مجموعة قصص قصيرة من تأليفي
القصةُ الخامسةُ:
الأم والافعى.. قصة #نوار_نوره_البحرة
ذهَبَ الأبُ مشياً على الأقدامِ إلى المدينةِ البعيدةِ، ليبيعَ ويشتريَ
ودَّع في الصباحِ الباكرِ زوجتَهِ وأبناءهُ الخمسةَ،بملابِسِهم الرثَّةِ، كان غيابُهُ سيستغرقُ عدةَ أيامٍ
ذهبتْ الأمُّ في المساءِ إلى الزريبةِ
ثم ركَعَتْ، كي تحلبُ العنزاتَ وحينما داسَتْ في التبنِ
حتى تسحبَ زكيبةَ العلفِ!
لدغَتْها في ساقِها اليُمنى
أفعى صغيرةٌ كانت مختبأةً في التِّبنِ عميقاً
قطعتْ الأمُ رأسَ الأفعى بضربةِ سكينٍ، كانت تحمِلها دوماً في حزامِها
وفكَّرتْ وهي تمتصُّ السُمَّ من ساقِها:
أطفالي سيتضورونَ جوعاً حتى يعودَ والدُهم!!
وقفت الام علي عجل وَ هي تتمتم:
تَبقَّتْ لي ساعةٌ واحدةٌ!!.
ساعةٌ واحدةٌ فقط!!.
وقفتْ بسرعة ،
علي ساقِها المصابةِ، والأفكارِ اليائسةُ تصطدمِ في عقلِها.
أصواتُ أولادها يلعبونَ
تبلُغُ آذانَهم أصواتُ الحربِ البعيدةِ كأنَّها كابوسٌ لايتوقفُ
ركعت على خابيةِ الطحينِ وأفرَغَتْها في المَعْجَنِ، بعجلٍ
ثم صبَّتْ عليها الماءَ
وتركتْها مسرعةً، لتُشعِلُ الموقِدَ
ثم عادتْ وقد أصابتْ الحُمَّى جسَدَها المرتجفِ، و انسابَ العرقُِ من جسمها.
لم تنتظرْ الموتَ الذي سيأتي سريعاً
وهي تهلوِسُ:
سيموتُ أطفالي جوعاً
لكنها استمرت في عجنِ العجينِ بعزمٍ
و اختلطَ عرقُها السائلُ من كلِّ نقطةٍ في جسمِها به،
فمسحتْ جبهتَها بمِرفَقِها الغاطسِ في الطحِينِ الأبيض المُصْفَرِّ….
وتابعتْ العجنَ.
حينما اقتربَ منها ابنُها الأصغرُ باكياً و هو يشدَّ إليه ثديَ أمِّهِ من تحتِ إبطِها
أبعدتهُ خوفاً، من سريانِ سُمِّ الأفعى اليهِ……..
ربما عَجَنَتْ عشرينَ كيلوغرامِ طحين في المعجنِ الكبيرِ
ثم بدأتْ تُشَكِّل كراتَ العجينِ ، بعجلٍ، وَ تُلقِيها أولاً بأوَّلٍ على جدرانِ الموقدِ يُمنةً وَ يُسرى، لتعودَ ثانيةً و تدعكُ العجينَ بقوةٍ….
ثم تدسُّ (المحراكَ) الضخمَ في الفِرْنِ وَ تَجمَعُ الارغفةَ المنتفخةَ وَ تُلقِيها في قُفَّةِ القشِّ الكبيرةِ……
انقضتْ الساعةُ الأولى
ثم عدَّةُ ساعاتٍ بعدَها
مرَّ المساءُ…….
بَزَغَتِ الشمسُ………
أتى إليها الأطفالُ
وَ بكَوا الواحدُ خلفَ الثاني
راغبينَ في صُحْبَتـها
وَ الإطمئنانِ إلى وجودِها
أَرضَتْهم بِأَرْغِفَةِ الخبزِ الساخنةِ الشهيَّةِ الخارجةِ توَّاً منَ الموقدِ
وَ عادتْ إلى العَجِينِ تَصُبَّ الطحينَ الجديدَ والماء فوقَ العجينِ
وَ تكوم الأَرْغِفَةَ في كلِّ أنحاءِ المطبخِ
جاء مساءٌ آخرَ
مازالتْ الأمُّ تعجنُ وَ تخبزُ!
كي لا يموتَ أحدٌ…….