أحوال السريان الهنود من ذوي الأصول السورية

بقلم : عضيد جواد الخميسي

كنيسة القديس توما في الهند

كنيسة القديس توما في الهند

يشكل المسيحيون السوريون في الهند جزءاً من ولاية كيرالا الجنوبية، والجالية المسيحية لا تختلف في شيء عن أي جالية أخرى في جنوب البلاد في السلوك والعادات والتقاليد واللباس.

إنهم في الواقع (سوريون) من منطلق إقامتهم علاقات وصلات مع الكنيسة السريانية الأرثودكسية السورية، وكذلك من منطلق ولائهم واعتناقهم لديانة ذات أصول هندية، وهم يستخدمون اللغة السريانية في طقوسهم الدينية منذ القرن الرابع الميلادي وحتى يومنا هذا.

من المؤكد أن مار توما الرسول ، هو الذي أسس الكنيسة السريانية في الهند وكان ذلك في عهد الملك (كوندفر) الذي حكم جانباً من الهند الشمالية منها البنجاب وضفاف نهر الهندوس.

لقد أخذ مار توما يبشر بالدين المسيحي في ملبار أو ولاية (كيرالا) في السنة الثانية والخمسين للميلاد فاعتنقه أناس كثيرون ومنهم من الأسر البرهمية.

أقام القديس توما ثلاث سنوات في (كيرالا) أسس خلالها سبع كنائس ورسم عدداً من الكهنة من أربع أسر برهمية، ثم انتقل إلى ساحل الهند الشرقي فملقه بالصين، وفي 18 كانون الأول سنة خمسة وسبعين ميلادية وبينما كان عائداً إلى مدينة ,,مدراس ,, طعنه بعض الكهنة الهندوس بالرماح بعد أن سلخوا جلده وهو حي، وبعد أن توفي في 21 كانون الأول من السنة نفسها دفن في مدراس. ولايزال التل الذي استشهد فوقه يعرف حتى اليوم بتل القديس توما، وفي 31 تموز سنة 394 ميلادية نقلت رفاته إلى مدينة ,,الرها,, شمالي سوريا آنئذ، حيث شيدت باسمه كنيسة فخمة.
كما وصلت المسيحية من بلاد المشرق إلى الهند عن طريق (مار داود) أسقف ,,البصرة ,, الذي قصد الهند ونصر عدداً كبيراً من الهنود، وفي النصف الأول من القرن الرابع، كادت المسيحية في ملبار تندثر، لولا أن هبت لنجدتها جالية سريانية في الرها شمالي سورية آنئذ، برئاسة أسقف رهاوي يدعى (يوسف) وتاجر كبير يدعى (توما) عرف بعدئذ باسم توما الكنعاني، وكان يتاجر في البلاد الهندية.

فلما سافر سنة 339 ميلادية إلى ساحل ملبار، شاهد بعض الناس الذين علقوا صلباناً على صدورهم فاستدل من ذلك أنهم مسيحيون، ولما حدثهم، علم أنهم بحاجة إلى مطران وكهنة، فعاد إلى بلاده وأطلع الكرسي الرسولي على الوضع، وفي عام 345 عاد إليهم مع جالية سريانية، فرحب به مسيحيو الهند أجمل ترحيب.

كانت الجالية السريانية تتألف يومئذ من اثنين وسبعين أسرة وعدد أفرادها أربعمائة شخص، بمن فيهم الكهنة والشمامسة، وقد حطت رحالها في كودنكلور (كرانكنور) حيث أنزلها ملكها (جيرمان بيرومال) على الرحب والسعة، بغية إنعاش التجارة في بلاده، ومنحها بعض الامتيازات والأراضي، ما رفع شأنها، وجعلها متساوية للهندوس في كل شيء، فأسسوا كنيسة وشيدوا منازل شمالي معبد الملك.
لم تمتزج الجالية السريانية المذكورة مع المسيحيين من اصل هندي بالمصاهرة، إذ سكنت في جنوبي المدينة، بينما سكن المسيحيون الهنود في شمالها، فدعي الأولون جنوبيين والآخرون شماليين. ولا تزال هذه التسمية تميز الفريقين حتى اليوم، إضافة إلى بعض الفروق في التقاليد والعادات الاجتماعية. وقد نمت هذه الجالية السريانية وانتشرت في طول ملبار وعرضها، حتى تألفت منها أخيراً أبرشية كبيرة سميت بـ (أبرشية الكناعنة) نسبة إلى توما الكنعاني الذي توفي في بنغال.

