الأباطره الشيوعيون الجدد

الكاتبة العراقية د ميسون البياتي

الأباطره الشيوعيون الجدد
د. ميسون البياتي
بعد أن سمح ووافق الرئيس الصيني
شي جينبينغ Xi Jinping
بالبقاء رئيساً مدى الحياة مع إلغاء قيود الفترة الرئاسيه أصبح من حقنا مناقشة وضع هؤلاء الأباطره الجدد ولماذا يريدون البقاء في كراسيهم مدى الحياة , وما فرقهم عمن سبقوهم من اباطره ؟
وافقت الصين على إلغاء الحد من فترتين للرئاسه ، مما سمح فعلياً لشي جينبينغ بالبقاء في السلطة مدى الحياة , تمت الموافقه على التغييرات الدستوريه في الجلسه السنويه للبرلمان في المؤتمر الوطني لنواب الشعب منذ العام 2018 واليوم اصبحت الموافقه قيد التنفيذ , واعتبر التصويت على نطاق واسع بمثابة عملية ختم مطاطي أي أن البرلمان قام بالموافقة أو المصادقة على بقاء شيجبنبينغ دون تفكير بالمزايا والعواقب التي قد تترتب على ذلك التوقيع , الذي صوّت ضده نائبان وإمتنع 3 عن التصويت من أصل 2964
كانت الصين قد فرضت فترة ولايتين على رئيسها منذ تسعينيات القرن الماضي لكن الرئيس الحالي الذي كان من المقرر أن يتنحى في عام 2023 تحدى هذا القرار ورفض تقديم خليفة محتمل له خلال مؤتمر الحزب الشيوعي , بدلاً عن ذلك عزز سلطته السياسيه حيث صوت الحزب لتكريس اسمه وأيديولوجيته السياسيه في دستور الحزب , ورفع مكانته إلى مستوى مكانة مؤسس الحزب الشيوعي الصيني الرئيس ماوتسي تونغ
الصين دوله كبيره مترامية الأطراف سيطرت اغلب الدول الأوربيه على أجزاء منها , بنهاية الحرب العالميه الأولى قررت الولايات المتحده الأمريكيه إخراجهم منها جميعاً والحلول محلهم , وقع انقلابها الأول في الصين 1925 ثم جلبت عميلها
سًن يات سِن Sun Yat-sen
من الخارج وعينته أول رئيس عليها . سًن يات سِن بوذي صيني حين كان مراهقاً هرب الى البعثه التبشيريه الأمريكيه وتنصر على يديها فتم أدخاله دورة صحيه تخرج منها طبيباً وكان دائم التنقل بين الولايات المتحده واوربا ودول شرق آسيا , حين تم تأسيس جمهورية الصين الديمقراطيه جلبوه من الخارج ووضعوه على كرسي الرئاسه
في آسيا كانت الولايات المتحده تعاني من اندفاع اليابان في المحيط الهادي , وتشعر بقلق شديد إزائها خوفاً من اندفاعها في آسيا . في اوربا كانت الولايات المتحده تعاني من الوفاق البريطاني الروسي الذي تم توقيعه عام 1907 فكان إشعال الحرب العالميه الاولى هو الحل لتدمير الوفاق ثم احلال البلشفيه في روسيا لأن البلشفيه وكما يؤكد لينيين لا تتحالف ولا تتعايش مع برجوازية اوربا
لغرض وضع سياج بين اليابان والتمدد في آسيا تم اقفال بوابة آسيا الشرقيه ب 3 دول شيوعيه , أدخلت الشيوعيه إليهن قسراً وهن : روسيا , كوريا , الصين . انفردت كل واحدة منهن بشيوعية مختلفه البلشفيه في روسيا , الماويه في الصين . الجوتشيه في كوريا لتسهيل وقوع أي نزاع شيوعي _ شيوعي بينهن يصل مداه الى اليابان
كيف وصلت الشيوعيه الى الصين ؟ ماو كان ولداً بليداً عنيفاً مشاكساً ليتخلص منه والده قام بتزويجه وهو بعمر 11 سنه الى فتاه يتجاوز عمرها 20 ( لتربيه ) وكانت هذه عاده متبعه في الصين مع الأولاد من مثله . كان عراكه اليومي مع والده , اصبح الآن مع زوجته ووالده , ذات يوم ضربها ضرباً عنيفاً فمرضت لعدة ايام وماتت . هرب ماو وكان لا يتجاوز 15 سنه عمراً الى مدينه ثانيه وكان مفلساً فسمع عن مدرسه تدفع المال لطلابها كي يدرسوا فيها فانضم اليها . حين تعرف مدير المدرسه على صفات ماو المتفرده في المشاكسه والعنف وعدم الفهم , زوجه ابنته في الحال ورشحه للدراسه في الفرع الثاني من مدرسته ومقرها في باريس . في باريس تم تدريسه مباديء حرب العصابات ودروس في البلشفيه واعادوه الى الصين معلماً قام بفتح مدرسه توزع رواتب على طلابها لقاء تعليمهم فانضم لها العديد من الطلاب تشكلت منهم نواة الحزب الشيوعي الصيني الذي اسسه ماو عام 1921 في
منطقة الإمتياز الفرنسي في شنغهاي The Shanghai French Concession
الامتياز الذي دام بين عامي 1849 _ 1943 وانهته الحرب العالميه الثانيه بسقوط باريس تحت الاحتلال الألماني وكان على فرنسا دفع عربون التحرير للجيش الأمريكي بالإنسحاب من سوريا ولبنان وشنغهاي في نفس العام

