المتسوّلون ومفارق الطُّرق

ما أجمل العطاء !
ما أجمل أن نُعطيَ من قلوبنا !
فالعطاء من القلب فيه لَذّة وله نكهة، ألَم تقل السّماء : ” مغبوطٌ هو العطاءٌ أكثر من الأخذ ” ؟
نعم وأكثر من نعم ، فجميل أن نُعطيَ ونقرضَ ونتحنّن ، فبمثل هذا العطاء – مهما كان صغيرًا- نجبر القلوب الكسيرة والخواطر الحزينة ، ونسدّ الرّمق ، ونكسو يتيمًا ونُطعم جائعًا كِسرة خبز ، ونلوّن حياة المساكين بلون قوس قزح ولو لفترةٍ ما.

على أنّ العطاء شيء والتسوّل الملحاح المدروس والمبرمج شيء آخَر..
فهناك من يستغلّ الضّمائر فيروح يعمل مُقاولًا في التسوّل ، فيأتي الى قرانا ومدننا بحافلة صغيرة تعجُّ بالأطفال والصّبايا ” فيبعثرهم” على الشّوارع ومفارق الطُّرقات والاشارات الضوئيّة والدّوارات تحت شمسنا الحارقة.
منذ مدّة وأنا أمرّ من المدينة الجميلة سخنين قاصدًا مكانًا آخَر ، وسخنين لمن لا يعرف تمور بالحركة والحياة والسيّارات والدّوارات والمتسوّلين والمتسوّلات.فعلى كلّ دوّار – وما أكثرها في سخنين !- هناك متسوّل هنا ومتسوّلة هناك تبعد عنه أمتارًا ، متسوّلون من اولئك التابعين للمقاولين، فيروح الواحد أو الواحدة والذي يحمل جزدانًا كما جزدان السائح المربوط على الخصر ؛ يروح يتشبث ويتعلّق بنافذة السيّارة التي تسير الهوينا ويناشدك أن تكرم عليه ، وقد يكون معك نقود وقد لا يكون ، ثمّ من تعطي ومن لا تعطي والمتسوّلون كُثُر ؟!!!. ولكن بيت القصيد هو الخوف من أن يسقط هذا الطفل الصغير المُتعلّق بالنافذة ويقع تحت عجلات السيّارة فيُورّطك بورطة ومشكلة.
حقًّا ما عُدنا نعرف المحتاج من غير المحتاج ، وما عدنا نعرف مَن نعطي ومن لا نُعطي ، والغريب في الأمر أنّك قد تعطي أحدهم بعض الشواقل فيروح يرمقك بنظرة فيها الكثير من اللوم المُبطّن وكأنّي به يقول : بَسْ..فقط..
وتساءلتُ أكثر من مرّة لا من باب البخل وانّما من باب السّلامة ومن باب الشعور مع هؤلاء الأطفال المُستَغلّين، والذين يقضون جُلّ النهار تحت الشمس الحارقة….. تساءلْتُ أين الشُّرطة منهم؟
لماذا تُعطهم الحبل على الغارب وخاصّة أن بعض المتسوّلين في عمر الزّهور أو تكون صبيّة تحمل بلفافة من قماش طفلًا لا يتعدّى عمرة عشرة أشهر .. ناهيك على أنّ بعض المتسوّلين يتمتعون بصحّة وشباب كبيرين حيث بمقدورهم ان يلتجئوا الى العمل الشّريف والربح والعيش بكرامة وبعرق الجبين..
اعرف وأعي أنّ التسوّل أضحى عند هؤلاء حِرفةً ومهنة والخمول هو هو الدافع والمُحرِّك.
هيّا ننفض عنّا غُبار الكسل ، وهيّا نُشمّر عن سواعدنا ونعمل ، وعندئذ ، صدّقوني قد نجد هذه الظاهرة تحتضر وتختفي من تلقاء نفسها او تكاد، فالتسوّل – دون وجه حقّ – هو عادة سيئة، وقد تكون إرثًا غير طيّب .. وقد تضرّ بالمحتاجين والمعوزين الحقيقيين..

About زهير دعيم

زهير دعيم زهير عزيز دعيم كاتب وشاعر ، ولد في عبلّين في 1954|224. انهى دراسته الثانويّة في المدرسة البلديّة "أ" في حيفا. يحمل اللقب الاول في التربية واللاهوت ، وحاصل على شهادة الماجستير الفخرية في الأدب العربي من الجامعة التطبيقيّة في ميونيخ الالمانيّة. عمل في سلك التدريس لأكثر من ثلاثة عقود ونصف . حاز على الجائزة الاولى للمسرحيات من المجلس الشعبيّ للآداب والفنون عن مسرحيته " الحطّاب الباسل " سنة 1987 . نشر وينشر القصص والمقالات الاجتماعية والرّوحيّة وقصص الأطفال في الكثير من الصحف المحليّة والعالمية والمواقع الالكترونية.عمل محرّرًا في الكثير من الصحف المحلّية.فازت معظم قصصه للاطفال بالمراكز الاولى في مسيرة الكتاب. صدر له : 1. نغم المحبّة – مجموعة خواطر وقصص – 1978 حيفا 2. كأس وقنديل – مجموعة قصصيّة –1989 حيفا 3. الجسر – مجموعة قصصيّة حيفا 1990 4. هدير الشلال الآتي – شعر 1992 5. الوجه الآخَر للقمر مجموعة قصصيّة 1994 6. موكب الزمن - شعر 2001 7. الحبّ أقوى – قصّة للأطفال 2002 ( مُترجمة للانجليزيّة ) 8. الحطاب الباسل- 2002 9. أمل على الطّريق -شعر الناصرة 2002 10. كيف نجا صوصو – قصة للأطفال (مُترجمة للانجليزيّة ) 11. العطاء أغبط من الأخذ –قصة للأطفال 2005 12. عيد الأمّ –للأطفال 2005 13. الخيار الأفضل – للشبيبة -2006 14. الظلم لن يدوم – للشبيبة 2006 15. الجار ولو جار – للأطفال 16. بابا نويل ومحمود الصّغير – للأطفال 2008 17. الرّاعي الصّالح –للأطفال 2008 18. يوم جديد – للأطفال 2008 19. الفستان الليلكيّ – للأطفال 2009 20. غفران وعاصي – للاطفال 2009 21. غندورة الطيّبة – للأطفال 2010
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.