لقد كان لوجود هذه الجالية أثر كبير في تاريخ الكنيسة السريانية الهندية لعدة أسباب منها: أنها رفعت منزلة المسيحيين الاجتماعية في تلك الديار ووطدت دعائم الدين المسيحي، وعملت على نشره ليس في الهند فحسب بل في بنغال والصين أيضاً، ومتنت العلاقات مابين الكنيسة الهندية والكرسي البطرسي الأنطاكي في المشرق، وفرضت الاسم السرياني على الكنيسة الهندية، ومنذئذ دعي مسيحيو الهند سرياناً أو(سوريين) وكنيستهم سريانية أو (سورية) واهتمت بنقل رفات القديس توما إلى الرها.

تفرقت الكنيسة السريانية الهندية في الهند التي أسسها القديس توما الرسول سنة اثنتين وخمسين ميلادية، وتعهدها الكرسي الأنطاكي فيما بعد بالأحبار والإيمان، وقد تفرقت مع مرور الأيام إلى عدة طوائف هي: الكاثوليك والنساطرة والأونيوريون والبروتستانت والتوماويون.

لقد بلغ عدد الكاثوليك (اللاتين) عدة ملايين وأسسوا مئات الكنائس والأديرة والكليات والمدارس والمستشفيات، وأنشأوا عدداً وافراً من الأبرشيات، بدعم وتمويل من باباوات روما… أما النساطرة فهم طائفة قليلة العدد، لا يتجاوز عدد أفرادها العشرة آلاف نسمة، يدير شؤونهم ويرعاهم مطران معين من جانب بطريركهم المقيم في العراق.

أما البروتستانت فحين أعلنت الحكومة الهولندية تأسيس (الشركة الهندية الهولندية) سنة 1602 وتغلغلت في الهند حتى تغلبت على البرتغاليين وأجلتهم عنها ثم لحقت بهم (الشركة الإنكليزية التجارية) نشطت كل من الشركتين بدورها في ترويج المذهب البروتستانتي بين السريان، واستمالت عدداً لايستهان به منهم، وقد بلغ عددهم اليوم نحو ستين ألف نسمة.

أما السريان التوماويون، فهم أتباع وأشياع المسمى (أثناسيوس توما) الذي انشق عن الطائفة السريانية الأرثوذكسية الأم، وقد اقتصر نشاط المنشقين فيما بعد على تنصير البوذيين، ويبلغ عددهم اليوم نحو مئتي ألف نسمة، ويرأسهم مطران وأربعة أساقفة، أما عقيدتهم فهي غالباً سريانية أرثوذكسية، ولهم عشرات الكنائس والمدارس الابتدائية والثانوية، وعدة كليات جامعية ومؤسسات تبشيرية.