بعد تأسيس الحزب الشوعي الصيني بدأ ماو بقتال الحزب الوطني الصيني ( قومندان ) في حروب طويله متقطعه يديرها ضباط أمريكان بجنود صينيين وبسياسة ارض محروقه لطرد الدول الأوربيه التي تحتل الصين . وبعد انتهاء الحرب العالميه الثانيه لم تتخلَ الولايات المتحده عن حليفيها الصينيين فقامت بنقل الحزب الوطني وجمهورية الصين الديمقراطيه ورئيسها شان كاي شيك الى جزيرة فرموزا , فيما اسست لحليفها الشيوعي ماو جمهورية الصين الشعبيه على بر الصين . ولكونها في ذلك الوقت كانت تعلن الحرب البارده على الشيوعيه , لهذا منحت مقعد الصين في الأمم المتحده الى فرموزا حتى عام 1970 حين كانت الولايات المتحده تعد العده لفصل سعر دولارها عن الذهب والبدء بالعمل بالبترودولار والعلاقه مع بر الصين اجدى لها من علاقتها مع فرموزا لهذا منحت مقعد الصين لماو وسحبته من الديمقراطيين , وقامت بتغيير اسم فرموزا الى تايوان , الى اليوم تايوان اسمها الرسمي هو : جمهورية الصين الديمقراطيه

تعاون الشيوعي الروسي مع الشيوعي الصيني لنشر الشيوعيه في جنوب شرق آسيا حتى عام 1954 حيث حكم خروشوف بعد مقتل ستالين , وتبرأ من الستالينيه فسبه ماو وكانت مناسبه لتبادل الشتائم في العلن فوقعت القطيعه بينهما واستمرت حتى بعد موت ماو وحل الإتحاد السوفييتي , استفادت الولايات المتحده من القطيعه بمقاتلة الفريقين في اليمن لإخراج بريطانيا من حامية عدن , وفي اقليم ظفار العماني لإخراج سلطان عمان وبريطانيا من زنجبار وبلوشستان , وفي افغانستان منذ ايام داوود خان , وتسللوا من اقليم حيرات الى مدينة امُل الايرانيه لمقاتلة حزب توده نهاية عهد الشاه , وهم الذي حولوا الصومال من بلد افريقي جميل الى خرائب
أكبر أخطاء ماو بحق الصين هو ما يعرف بالثوره الثقافيه , محي فيها تاريخ البلاد وتراثه , واتلفت الكثير من نفائسه , وابيدت فيها الكثير من الشخصيات التي تعتبر رموزاً وطنيه من بينهم امبراطور الصين الأخير الذي عينوه كناساً في قصره القديم , انهيت حياته ايام الثوره الثقافيه وقيل انه مات بالسرطان . تدخل ماو في العقيدة البوذيه حيث محى منها الكثير من تعاليمها وأحل محلها تعاليمه هو فتحول البلد الى غير مؤمن بعقيده . المواطن الصيني اليوم ماكنة عمل وجمع مال فقط , يتمنى لو أنه كان بغنى عن الأكل والنوم ليعمل المزيد , بجهل مطبق بالدين والتاريخ ومكانة امته وحضارتها

