ملكة أسمها نجوى.. قصة: نبيل عودة

قدمت سيدة محترمة تدعى نجوى شكوى للمحكمة ضد السيد منذر لأنه ضايقها، لاحقها بفظاظة امام الناس محاولا ان يخفض المبلغ الذي تطلبه لقاء المساج العلاجي في معهدها، ولم يتردد ان يكشف امام الناس ان هدفه ان ينال وطره منها، عندما فشلت محاولاته في الوصول الى اتفاق حول الثمن الذي تصر عليه نجوى، وصفها امام الناس بأنها مجرد خنزيرة بلا شرف.
في الدعوى المقدمة للمحكمة لم تسجل السيدة المحترمة نجوى ان السيد منذر لاحقها جنسيا، وأسمعها أمام الناس كلمات غزل مباشرة وفاحشة، الأمر الذي يعتبر مضايقة جنسية يعاقب القانون مرتكبيها بشدة.
السيدة المحترمة نجوى اكتفت في شكواها للمحكمة بأن تقول ان السيد منذر قال عنها خنزيرة أمام عشرات الأشخاص في الشارع، وأكثر من مرة، وكلما عبرت في الشارع يشير اليها ويصفها بالخنزيرة .. وهذا استعمال واضح للسان السيء وهو أمر يعاقب القانون مرتكبيه .. وأضافت السيدة نجوى ان هذا التصرف بوصفها بالخنزيرة امام أبناء بلدها وزبائنها في معهد التدليك .. الحق بها أضرارا شخصية ومعنوية واجتماعية ومادية، وعليه طلبت من المحكمة ان تجرم السيد منذر باستعمال اللسان السيء ضدها، والزامه بدفع تعويض كبير لها، حتى لا يكرر استعمال هذه الألفاظ النابية والمهينة بحقها وحق غيرها أمام الناس، خاصة في أيامنا، وأسم الخنزير صار رديفا لمرض الأنفلونزا الخطير، الذي يقود الى الموت، وأصبحت هذه الصفة علامة سوء ووصمة عار تلاحقها وتخرب علاقاتها مع الناس وتبعد عنها الكثير من الزبائن ؟.
شرحت السيدة المحترمة نجوى للمحكمة كيف بدأت منذ اطلق عليها السيد منذر هذا اللقب المهين، تستعمل سيارات الأجرة للتنقل، خجلا من الظهور في الشارع والتعرض لنظرات وضحكات الناس الذين سمعوا منذر وهو يشبهها بالخنزيرة .. وان التعويض المالي ضروري لسد نفقات مصاريفها الزائدة أيضا مثل مصروف استعمال سيارات الأجرة وغير ذلك من انخفاض عدد زبائنها في معهد التدليك لأن الزبائن باتوا يجفلون من عدوى انفلونزا الخنازير، بعد تشهير منذر الفظيع بها بوصفها بالخنزيرة. وان الأمر يجعلها تشعر كلما نظر اليها أحدهم بأنه يتخيلها خنزيرة .. لذا على المحكمة ان تعاقب منذر وتلزمه بتعويضها ..
استمر التداول في المحكمة نصف سنة، كما هي العادة في ايامنا. وعبثا حاول السيد منذر ان يشرح لسعادة القاضي ان الموضوع الأساسي مع السيدة المحترمة نجوى، كان خلافا ماليا، اذ عرض عليها معاشرته، أو تدليكه حسب التعابير المحترمة، ولكنه من فئة اجتماعية متوسطة الحال .. ولا يستطيع ان يدفع مثل أصحاب الأموال .. ورفضت عرضه المعتدل وأصرت على تسعيرتها دون اعتبار لحالته المادية، حتى اضطر من غضبه ان يفلت كلمة غير لائقة، وهو يعتقد انه أخطأ بتسرعه، ويعتذر ومستعد ان يدفع المبلغ الذي تطلبه السيدة نجوى المحترمة مقابل خدماتها العلاجية، ولن يماحكها مستقبلا حول الثمن، بل سيدفع بطيبة خاطر المبلغ الذي تطلبه مقابل التدليك .. ويمدحها امام الجميع انها مدلكة ممتازة وينصح كل الرجال بزيارتها والاستفادة من خدماتها المتقدمة جدا .. ومهما حدث لن يصفها مرة أخرى بالخنزيرة، بل بملكة المجتمع بلا منازع وأنها من أكثر النساء جمالا واناقة وقربا للقلب، ويرجو الصفح من السيدة المحترمة نجوى وانهاء الدعوى .. وسيكون من زبائنها بدون نقاش على الثمن.
القاضي لم يقبل شهادة السيد منذر واعتبرها بعيدة عن مضمون الشكوى وحكم بتغريمه بمبلغ كبير جدا بسبب استعماله اللسان السيء بوصف السيدة المحترمة نجوى بالخنزيرة في مكان عام، وانه هو نفسه بات يمتنع عن تلقي خدمات التدليك في عيادة السيدة نجوى بسبب التشهير البشع للسيد منذر. وما نتج عن تشهيره بالسيدة نجوى من اضرار كبيرة وفقدان لنسبة هامة من دخلها.
منذر حسب مبلغ الغرامة برأسه وقال لنفسه انه يكفي لقضاء عشر ليال كاملة مع السيدة المحترمة نجوى .. وليس مجرد ساعة من العلاج بالتدليك …
عندما انتهى القاضي من قراءة قرار حكمه، سأله السيد منذر:
– سيدي القاضي، هل يعني قرار الحكم أني ممنوع الآن من وصف السيدة المحترمة نجوى بالخنزيرة؟
– أجل ممنوع منعا باتا.
– وهل يعني هذا انه ممنوع ان اسمي الخنزيرة بالسيدة المحترمة نجوى؟
– لا علاقة لذلك بالحكم، مسموح ان تسمي الخنزيرة بالسيدة المحترمة نجوى او ما شئت من أسماء. هذا الأمر لا أرى فيه جريمة، لأن الخنزيرة لن تعترض ولن تهان أن تسمى بسيدة محترمة وباسم نسائي .. حتى لو كان نجوى.
– اذن سعادة القاضي، حتى لا أتورط مرة أخرى، بإمكاني ان أستبدل مناداة الخنزيرة باسمها وان اناديها باسم السيدة المحترمة نجوى؟
– صحيح .. صحيح …
وهنا التفت السيد منذر الى السيدة نجوى وقال:
– نهارك سعيد ايتها السيدة المحترمة نجوى.