وضع الطائفة السريانية في الوقت الحاضر

تعرضت الطائفة السريانية الأرثوذكسية في الهند منذ عام 1914 إلى بعض الانقسام في صفوفها، حيث انقسمت قسمين: قسم تابع للبطريركية الأنطاكية في دمشق، وقسم مستقل بأموره الكنسية، وغايته الحصول على نوع من الاستقلال الداخلي تحت سلطة الكرسي الأنطاكي، وقد أضعف هذا الأمر الكنيسة السريانية الهندية مادياً ومعنوياًً. بل أفقدها عدداً من أبنائها الذين لجؤوا إلى الطوائف المسيحية الغربية، ما دعا البطريرك الياس الثالث لزيارة الهند عام 1931 لتوطيد السلام في الكنيسة،
لكنه توفي هناك قبل أن ينجز مهمته.
ولما خلفه البطريرك أفرام الأول برصوم، استدعى إليه عام 1934 رئيس القسم المستقل، وفاوضه في أمر السلام، غير أنهما لم يصلا إلى حل. ولما نصب إغناطيوس يعقوب الثالث بطريركاً عام 1957 سافر إلى الهند عام 1964 لإحلال السلام بين الفريقين، وحل في مدينة (كوطيم) مركز الجثقلة (المطرانية) السريانية وقام برسامة الجاثليق (أوجين) ووضع حداً للخلاف الناشب في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الهندية، ووحد الفريقين تحت رئاسة الكرسي الأنطاكي في دمشق، ووضع وهو هناك حجر الأساس لعدد من الكنائس والمدارس والكليات والجامعات والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الخيرية.
لكن الخلاف بين الفريقين عاد فتجدد مرة ثانية عام 1971 حيث انشق الجاثليق (كبير المطارنة) متى الأول الذي خلف الجاثليق (أوجين) بعد وفاته وتمرد، تفاقم الأمر أكثر عندما أعلن العصيان على البطريرك إغناطيوس يعقوب الثالث فحرمه المجمع السرياني الأرثوذكسي العام فنشبت الدعاوى في المحاكم الهندية على مستوى ولاية (كيرالا) أولاً، ثم على مستوى العاصمة (نيودلهي) وظلت هذه الدعاوى قائمة حتى عام 1995، حين أصدرت محكمة نيودلهي حكماً بأنه (على كل عضو من أعضاء الكنيسة السريانية في (مالانكارا) التي هي جزء لا يتجزأ من كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية الجامعة أن يقبل قداسة البطريرك على أنه رئيسه الروحي، وتقتصر سلطة البطريرك على الشؤون الروحية ولا يمتلك سلطة دنيوية أي مادية »على الكنيسة« في مالانكارا.

وعلى أثر ذلك أصدر قداسة البطريرك ,, زكا الأول عيواص ,,الذي اعتلى السدة البطريركية عام 1980 منشوراً بطريركياً دعا فيه الفريقين في مالانكار إلى التفاهم والتصالح والوئام ليكونا يدا واحدة .

بقي أن نقول إن عدد أفراد الطائفة السريانية الأرثوذكسية في الـهند، يبلغ مليونين، ويقيم معظمهم في ولاية كيرالا. ويدير شؤونـهم ويرعاهم جاثليق وما يقارب ثلاثون مطراناً ولـها ألف كنيسة، وأكثر من ألف كاهن وسبعة عشر ديراً وخمسة مستشفيات ومئات المدارس الإبتدائية والثانوية الخاصة، وثماني كليات جامعية تزود طلابـها بشهادة الليسانس في العلوم أو الآداب أو الهندسة، وكلية لاهوتية واحدة.
ويتمتع السريان في الهند بالحرية الكاملة في إقامة شعائرهم الدينية وصلواتـهم، ويتصفون بالإيمان والورع والتقوى، ويمارسون طقوسهم وأصوامهم، ويصغون إلى التراتيل الدينية بكل خشوع واحتشام إذا أنشدت باللغة السريانية، وإذا أنشدت بـ الملبالم,, لغتهم الأصلية، اشتركوا فيها جميعاً. أما اللغة السريانية فيدرسها طلاب المعاهد الدينية فقط، وبعض الناس يتقنونها,, ويتولى العديد من السريان مناصب رفيعة في طول الهند وعرضها، ولهم وزيران على الأقل في كل وزارة وبعض السفراء…

About عضيد جواد الخميسي

كاتب عراقي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.