استقلال كوردستان و الحراك الفوضوي..!!!..

ليس هناك مجنون يعتقد ان العراق كان مستقلا يوما بعد الاحتلال الامريكي… و لا قبله … و لا يمكن له و لغيره من الدول و الكيانات ان يكون … لا اتحدث هنا بالضرورة عن نظرية التبعية المتبادلة
Interdependency
التي طالما انتقدناها مع نمو و تطور اليساري و العالم-ثالثي و صراع الشمال و الجنوب … الخ …لكن ربما أشير الى فكر واقعي يستند الى نظرة سوسيوانثروپولوجبة في التطور الاجتماعي و السياسي في العلاقات حيث ان الانسان الفرد انتقل من مرحلة الوحدانية الى الثنائية (التزاوج) و من ثم العائلة و التي اصبحت نواة لتأسيس مجتمع صغير تمدد شيئا فشيئا الى مجتمعات اكبر و أكبر … عشيرة .. قبيلة… شعب.. أمة … و مع هذا التمدد الاثنوغرافي فان البعد الجغرافي كان ايضا يتغير ايضا و معه فكرة الموطن و الوطن و الإقليم و العالم و…. العولمة..

بشكل ما فالعالم يتوحد بفعل غزو الانسان لمحيطه بحثا عن شيء مفقود في ذاكرته… و الانقسام الذاتي او بين الوحدات و السياسية … كان و مازال جزء مهما من عملية اعادة بلورة العالم و توحيده بأنماط مختلفة … احيانا بشكل قاسي و دموي مدمر …و احيانا بشكل اكثر سلاسة رغم الام الفراق… لكن الثابت في كل تلك التغيرات ان الانسان مازال يعاني رعب السؤال الوجودي و مازال يعيش في مخيلته تجربة رجل الكهف… تلك التجربة التي تطورت الى فكرة الجيتوهات و من ثم الدولة (القومية) الوطنية …

و بين هذا و ذاك يتفاقم التناقض الداخلي في العلاقة بين انانية الذات و الحاجة الى الاخر … حيث تدخل فكرة الاستقلال التي تمثل اشكالية لم يجد الانسان لها حدود واضحة … و هذا ربما يشكل احد المرتكزات السياسية في نظرية التبعية المتبادلة….

لا ادري باي شيء محدد كان المصريين يفكرون عندما صدحت حناجرهم في ثورة 1919 بشعار “الاستقلال التام او الموت الزؤام”… لان الحقائق على الارض لم تتغير كثيرا و مازال “موسم الهجرة الى الشمال… الطيب صالح ” قائما على أشده … و لعل التناقض بين فكرة الاستقلال و واقع الترابط مع الاخر ليست ظاهرة محددة بطبيعة مجتمع ما… و الكورد ليسوا استثناءا في الرؤية الفوضوية حول مفهوم الاستقلال و ادراك الظاهرة الاختزالية في مفهوم الدولة حيث يسعد الكثير من السياسيين بمقعد في الامم المتحدة و علم ذو ألوان زاهية تتناقض بشكل او اخر مع حجم معاناة الناس (المواطنين ) في اطار سيادة الدولة المحددة على الورق و المنتهكة حدودها الاقتصادية و القيمية و السياسية …

لكن ماذا على الكورد ان يفعلوا بعد ان تفاعلوا عبر عقود طويلة مع اغلب المشاريع الاممية و الوطنية بل و حتى تلك القائمة على مرتكزات قومية لأهل السلطة … ؟؟؟ للأسف كل المشاريع العابرة للاثنية و القبلية سقطت و لم يستطع احد ان يقدم مشروعا يجد الجميع فيه ركنا للعيش بسلام …. و في النهاية كان الجميع يفتخرون بدولهم و سلطانهم … بينما على الكورد … هكذا يطلب الجميع… انتظار معجزة لا تحصل في تغيير البنى الفكرية و السلوكيات السياسية…

الان… ليس هناك من يستطيع ان يعرف كيف ستتطور الأمور بعد الاستفتاء و حين اعلان كوردستان .. لكن هناك مجموعة مؤشرات لا توحي تقاطعاتها بمنظور سلمي رغم تاكيد الرئيس برزاني على مفهوم “الصداقة” في العلاقة المستقبلية … و هذا المفهوم يقترب سياسيا من مصطلح التبعية التبادلية اقتصاديا و سياسيا… لكن التفاعل الداخلي (الكوردي و العراقي ) و العربي و الإقليمي يعيد صورة النظرة التقليدية للكورد منذ نشوء الدولة الوطنية في الشرق الأوسط … على الاقل في اذهان القوى الامبراطورية … الإقليمية منها و الدولية… فالكوردي ما يزال طفلا غير بالغ للزواج و غير مهيأ الاستقلال …!!!..

