حنا بطاطو وتاريخ العراق وسوريا

من المؤسف أن أغلب الباحثين التاريخيين العرب لا يهتمون بكتابة تاريخهم ولهذا أصبح القاريء العربي يتلقف أي كتاب يكتب عن تاريخه وكأنه منحة من السماء , مبهوراً بالتفاصيل والأسماء دون أن يعير إهتماماً لمصداقية ما يقرأ

حنا بطاطو مواليد القدس 1926 – توفي عام 2000 في الولايات المتحده الأمريكيه وهو مؤرخ فلسطيني يبحث في تاريخ المشرق العربي الحديث . يستشهد الكثير من العراقيين بكتاباته عن العراق وكأنها قرآن منزل , في الوقت الذي لا يجوز لك أن تقرأ كتاباً دون العوده الى المرحله التاريخيه التي تم تأليفه فيها , ومن هو الكاتب أو المؤلف , وما هي عينة البحث التي إعتمدها لتأليف كتابه

هاجر بطاطو إلى الولايات المتحدة عام 1948 . من عام 1951 إلى 1953 درس حنا

في مدرسة إدموند ويلش الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون

نال دكتوراه العلوم من جامعة هارفرد في العلوم السياسيه عام 1960 بأطروحة عنوانها : الشيخ والفلاح في العراق 1917 _1958

ثم من عام 1962 إلى عام 1982 اشتغل بالتدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت ثم من 1982 حتى تقاعده في عام 1994 في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة

حنا بطاطو حين جاء الى العراق عام 1958 لم يكن حجة في التاريخ بل هو مجرد طالب دكتوراه علوم سياسيه لم ينهِ دراسته بعد ليكتب أطروحة عن تاريخ العراق يتخرج بها , ولا شيء يضمن لك أن تلك الأطروحه قد حصلت على درجة الإمتياز مع مرتبة شرف , فقد تكون أطروحة هزيله لكنه حصل بها درجة الدكتوره بأي حال . بطبيعة الحال البحث التاريخي ليس قصة للسرد بل هو عمل جاد يعتمد على السرد والتحليل والمقارنه والإستنباط ولهذا فمن لم يتخصص بدراسة التاريخ فهو لايصلح لكتابته

يقال أنه تعرف على عبد الكريم قاسم أثناء تقريب قاسم للشيوعيين مما جعل عينة بحث بطاطو لكتابة تاريخ العراق هم الشيوعيون وسجلات الشرطه السريه في العراق في العهد الملكي , وهذه عينة قاصره وغير شامله لأن من يريد كتابة تاريخ بلد عليه أن يرجع الى أشخاص مختلفين من الطبقة المثقفة العراقيه لايقتصرون على الشيوعيين فقط , كما كان عليه البحث في أرشيف مجلس الوزراء لأنه أكثر صدقاً من سجلات الشرطه السريه التي قد تكون كتبت بحقد وغيض , وكانت معتمده على إعترافات أخذت بالقوه

من هم عينة الشيوعيين الذين إعتمد بطاطو على أقوالهم في كتابة تاريخ العراق ؟ عزيز الحاج مثلاً وهو قائد تنظيم في الحزب الشيوعي وبعد ربع قرن أو يزيد من العمل الحزبي وربع قرن آخر أو يزيد من العمل كمندوب للعراق في اليونسكو يصدر لنا بداية تسعينات القرن الماضي كتاباً هزيلاً مخجلاً عن تاريخ بغداد عنوانه : بغداد ذلك الزمان

فكيف كانت قدرة الرفاق التوثيقيه في مجال التاريخ قبل صدور كتاب عزيز الحاج بحوالي نصف قرن ؟ ليستمد بطاطو من حكاياتهم وثيقة يعنون بها تاريخ العراق

كل 50 سنه يتم الإفراج من قبل الدوائر الإستعماريه عن كثير من أسرار علاقتها بأحداث كثيرة في العالم , هذه الأسرار تسمى : مجوهرات العائله . في العام 2006 صدر كتاب ( حرب خروتشوف البارده ) تأليف الأمريكيين تيموثي نفتالي وألكسندر فورسينكو ( الكتاب غير مترجم للعربيه ) في واحد من فصول الكتاب أفرج المؤلفان عن معلومات في غاية السريه والأهميه مفادها أن الأمريكان هم من قاموا بإنقلاب تموز 1958 الدموي وتمت قيادة هذا الإنقلاب بواسطة جمال عبد الناصر وكميل شمعون ورشيد كرامي و 10 آلاف مارينز أمريكي وصلوا الى بيروت في عملية الوطواط الأزرق لحماية الإنقلاب , والسفاره المصريه في بغداد , وثله من العسكر العراقيين لم يكونوا أكثر من أدوات تنفيذ

ثم يتحدث الكتاب بعد ذلك عن إنقلاب عبد الوهاب الشواف الفاشل وعلاقة خروتشوف بهذا الإنقلاب . ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن إنقلاب تموز العسكري 1958 لم يكن أكثر من عملية تبديل مستعمر بريطاني بمستعمر أمريكي , تحت مسمى ( إستقلال ) وأن رغبة الولايات المتحده وإحدى مؤسساتها البحثيه من إرسال حنا بطاطو الى العراق هو لكتابة تاريخ أمريكي للعراق لتصوير ( العهد البائد ) والوجود البريطاني في العراق على أنه خيبة ودمار مع أن دولة العراق الحديثه الحقيقيه لم تبنَ إلا بين عامي 1918 _ 1958 أما الخراب والحروب والإنقلابات والإحتلال فلم نحصل عليها إلا في عهد جمهوريتنا الأمريكيه

أصدر حنا بطاطو كتابه الثاني عن تاريخ العراق بعنوان ( الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية الحديثة في العراق ) تم نشره عام 1978

قبل عام من وفاته أصدر بطاطو دراسة مماثلة حول سوريا بعنوان : فلاحو سوريا _ سليلو الوجهاء القرويين الأقل شأنا، وسياستهم , صدر الكتاب عام 1999 لم أطلع عليه ولا أظنه يختلف عن تدوين بطاطو لتاريخ العراق , فالمواضيع تختلف لكن الأسلوب يبقى واحداً

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.