لا يوجد في القرآن ما يتهم الكتاب المقدس بالتحريف – الجزء الثالث

الجزء الثالث
نكمل في الجزء الاخير من مقالنا ما بدأناه في الجزء الاول والثاني عن عدم فهم المسلمين ما جاء من تهم التحريف التي وردت في بعض نصوص القرآن والتي تخص تحريف المعنى والتأويل، و كتابة اليهود قراطيس لمسلمي مكة والمدينة بالعربية لانهم لا يجيدون العبرية، ويبيعونها لهم ليكسبوا من وراءها ثمنا . ومؤلف القرآن يعاتب اليهود بأخفاء بعض ما كتب في التوراة او تغيير المعنى وليّ الالسن في تلاوتها وكل ذلك لا علاقة له بتحريف النصوص الاصلية للتوراة المكتوبة و المنتشرة في معابد العالم كله .
الاتهام بالكتمان او عدم العمل به
في الاية 187 من ال عمران : ” وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ”
يفسر الطبري هذه الاية عن الشعبي بقوله : { (فنبذوه وراء ظهورهم) ، انهم كانوا يقرؤونه، انما نبذوا العمل به } اي النص موجود لكن اليهود في جزيرة العرب كانوا لا يعملون به .
وهذا ايضا لا يطعن بصحة الكتاب ، وليس هناك اية تقول بتحريف النصوص يا شيوخ المسلمين ، الا تفهمون قرآنكم ام انتم تفترون ؟
الاتهام باخفاء بعض القراطيس
في الاية 91 من سورة الانعام : ” وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ” .
يفسر الطبري هذه الاية بقوله : { يعني اليهود لما يظهروا من التوراة يخفون منها كثيرا ، واخفوا من ذكر محمد (ص) وما أنزل عليه } .
الاتهام هنا باظهار بعض القراطيس واخفاء البعض الآخر حتى لا يظهرون ما مكتوب في كتابهم }
وهذا ايضا لا يطعن بتحريف نصوص الكتاب مطلقا . اظهار بعض الوريقات و اخفاء الاخرى من قبل بعض اليهود في جزيرة العرب ، لا يدل على تحريف التوراة المنتشر في ارجاء العالم .
هذا هو القرآن ، نفصّل لكم آياته ، فأين هو التحريف يا شيوخ المسلمين ؟
كل ما في الايات من اتهامات تختص ببعض يهود مكة او المدينة او القبائل اليهودية المنتشرة هناك والمعاصرين لمحمد نبي الاسلام الذين كانوا يتلاعبون بالالفاظ او المعاني او يكتبون كلاما مزيفا بالعربية بعد ترجمته من العبرية ، ليخدعوا به المسلمين الذين لا يفهمون العبرية ويبيعوهم بعض القراطيس بثمن ليكسبوا مالا من وراءه ، او يظهرون بعض ايات كتابهم ويخفون الاخرى . او يلوون السنتهم بما يتلوونه من آيات لتغيير المعاني . او يكتبون غير ما هو مكتوب في التوراة الاصلي ليخدعوا المسلمين ويخفون عن محمد بعض العقوبات مثل الرجم .
القرآن لم يستشهد بآية واحدة صريحة يذكر فيها ان التوراة تم تحريف نصوصها الاصلية .
ونتحدى المسلمين كافة ان يأتوا لنا باية واحدة تذكر صراحة بتحريف نصوص الكتاب المقدس وليس تحريف التأويل ولي الالسن اثناء الكلام وتغيير مواضعه .
في تاريخ المسيحية ظهر الكثير من الاعداء والهراطقة المنحرفين عن المسيحية الحقة ، لكن اي منهم لم يجروء على اتهام الكتاب المقدس – التوراة والانجيل -بتحريف نصوصه . ولم يفعلها القرآن ايضا .
ان توجيه الاتهام من قبل الشيوخ المسلمين بتحريف الكتاب المقدس ، هو طعن بالذات الالهية وبقدرة الله عز وجل على حفظ وحيه المكتوب . فلماذا يحفظ الله القرآن وحده و لا يقدر على حفظ التوراة والانجيل التي وصفها القرآن انها هدى ونور ؟
هل اتهم النبي محمد في احاديثه الكتاب المقدس بالتحريف ؟
– عن عبد الله عن ابن عباس قد قال : ” كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ وكتابكم الذي أنزل على رسول الله احدث تقرؤونه محضا لم يشب ، وقد حدثكم ان أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيّروه وكتبوا بايديهم الكتاب وقال هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا …الخ “. من كتاب صحيح البخاري .
