إنها ألمانيا يا سادتي…

سناء العاجي

ألمانيا تفرض وجود امرأة على الأقل في مجالس إدارة الشركات الكبرى وتلك المدرجة في البورصة. يتعلق الأمر بمشروع قانون تم تقديمه يوم 6 يناير الجاري من طرف الحكومة الألمانية.

حسب مشروع القانون هذا، يجب أن توجد امرأة على الأقل في مجالس الإدارة التي تضم أكثر من ثلاثة أعضاء؛ إضافة إلى إجبارية تعيين امرأة في مجالس إدارة الشركات التي توجد الحكومة أو أي مؤسسة عمومية أخرى ضمن المساهمين فيها.

يحدث هذا في ألمانيا، حيث قد نتصور أن حقوق المرأة قطعت مشوارا طويلا وحققت أهدافها.

أول الدروس ربما أنه، في مجال الحقوق، وفي مجال حقوق النساء تحديدا، لا شيء مكتسب بشكل نهائي. حتى في ألمانيا، وهي ضمن أكثر الدول في العالم التي توفر حقوقا سياسية واقتصادية للنساء، ليست هناك أية ضمانات تحمي النساء من ضياع حقوقهن وتضمن لهن المساواة في الوصول للمناصب العليا بناء على الكفاءات وليس على الانتماء الجنسي.

سيمون دوبوفوار قالتها منذ سنوات: “لا تنسوا أن أي أزمة سياسية أو اقتصادية أو دينية كفيلة بأن تتراجع بسببها حقوق النساء مجددا. هذه الحقوق ليست مكتسبة نهائيا. عليكم أن تكونوا متيقظين على الدوام” (ترجمة حرة).

لذلك، حين يقول أبله ما في مكان ما من جغرافياتنا البئيسة، إن النساء حصلن على كل حقوقهن وإن النسويات يبالغن في مطالبهن؛ لنذكره بأن ألمانيا نفسها مازالت تبحث عن حلول لضمان تكافؤ الفرص بين النساء والرجال… أو لنقل، لضمان حضور أهم للنساء (بما أن مشروع القانون أعلاه لا يسعى للمساواة التامة بل فقط لضمان حد أدنى من المشاركة النسائية في المناصب العليا).

ونحن نقرأ هذا الخبر عن ألمانيا ونساء ألمانيا، لا يسعنا طبعا إلا أن نستعيد واقعنا البئيس، حيث خرج عدد من الشباب المتعلم في المغرب، ليطالب على مواقع التواصل بعودة النساء لـ “وظيفتهن الأصل”: الاهتمام بالبيت وانتظار عريس، حتى يتمكن الشباب من الحصول على الوظائف التي يتصورون أنها تضيع منهم.. بسبب عمل النساء!! لا داعي طبعا لأن نحدثهم عن نسب البطالة المرتفعة في أوساط النساء، لأنهم أساسا لا يعترفون بمفهوم “البطالة لدى النساء”.. فالمرأة، أساسا، لم يخلقها الله لتدخل سوق الشغل! مهمتها الأصل هي أن تكون ربة بيت.

في مجتمعاتنا أيضا، هناك من لايزال يتساءل إن كان من حق المرأة أن تسافر بمفردها، وأن تسوق السيارة (بغض النظر عن إقرار هذا الحق، قانونيا، في السعودية؛ فهناك من لايزال يؤمن بأن المرأة لا يجب أن تسوق سيارتها بمفردها). وهل تستطيع مثلا أن تكون سائقة لشاحنة أو حافلة، أن تشتغل كمضيفة، أن تقود القطار والطائرة؟ هل تستطيع مثلا أن تسكن بمفردها، دون أن نعتبرها بالضرورة فاسدة منحلة؟ هل تستطيع أن تنقل جنسيتها لأبنائها أم أنها نصف مواطنة؟ (في المغرب وتونس ومصر، تستطيع المرأة المتزوجة من أجنبي أن تنقل جنسيتها لأبنائها. لكن ماذا عن باقي نساء المنطقة؟).

هناك أيضا بيننا من مازال يعتبر أن النساء فتنة، وأن مجرد خروجهن للشارع (وخصوصا خروجهن بدون حجاب)… هو فساد! هناك بيننا من يؤمن في أعماق أعماقه بأن “ما أفلح قوم ولوا أمورهم لامرأة”، حتى وهو معجب بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبرئيسة وزراء نيوزيلاندا، جاسيندا أرديرن.

هناك من يؤمن بأن النساء ناقصات عقل ودين وبأن الإسلام يكرمهن بنصف نصيب في الإرث (فـ “المرأة قبل الإسلام لم تكن ترث”، كما تقول المغالطة التاريخية الشهيرة).

في النهاية، حين تعيش وسط كل هذه التراكمات من التصورات القروسطية اتجاه النساء، كيف تحافظ على توازنك (أو على بعض الأمل) في غد أفضل لنساء بلدك.. وأنت تقرأ في نفس الآن خبرا عن مشروع قانون ألماني يجمع في جملة واحدة بين النساء.. والشركات الكبرى.. ومجالس الإدارة؟

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.