في حين ان مشاريع الهيمنة الكبرى تعيد تبلورها بعد دخول قوى عربية مهمشة في العقود الثلاثة الاخيرة في حلبة الصراع و التجاذبات و بناء التحالفات … و القوى العراقية الداخلية ليست بعيدة… بل بدأت تبدي تفاعلا قد يطيح بالكثير من الأساطير السياسية التي عملت على ترسيخها قوى إقليمية كبرى …

بكلام اخر… بينما تتسارع القوى التقليدية لإعادة بناء هيكليات هيمنة متجددة … بعضها على اسس هشة و غير واقعية… فان القوى الصغرى ليست بعيدة… فالدولة اصبحت هدف الجميع و ان تم تقديم طروحات و شعارات بديلة مثل الفدرالية الموسعة او كونفدرالية او محميات سياسية او اقتصادية على غرار مونت كارلو او اي شكل اخر يوفر فسحة لل “استقلال”… والكورد ليسوا استثناء كما ذكرنا آنفا …

احدى اهم الإشكاليات بالنسبة للكورد تتمحور حول التجربة الحديثة بعد انسحاب العراقية العسكرية و المدنية من محافظات الشمال … كما كانت و ما زلت تسمى في الخطاب السياسي العربي… سنة 1991 … حينها لم ينجح الكورد في بناء كوردستان واحدة.. بل انقسموا الى إقليمين كوردستان الشرقية و كوردستان الغربية و الى أقصى الشمال الشرقي إمارة إسلامية صغيرة لكنها متشددة بشكل غير قابل للتصور … ربما كانت النواة الاولى لداعش… و خاض الجميع حروبا دموية رهيبة… أطلقوا عليها حرب الإخوة تهربا من المسؤلية الاخلاقية…

الان … لا ادري ان كان الكورد سيخوضون حرب تحرير ضد العرب و الفرس و الأتراك … ام ان حرب “اخوة” اخرى في الطريق..؟؟ حيث تتبلور اسس لدول كوردية في روژ آڤا ( كوردستان سوريا) و باكور (كوردستان تركيا) بالاضافة الى المنطقتين التي لديهما تجارب تاريخية في بناء دولة كوردية ( اقليم) و اعني بهما روژ هه لات ( كوردستان ايران) و باشور ( كوردستان العراق).. في حين ان “باشور” و “روژ آڤا” تغليان في صراعات داخلية و تحالفات مع الدولة (العراق و سوريا).. حيث تلعب الولايات المتحدة و روسيا لعبة القط و الفأر امام الجميع بينما يتم ترتيب مصالحهم بعيدا عن الاعين و الاعلام ..

للأسف … الكورد “اختارو” … بوعي او بغير الوعي.. “الموت الزؤام” في تسعينات القرن الماضي بينما كانت الظروف مهيئة اقليميا و دوليا لإقامة دولتهم … و السؤال ان كانوا الان سيحققون الحلم التاريخي في إقامة دولة تتمتع ب “الاستقلال” في مرحلة تاريخية شديدة التغييرات في النفوس و الاوطان..؟؟.. حبي للجميع ..

About اكرم هواس

د.اكرم هواس باحث متفرغ و كاتب من مدينة مندلي في العراق... درس هندسة المساحة و عمل في المؤسسة العامة للطرق و الجسور في بغداد...قدم الى الدنمارك نهاية سنة 1985 و هنا اتجه للدراسات السياسية التي لم يستطع دخولها في العراق لاسباب سياسية....حصل على شهادة الدكتوراه في سوسيولوجيا التنمية و العلاقات الدولية من جامعة البورغ . Aalborg University . في الدنمارك سنة 2000 و عمل فيها أستاذا ثم انتقل الى جامعة كوبنهاغن Copenhagen University و بعدها عمل باحثا في العديد من الجامعات و مراكز الدراسات و البحوث في دول مختلفة منها بعض دول الشرق الأوسط ..له مؤلفات عديدة باللغات الدنماركية و الإنكليزية و العربية ... من اهم مؤلفاته - الإسلام: نهاية الثنائيات و العودة الى الفرد المطلق', 2010 - The New Alliance: Turkey and Israel, in Uluslararasi Iliskiler Dergisi, Bind 2,Oplag 5–8, STRADIGMA Yayincilik, 2005 - Pan-Africnism and Pan-Arabism: Back to The Future?, in The making of the Africa-nation: Pan-Africanism and the African Renaissance, 2003 - The Modernization of Egypt: The Intellectuals' Role in Political Projects and Ideological Discourses, 2000 - The Kurds and the New World Order, 1993 - Grøn overlevelse?: en analyse af den anden udviklings implementerings muligheder i det eksisterende system, (et.al.), 1991
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.