“استروه ستركم الله، فهو زوج وأب”. “الرجل وقور ومتدين ولا ينشر إلا الآيات القرآنية والأحاديث على صفحته، كما أنه أدى شعيرة الحج”. “ماذا كانت الطفلة تفعل في الخارج؟ وأين أمها؟”. “الاعتداء على الأطفال سببه ملابس النساء في الشارع، الأمر الذي يخلق الكبت لدى الرجال”. “يجب سجن زوجته التي كانت السبب في محاولته التحرش بطفلة صغيرة”. “قد يكون شخصا مريضا كان الله في عونه”. “لماذا خرجت الجارتان من دون حجاب؟ أليست مصر دول إسلامية؟”. “كان واضحا أن الطفلة ترافقه بمحض إرادتها”.
هذه عينة حقيقية من التعليقات التي رافقت واقعة محاولة رجل مصري، بمظهر “وقور”، الاعتداء على طفلة صغيرة في مدخل عمارة، قبل أن تكشفه سيدتان تقيمان بنفس العمارة.
تعليقات تبعث على الغثيان وتثبت لنا إلى أي مدى أصبح الكثيرون قادرين على تبرير أي سلوك من طرف المغتصبين والمتحرشين، مهما كان مشينا ومرفوضا من باب العقل والمنطق والأخلاق والإنسانية والحقوق.
متى ندرك أن نشر الأحاديث والآيات على “حائط الفايسبوك” لا يترجم بالضرورة أخلاقا فعلية لدى الشخص المعني؟ (والفتيات يعلمن بالتأكيد كمَّ رسائل التحرش التي يتوصلن بها من رجال وشباب لا ينشرون على حائطهم إلا خطابات الدعوة والموعظة وآيات القرآن)! متى سندرك أننا لا يمكن أن نتحدث عن “محض الإرادة” حين يتعلق الأمر بطفلة أو بقاصر؟
ثم، وهذا الأساس، متى نعترف أن المتحرش والمغتصب مجرمين وأن لا شيء يبرر سلوكهم، لا ملابس النساء ولا زوجاتهم ولا زميلاتهم ولا عاملة النظافة ولا غراندايزر ولا ثقب الأوزون…؟
على أي أساس نطالب بستر المجرم، حتى وجريمته مسجلة على الفيديو لا تقبل الشك، بينمنا نفضح سيدات يستمتعن بشكل شخصي في نادي خاص وفي سهرة خاصة (حكاية سيدات نادي الجزيرة)، رغم أن هؤلاء لم يتسببن بأي أذى للآخرين ولم يعمدن إلى الاعتداء على حرية وجسد وخصوصية الآخر؟ على أي أساس نطالب بستره، ونفضح فتيات التيك توك وغيرهن، حتى لو لم تعتد أي منهن على الآخرين، لمجرد أنهم لا يمثلن ما نعتبره قيما للمجتمع؟ من الذي يهدد “قيم الأسرة المصرية” فعلا، هذا الرجل الذي كان يستعد للاعتداء على طفلة بريئة، أم سيدات يمارسن حريتهن دون التسبب في أي أذى للآخرين، أو يخلعن الحجاب، أو يرتدين تنورة قصيرة؟
ثم، لنواجه أنفسنا ونتساءل بكل وضوح: لو لم يكن الفيديو متوفرا يفضح بوضوح السلوك الإجرامي لهذا الرجل، هل كان أحد سيصدق السيدتين إذا قررتا فضحه دون دليل؟ أما كانت وسائل التواصل ستغرقنا بتعليقات من قبيل: “مستحيل.. واضح أنه رجل وقور.. إنهما تظلمانه.. أصبح الرجال المحترمون ضحايا لسيدات مستهترات.. لماذا سيعتدي على طفلة بينما هو متزوج وأمامه العديد من الفتيات الراشدات..؟!”، وهلم دفاعا عن المجرم واتهاما للطفلة وللسيدتين اللتين أنقذتاها. لمجرد أنه رجل (والعقلية الذكورية تدافع عن الرجل في كل الحالات) ولمجرد كونهن إناث، وبالتالي مجرمات فاسدات بالضرورة.
إذا كان الكثيرون، وبوجود فيديو واضح لا يدع مجالا للشك، ينكرون الواقعة ويبحثون له عن الأعذار، فماذا كان سيحدث في غياب الفيديو؟
باختصار، نحن أمام جحافل من المواطنين المستعدين لأي شيء من أجل إيجاد الأعذار للمتحرشين وللمغتصبين.. ولإدانة الضحايا من النساء والطفلات.. بل وإدانة كل النساء، من زوجة المجرم للسيدتين اللتين فضحتاه.
مجتمعات تنصب المشانق للنساء.. وتحضن المتحرشين والمغتصبين.
من المؤكد طبعا أننا نبالغ، لأن ظاهرة التحرش ليست بالضخامة التي يحاول البعض إظهارها، استرضاءً للغرب ورغبة في تشويه مجتمعنا الفاضل!