التعليق : الحديث اعلاه ليس عن النبي محمد نفسه فلا يعتد به ، و هو كلام اجتهد فيه ابن عباس ليفسر( وكتبوا بايديهم الكتاب) الذي يبيعونه للمسلمين . وليس التوراة الاصلي ..
– عن جابر بن عبد الله ، ان عمر بن الخطاب اتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقراءه النبي بغضب فقال : ” امتهوكون فيها (أتشكون بالاسلام) يا أبن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية . لا تسالوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذّبوا به او بباطل فتصدقوا به . والذي نفسي بيده لو ان موسى كان حيّا ما وسعه الا ان يتبعني ” مسند احمد – الحديث الحسن .
لم يقل محمد نبي الاسلام ان الكتاب المقدس محرف ، لكنه نهاهم عن قراءة كتب اهل الكتاب حتى لا يشكّوا بالاسلام .
– حديث عن ابي هريرة قال : ” كان اهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الاسلام ” . فقال رسول الاسلام : ” لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما انزل الينا وما أنزل من قبل وان اكثركم فاسقون ” . (صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) .
كان محمد يحذر المسلمين من الاستماع الى أهل الكتاب بسبب عجز العرب معرفتهم اللغة العبرية لفهم التوراة . وقد يكون ما يسمعونه منهم غير ما هو مكتوب في كتابهم .
وهذا الكلام ايضا لا يطعن في صحة الكتاب المقدس ونصوصه .
– في حديث لابن عباس جاء في صحيح البخاري انه قال :
حدثني زياد بن ايوب عن ، عن ،عن ابن عباس انه قال :
” هم أهل الكتاب جزؤوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ” .
وهذا الحديث لا يطعن في صحة الكتاب المقدس و لايتهمه بالتحريف .
مصطلح اهل الكتاب ذكر بالقرآن 31 مرة .
ومما جاء فيه :
– (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي أحسن ). العنكبوت 46
– (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم )… المائدة 68 .
يكفي قول (اهل الكتاب) لاثبات ان هؤلاء الناس عندهم كتاب مقدس موحى به من الله ، وليس كتابا تم التلاعب به بالتحريف والا لما دعاهم الله بأهل الكتاب . وهذا اعتراف صريح بقدسية الكتاب كاملا.
تفسير الطبري : [ يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى : يا اهل الكتاب (التوراة والانجيل) لستم على شئ مما تدعون انكم عليه مما جاءكم به موسى (ص) معشر اليهود ولا مما جاءكم به عيسى معشر النصارى ، حتى تقيموا التوراة والأنجيل ، وما أنزل اليكم من ربكم ما جاءكم به محمد (ص) من الفرقان ، فتعملوا بذلك كله وتؤمنوا بما فيه من الايمان بمحمد وتصديقه .
التعليق : ان كانت التوراة والانجيل محرفة و غير صحيحة ، فكيف يطلب الله من اليهود والنصارى ان يقيموا التوراة والانجيل ؟
قال رسول الاسلام مخاطبا جماعة من اليهود: “هلموا الى التوراة فهي بيننا وبينكم” فجاءت الاية التالية : ” الم ترَ الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ” .
فكيف يحكم النبي محمد بالكتاب المقدس (التوراة) بينه وبين اهل الكتاب ان كان محرفا ؟
سورة ال عمران 113- 115
” ليسوا سواء من اهل الكتاب ، أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون ، يؤمنون بالله واليوم الآخر ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون بالخيرات ، واؤلئك من الصالحين ، وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ” .
التعليق : اهل الكتاب يتلون آيات الله بشهادة القرآن ، فهل هم يتلون آيات محرفة ؟
الخاتمة
لقد اثبتنا ان القرآن لم يتهم اهل الكتاب بتحريف نصوص اياتهم المكتوبة في التوراة والانجيل ، والنبي محمد نفسه كان يطلب التحكيم بالكتاب المقدس، فهل يحكم النبي بكتاب محرف ؟
هل تصدقون القرآن ام تكذبونه وتصدقون انفسكم ؟
متى تعقلون ايها الشيوخ و الاخوة المسلمين وتحكمون القرآن لا عقولكم ؟
ام ستبقون مصرين برمي التهم كذبا وافتراءً؟
المصدر : رشيد المغربي – برنامج سؤال جرئ

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.