الثورة لم تبدأ بعد

ما ان انتهى زمن الاحتلال و بعد خروج اخر الجنود الأوربيين من بلادنا ، حتى جاء زمن التزاحم السياسي لالتقاط اللحظة المفصلية بالسطو على السلطة..
تراكمت المشاريع السياسية امام البرلمانات العربية لإفراز سلطة جديدة تحكم البلاد و العباد بعد سنوات طويلة من تسلط المندوب السامي الأوربي على مفاصل القرار في عواصمنا..
مشاريع يسارية و يمينية ، و اخرى على يمين اليمين ، و رابعة على يسار اليسار ، إسلامية ، علمانية ، و غيرها من مشاريع لم يكن يوماً مجتمعنا جاهز على تبنّي احدها على الأقل ، و لم يكن مسيسّاً بما يلزم و بشكل كافي لإشراكها جميعاً تحت قبّة برلماناتنا..
فخرجت و نتيجة لذلك و من بين كل ركام الفوضى الاجتماعية الغوغائية ، و السياسية الاقصائية طبقة جديدة بلباس موّحدة و برتب عسكرية على أكتافها للسطو على مقاليد الحكم في بلادنا و بدعم من خرج عسكرياً منها و من بقي بأدواته الهجينة للسيطرة على مستقبل البلاد..

خرج الغربان من أعشاشهم و فرضوا سواد ريشهم على سماءنا ، ملتحفين بغطاء العلمانية الغربية و الشيوعية الشرقية لتذويب الطابع المجتمعي السائد في بوتقة اوهام القومية ، و تحت شعارات و أهداف ذات اسقف عالية لا يمكن تحقيقها بغية إلهاء هذه المجتمعات و بشكل دائم في معركة السعي العسير الى تحقيقها..

ضابط هنا و اخر هناك ، ممن يعادون كل من هو مختلف عن برنامجهم المخطوط في دوائر صناعة القرار و المصير الدولية ..

بالسوط اسكتوا الشعوب ، و بالبسطار العسكري أهانوهم، و بالشعارات الزائفة خوّنوهم ، و باشراك معدومي الضمائر أوهموهم بالمشاركة بالسلطة..
كل هذا و مازال هناك من يدعو الى تبنّي هذا الفكر المتخشّب و الذي أودى بمجتمعاتنا الى تفجير ازهار ربيعهم، لينقلبوا على كل ما تم اعداده لإخضاع الشعوب و إذلالها ، و لإكمال مشروعهم اللا متناهي التخريب و التشويه و التمييع لمجتمع اعتاد على الزهو بتاريخه ، و التباهي بماضيه و حضارته..

فحوّلوا الربيع الى خريف ، و الأمل الى ألم ، و الحلم الى كابوس ، مستخدمين بإحراق هذه الثورة كل ما تعلّموه من اسيادهم و تحت نظر و سمع اسيادهم ، شادّين ظهورهم بقناعة راسخة بحقيقة اننا مجتمعات مكتوب عليها المراوحة في المكان و بخطوات قوية تخلق حفراً تحت تلك الأقدام الى ان يأتي وقت الوقوع فيها..

لنعترف بأن شعوبنا لم تكن تحمل مشروعاً سياسياً حين اصطفت لمواجهة تلك الآلة المنظمة و الموجهة ، و لكن كانت تحمل مشروعاً ارتدادياً غاضباً حاقداً على هذا التخريب الممنهج..
فمن يعتقد بأن الثورة انتهت ، فأنا أقول له : اعذرني على تخييب ظنونك ، فالثورة لم تبدأ بعد ، و كل ما حصل في الموجة الاولى ليس الا تحضيراً لما هو قادم بعد ان تعرّت كل مشاريعكم ، و اصبحتم عراة في المحافل المجتمعية في بلادكم..

About زياد الصوفي

كاتب سوري من اللاذقية يحكي قصص المآسي التي جرت في عهد عائلة الأسد باللاذقية وفضائحهم
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.