يا موطناً

يا موطناً قد ذبتُ فيه غراما

أُهدي إليكَ تحيّةً وسلاما

لولاكَ لم أكُ في الوجود ولم أشِمْ

بَلَجَ الصباحِ وأسمعِ الأنغاما

أفديكَ من وطنٍ نشأتُ بأرضهِ

ومرحتُ فيه يافعاً وغلاما

ما كنتَ إلا روضةً مطلولةً

تحوي الورودَ وتفتق الأكماما

غازلتُ منها في الغُدوّ بنفسَجاً

وشممتُ منها في الأصيل خُزامى

وسعدتُ ألعب فوق أرضكَ ناشئاً

وشقيتُ شيخاً لا يطيق قياما

لكَ قد غضبتُ وفي رضاكَ حلمتُ أنْ

تنتابَني نُوَبُ الزمانِ جِساما

وسمعتُ من ناسٍ شريرٍ طبعُهمْ

كَلِماً على نفسي وقعنَ سهاما

لي فيكَ يا وطني الذي قد ملّني

حبٌّ يُواري في الرماد ضِراما

أمّا المنى فقد انتهتْ ومضاتُها

إلا بصيصاً لا يُزيل ظلاما

من ثَقّفتْه الحادثاتُ مُلمّةً

يلقى الخطوبَ بصدره بسّاما

كبر الأُلى من طيب أعراقٍ لهم

كانوا إذا لؤم السفيهُ كراما

بالذلّ لا أرضى وإنْ سلمتْ بهِ

روحي وأرضى بالحِمام زُؤاما

حَيِّ الذين إذا الهوانُ أصابهم

تَخِذوا الإباءَ من الهوان عِصاما

يا حاملَ الصمصامِ لا يحمي بهِ

حقّاً، لماذا تحمل الصمصاما؟

ما في المساواة التي نشدو بها

أن الوهاد تُطاول الآكاما

يا قومَنا لا نفعَ في أحلامكمْ

فخُذوا الحقائقَ وانبذوا الأحلاما

أخشى عليكم في الحياة تدهوراً

فيه الرؤوسُ تُقبِّل الأقداما

جهل الذين على قديمٍ عَوّلوا

إنّ الزمانَ يُغيّر الأحكاما

وأشدُّ خلقِ الله جهلاً أمّةٌ

نقضتْ فظنّتْ نقضَها إبراما

إني لأربأ أنْ أكونَ مِجنّةً

في الحادثات ولا أكون حساما

ولقد يريد الظالمون لنفسهمْ

بالظلم من شرٍّ يلمّ سلاما

وتشذّ آراءٌ، فكم من مجرمٍ

ما أن يرى إجرامَه إجراما

ولقد يُغالي المرءُ في آرائهِ

حتى يُثيرَ عداوةً وخصاما

ولربما أطرى أفاعيلاً لهُ

كانت إذا استقرأتَها آثاما

لا يستطيع بناءَ مجدٍ صادقٍ

من لا يكون لكاذبٍ هدّاما

هل يخرق العاداتِ في ما جاءَهُ

إلا جريءٌ لا يخاف ملاما ؟

أ إذا نجحتَ حمدتَ نفسَكَ مُطرِياً

وإذا فشلتَ تُعاتب الأياما ؟

إن الحياةَ وغىً وقد ينبو بها

سيفُ الشجاعِ ولا يكون كَهاما

ولربَّ حربٍ تختفي أبطالُها

تحت الستارِ ولا تُثير قَتاما

ذُمَّ التعصّبَ في الجدال فإنّهُ

سَقمٌ يجرّ وراءه أسقاما

ما أنتَ إلا ذرّةٌ منسيّةٌ

في بقعةٍ من عالمٍ يترامى

كَوْنٌ تُحرّكه نواميسٌ لهُ

كانت له منذ القديمِ لِزاما

تشكو به الأيّامُ مثلكَ أسرَها

فمن السخافة لومُكَ الأياما

فيه الشموسُ كثيرةٌ، فمن الذي

في البدء أَضرمَ نارَها إضراما؟

من يحسبِ الأوهامَ منه حقائقاً

يجدِ الحقائقَ كلَّها أوهاما

أو كان من داءٍ به يصدى فقد

يَرِدُ الخِضمَّ ولا يبلّ أُواما

لا يُنكر الحقَّ المبين سوى امرئٍ

يَعمى، وشرٌّ منه من يتعامى

ولقد يكون الفوزُ حِلفاً للأُلى

غمدوا السيوفَ وجَرّدوا الأقلاما

كم ريشةٍ في كفّ أروعَ بَدّدتْ

جيشاً تَدجّجَ بالحديد لُهاما

ظنَّ ابنُ آوى أنه أَسَدُ الشَّرى

حتى إذا لقي الهِزبرَ تحامى

لا تسخرنَّ فلابنِ آوى عذرُهُ

أن لا يكونَ القَسْوَرَ الضرغاما

ولقد جعلتُ ليَ الطبيعةَ قدوةً

وتَخِذتُ منها في الحياة إماما

ما أن أرومَ وإنْ زجتْني رغبةٌ

ما ليس يمكن أن يكونَ مراما

السيلُ إمّا عبّ مندفعاً فلا

يدع الوهادَ ويغمر الآكاما

ولقد أقول الشعرَ منفعلاً بهِ

ولقد أُنبّه بالقريض نياما

بسمتْ بناتُ الشعرِ حين شببنَ لي

ففطمتُهنَّ فما أردنَ فِطاما

أسفي على الأدب الذي يبغونَ أَنْ

يكسوه من عصرٍ خلا أهداما

أخذتْ تُنغّص راحتي ضوضاؤهم

من غير أن يلقى الجدالُ نظاما

فوددتُ لو أن الذين تجادلوا

جعلوا الوفاقَ على الصواب ختاما

أنا لا أحبّ سوى مكانٍ هادئٍ

أمّا الزحامُ فلا أريد زِحاما

‎جميل صدقي الزهاوي (مفكر حر)؟‎

About جميل صدقي الزهاوي

جميل صدقي الزهاوي : شاعر وفيلسوف عراقي كردي الأصل، وقد عرف بالزهاوي .منسوبا إلى بلدة زهاو ولد جميل الزهاوي في بغداد عام 1863م، وعين مدرسا في مدرسة السليمانية ببغداد عام 1885م، وهو شاب ثم عين عضوا في مجلس المعارف عام 1887م، ثم مديرا لمطبعة الولاية ومحررا لجريدة الزوراء عام 1890م، وبعدها عين عضوا في محكمة استئناف بغداد عام 1892م، وسافر إلى إستانبول عام 1896م، فأعجب برجالها ومفكريها، عين أستاذا للفلسفة الإسلامية في دار الفنون بإستانبول ثم عاد لبغداد، وعين أستاذا في مدرسة الحقوق، وعند تأسيس الحكومة العراقية عين عضوا في مجلس الأعيان. توفي الزهاوي عام 1936م.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.