بعد ماو خلفه
ليو شاوكي Liu Shaoqi
نائب رئيس الحزب الشيوعي الصيني . أعيد انتخاب ليو كرئيس للدوله في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني الثالث في يناير 1965. ومع ذلك ، في عام 1966 ، أطلق ماو الثوره الثقافيه وبحلول أغسطس 1966 نجح ماو وأنصاره في عزل ليو من منصبه كنائب لرئيس الحزب . بعد بضعة أشهر ، تم وضع ليو تحت الإقامه الجبريه ، وبعد صراع مطول على السلطه ، جردت جلسه للحزب الشيوعي ليو شاوكي من جميع المناصب الحزبيه وغير الحزبيه في 1968 بما في ذلك منصب رئيس الدوله . كان هذا انتهاكًا للدستور ، الأمر الذي تطلب تصويت المجلس الوطني لنواب الشعب لإقالة رئيس الدوله . بعد إقالة ليو في عام 1968 أصبح منصب رئيس الدولة شاغرا . من عام 1972 الى عام 1975 أشارت وسائل الإعلام الحكوميه إلى نائب رئيس الدوله
دونغ بيو Dong Biwu
باعتباره القائم بأعمال رئيس الدوله
عام 1975 أقر البرلمان الصيني في دستور جديد للبلاد القضاء على منصب رئيس الدوله وأكد على قيادة الحزب الشيوعي للدوله ، بما في ذلك مادة جعلت رئيس الحزب الشيوعي القائد الأعلى للحزب الشيوعي الصيني , وجيش التحرير الشعبى الصينى بالاتفاق كرئيس للجنة العسكريه المركزيه للحزب ، بينما تم نقل مهام رئيس الدوله إلى رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى للشعب , ولم يعاد منصب رئيس الدوله الا عام 1982
بعد 1982 شُغلت مناصب رئيس الوزراء والرئيس والأمين العام للحزب الشيوعي الصيني من قبل أفراد مختلفين وتركزت السلطه السياسيه لدى الزعيم الأعلى الذي كان يسيطر على الحزب والحكومة والجيش من وراء الكواليس ودون أن يتولى أي من المناصب الثلاثه , لكن الرئيسين
لي زيانيان Li Xiannian 1983-1988 ويانغ شانغكون Yang Shangkun 1988_1993
لم يكونا مجرد شخصيات رمزيه بل لاعبون مهمون في القيادة العليا
في خطة دستور عام 1982 الأصليه كان على الحزب أن يخطط السياسه بينما تقوم الدولة بتنفيذها. كان الهدف الأصلي هو تقسيم سلطة الدوله من أجل منع تكوين عبادة الشخصية كما حدث في حالة ماو تسي تونغ . في عام 1982 ، على الرغم من اعتبار
دنغ شياو بينغ Deng Xiaoping
زعيماً أعلى للبلاد ، إلا أنه كان واحد من 4 قاده رئيسيين : هو
ياوبانغ Hu Yaobang
الأمين العام للحزب ؛
تشاو زيانغ Zhao Ziyang
رئيس الوزراء. لي زيانيان Li Xiannian الرئيس ؛ ودنغ شياو بينغ Deng Xiaoping رئيس اللجنه العسكريه المركزيه
بين عامي 1982- 2018 لم يكن يحق للرئيس ونائبه الترشح في أكثر من دورتين رئاستين . في التسعينات تم إنهاء تجربة فصل المناصب الحزبيه عن الدوله فأدى ذلك إلى الصراع بين دنغ شياو بينغ وتشاو زيانغ خلال
احتجاجات ميدان تيانانمين Tiananmen Square protests عام 1989

في عام 1993 ، تولى
جيانغ زيمين Jiang Zemin
منصب الرئيس بصفته الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئيس اللجنه العسكريه المركزيه فأصبح الزعيم الأعلى بلا منازع للحزب والدوله
عندما تنحى جيانغ زيمين في عام 2003 ، تم منح منصبي السكرتير العام والرئيس مرة أخرى لرجل واحد ، نائب الرئيس آنذاك هو جينتاو Hu Jintao أول نائب للرئيس يتولى المنصب , وبدوره سلّم جينتاو المكتبين الى
شي جينبينغ Xi Jinping عام 2013
وعلى خطى الرئيس الروسي بوتين , قام
شي جينبينغ Xi Jinping
بالإعداد لعدم مغادرة مكتب الرئاسه الا محمولاً على نعش حيث سيطر على البرلمان ودفعه للتصويت له منذ العام 2018 أن يحكم دورات رئاسيه غير مرتبطه بعدد ليصبح رئيساً مدى الحياة ويمسك بيده منصب الأمين العام للحزب ورئيس اللجنه المركزيه العسكريه
قد يسأل سائل ما فرق الإمبراطوريات الحاليه عن الإمبراطوريات السابقه التي ابيدت ؟ وقد يتبرع مجيب فيقول : الفرق ان الإمبراطور الحالي حين يموت فهو لن يورث ابنه او اخاه الحكم , بينما السابق كان يفعل , وتعليقنا على هذا : انها فقط مسألة وقت .. فمادامت سلالة كيم الشيوعيه تحكم امبراطورية كوريا الشماليه وتورثها من جيل الى جيل , فمسألة وقت لتوريث بقية الإمبراطوريات الشيوعيه عروشها لأبنائها وأحفادها
د. ميسون البياتي