواجد الأمريكي في #العراق
Published by:فواد الكنجيكان عصر #صدام اكثر امناً له ولجلاوزته ولمن لا يعنيه امر #العراق
Published by:مفكرذو النورين ينهبُ بيتَ المال!
Published by:مفكرمحمدالمسيح #التاريخالمبكر_للإسلام 154 إشكاليات الإرث في القرآن.
Published by:مفكرالحصاد
Published by:مفكر#العراق في آلنفق المسدود:
Published by:عزيز الخزرجيمن نصدق #سموترتش أم كتبهم الدينية؟
Published by:مفكرمحنتنا الفكريّة ممتدة
Published by:عزيز الخزرجيالصلح السياسي بين #إيران و #السعودية
Published by:اسعد عبد الله عبد عليقوانين الغباء البشري
Published by:ميسون البياتيألعراق قربة مثقوبة :
Published by:عزيز الخزرجيالعلاقات المغربية الفلسطينية ثابتة وعابرة للأحزاب
Published by:مفكرأضاءة .. هل الأسلام لا زال مسكونا بالماضي
Published by:يوسف تيلجيفيلم "Sardar Udham"
Published by:أسامة حبيبشتان بين عفو الصعاليك؛ وعفو الدول ذات المؤسسات
Published by:حسن محموديإضاءة على الاتفاق الأخير بين #المملكة_العربية_السعودية و #نظام_الملالي
Published by:حسن محموديخاطرة: بلائي في وطن مغتصب
Published by:علي الكاشأبحاث في اللغة والأدب/33 السبحة في التراث العربي
Published by:مفكرجبر الخواطر
Published by:عصمت شاهين دو سكيأحدث التعليقات
- جابر on من احاديث الشيوخ ورجال الدين
- جابر on اسباب ترك الإسلام الخصها كالتالي
- رزان حسين on اسباب ترك الإسلام الخصها كالتالي
- جابر on ذكرى الثامن من آذار من كل عام ؛ ذكرى نهضة تحيينا ونحييها
- حسنات لعائشه on ذكرى الثامن من آذار من كل عام ؛ ذكرى نهضة تحيينا ونحييها
- Mashaal on جنة الإسلام و فردوس المسيحية
- تاجر رمضاني on #شاهد هل تتفقون معه #أحمد_الرمح: #رمضان ليس شهر الخير، ولا الرحمة! في أربع دقائق
- جابر on ذو النورين ينهبُ بيتَ المال!
- جابر on كان عصر #صدام اكثر امناً له ولجلاوزته ولمن لا يعنيه امر #العراق
- جابر on #شاهد هل تتفقون معه #أحمد_الرمح: #رمضان ليس شهر الخير، ولا الرحمة! في أربع دقائق
- محمد المغربي on آيات القرآن المقتبسة من التوراة
- صباح ابراهيم on العرب المسلمون والأنعزال عن الركب الحضاري .. أضاءة
- ابن الرافدين on تعدد الزوجات والأديان
- Romano Vidal on تعدد الزوجات والأديان
- س . السندي on ((المسلمين لم يكذبوا عندما قالوا ان أسم محمد تم ذكرة بالاناجيل))
- shine fareed on ادخال فكرة #المساكنة لبيوتنا عبر المسلسلات اجندات سياسية يمولها #النظام_السوري
- عمر اللات on #العُهدة_العُمريّة.. بين الظلمِ والإستبداد!
- عبعليم المفتي on ذو النورين ينهبُ بيتَ المال!
- المهدي السنهوري on حرامي #سوريا #رامي_مخلوف يهلوس من جديد عن #اقتراب_الساعة و #المهدي وساصدقه اذا اعاد ماسرقه ل #السوريين
- TheEBooker on ترجمة الفصل الثلاثين من كتاب تاريخ هرقل للمؤرّخ الارميني سيبيوس ( الجزء الاول ).
- س . السندي on هل ستخدم مفاوضات #نظام_الملالي مع #العرب مسارات #الأمن_القومي_العربي؟
- س . السندي on هل ستخدم مفاوضات #نظام_الملالي مع #العرب مسارات #الأمن_القومي_العربي؟
- SABAH kARAMAN on الإمام الحسن.. حياة المرح واللهو!
- صباح ابراهيم on مريم العذراء بين القرآن والإنجيل
- صباح ابراهيم on مريم العذراء بين القرآن والإنجيل
- Shankahout Fadil on مسيحياً ، رئيساً لسوريا :
- س . السندي on مسيحياً ، رئيساً لسوريا :
- SABAH kARAMAN on شذرات من نفح النبوة
- ALI AL MAWARDY on شذرات من نفح النبوة
- SABAH kARAMAN on ** الحلقة 3 …من أشهر عشرين كذبة في الموروث الاسلامي