nabiloudeh@gmail.com

About نبيل عودة

نبذة عن سيرة الكاتب نبيل عودة نبيل عودة - ولدت في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947. درست سنتين هندسة ميكانيكيات ، ثم انتقلت لدرسة الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو . أكتب وأنشر القصص منذ عام1962. عانيت من حرماني من الحصول على عمل وظيفي في التعليم مثلا، في فترة سيطرة الحكم العسكري الاسرائيلي على المجتمع العربي في اسرائيل. اضطررت للعمل في مهنة الحدادة ( الصناعات المعدنية الثقيلة) 35 سنة ، منها 30 سنة كمدير عمل ومديرا للإنتاج...وواصلت الكتابة الأدبية والفكرية، ثم النقد الأدبي والمقالة السياسية. تركت عملي اثر إصابة عمل مطلع العام 2000 ..حيث عملت نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الاهالي "مع الشاعر، المفكر والاعلامي البارز سالم جبران (من شعراء المقاومة). وكانت تجربة صحفية مثيرة وثرية بكل المقاييس ، بالنسبة لي كانت جامعتي الاعلامية الهامة التي اثرتني فكريا وثقافيا واعلاميا واثرت لغتي الصحفية وقدراتي التعبيرية واللغوية . شاركت سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين اول 2010 استلمت رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية، أحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست". منشوراتي : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية) كتاب الكتروني في الانترنت ومئات كثيرة من الأعمال القصصية والمقالات والنقد التي لم تجمع بكتب بعد ، لأسباب تتعلق اساسا بغياب دار للنشر، تأخذ على عاتقها الطباعة والتوزيع.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.