زيارة إلى قسم البوليس

Bassam Yousef

في مدرسة اللغة السويدية كان علينا أن ندرس مقرراً خاصا عن المجتمع السويدي، نتعرف فيه بشكل أولي على عادات وقوانين واهم المظاهر الاجتماعية في المجتمع السويدي.
ضمن برنامج هذا المقرر كان هناك يوما مخصصا للتعرف الى البوليس وعمله والقوانين التي تنظم علاقته بالآخرين، وكان الجزء العملي من هذا اليوم يتطلب زيارة مقر البوليس واللقاء مع عناصر من البوليس.
رافقنا الى قسم البوليس مدرسا المادة، وهما موظف وموظفة في دائرة الهجرة، وفي مقر البوليس استقبلنا شخص بلباسه الرسمي، أدخلنا إلى قاعة محاضرات وبدأ يشرح لنا نظام عملهم، والتقنيات والأدوات التي يستعملونها، وكيفية التقدم ببلاغ ..الخ.
بعد ذلك توجهنا للتعرف الى اقسام مركز البوليس، وفي المكان المخصص لتوقيف الأشخاص المرتكبين لفعل غير قانوني، لفت انتباهي أن هناك غرفتان فقط للتوقيف، بأبواب عادية وضمن غرف الموظفين، ولم يكن مفاجئا لي أن أرى الغرفتين خاليتين من أي موقوف، وكان واضحا أنهما لم تستعملان منذ زمن طويل، فالسرير موضوع جانبا وكأنه لم يستعمل، والفراش الذي يوضع على السرير لايزال بغلافه البلاستيكي الشفاف.
وقفنا في الممر ووقف رجل البوليس في مدخل الغرفة وبدأ يشرح لنا عن غرفة التوقيف وشروط التوقيف وحقوق الموقوف … فطلبت منه أن أرى الغرفة من الداخل فوافق لكنه كان مستغربا وكأنه يريد أن يقول لي: ماذا تريد أن ترى في غرفة فارغة؟!.
كانت الغرفة واسعة، ضحك الشرطي وهو يراني أقيس أبعادها بخطواتي، كان طولها يقارب ال4 أمتار ونصف، وعرضها ثلاثة أمتار ونصف، فيها نافذتان واسعتان بدون قضبان حديدية وفيها صندوقان للإضاءة السقفية بلمبات نيون طويلة، القسم الداخلي يحتوي على تواليت ومغسلة أما الخارجي فيحتوي على سرير وطاولة وكرسي .
عندما انهيت تفحص الغرفة اتكأت بظهري على جدارها .. ورحت أستعيد كيف عشنا في سجون ” النظام السوري”.
عندما سألت الشرطي عن العدد الأقصى الذي يمكن أن يتم توقيفه داخل هذه الغرفة استغرب سؤالي وظن للوهلة الأولى أن لغتي السويدية السيئة هي السبب فأعدت السؤال مرة أخرى … فقال : بالطبع شخص واحد، انظر هناك سرير واحد فقط.
قلت له: هل ستصدقني إن قلت لك أنني سجنت عدة أشهر في غرفة تقارب مساحتها مساحة هذه الغرفة، لكننا كنا 47 شخصاً؟؟.
ضحك قائلا: بالتأكيد لن أصدقك، لأن هذا مستحيل!.
عندما أكدت لهم ذلك ورحت احاول بالسويدية والانكليزية وبالاشارات توضيح كيف كنا ننام وكيف كنا نأكل وننظم دور الدخول الى التواليت، حدثتهم عن القمل والجرب وتعفن الجروح التي كان التعذيب الشديد قد تسبب بها في أجساد الموقوفين، صعقوا…صمت الجميع بينما راحت المدرّسة التي ترافقنا تمسح دموعها.
يومها استنكرت احدى السوريات اللاجئات “المتجانسات” حديثي … نخزها تجانسها فقالت متذمرة :
لماذا تشوه صورة سوريا عند الأجانب ..؟.
قلت لها : “سوريتك ” المشوهة لن أحزن إن تغطت بكل القذارات.. أما سوريا الحقيقية فلن يشوهها أحد.
سوريا الحقيقية التي لن تعرفيها أبداً… لا أنت ولا رئيسك المسخ.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.