نتائج الانتخابات الإيرانية ودلالاتها

في يوم الجمعة المنصرم المصادف 19 أيار عام 2017، شهدت الساحة الايرانية الانتخابات الدورية للرئاسة الإيرانية ومجالس البلديات في المدن والريف الإيراني. شارك في الانتخابات الرئاسية ما يزيد على 41 مليون ناخب إيراني من أصل ما يزيد على 56 مليون ناخب ممن يحق لهم التصويت، أي حوالي 73%. وهي نسبة عالية للمشاركين في الانتخابات مقارنة بانتخابات دول المنطقة أو حتى على النطاق العالمي. وحصل السيد حسن روحاني على 23,549,616 مليون صوت، أي بنسبة تزيد على 57% من المقترعين، وهي نسبة تتجاوز ما حصل عليه روحاني في انتخابات الرئاسة السابقة التي جرت في عام 2013، حين حصل على ما يزيد على 18 مليون صوت بنسبة قدرها 50% من أصوات المقترعين. ومن الملاحظ إن المراقبين يعدون هذه الانتخابات الأهم منذ قيام الجمهورية الاسلامية الإيرانية.

مشاركة واسعة في الانتخابات
جرت الانتخابات في أجواء من التنافس الشديد بين المرشحين القلائل للانتخابات إلى حد تبادل التهم وحتى الشتائم والإساءات، كتعبير عن عمق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها ايران وحجم الضغط الشعبي المطالب بالاصلاحات ودرجة الاختلافات بين شتى تيارات الحكم القائم نفسه، المعتدل فيه والمتشدد. علماً أن منصب رئيس الجمهورية حسب الدستور الإيراني مقنن ومقيد، والسلطة الفعلية من الناحية العملية بيد منصب المرشد الأعلى (القائد) الذي بيده المفاصل والمناصب السيادية للدولة الايرانية، ويشرف على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كالقوات المسلحة والمخابرات والقضاء والسياسة الخارجية والإعلام وغيرها بما فيها مؤسسات اقتصادية ضخمة من خلال سيطرته على الحرس الثوري الذي تحول من مجموعة من الميليشيات إلى بديل للجيش الإيراني، والذي يسيطر على غالبية المؤسسات الاقتصادية الكبرى التي أممت بعد الثورة الإيرانية دون أن يدفع أية ضريبة لخزينة الدولة، مع العلم إن المرشد، خلافاً لرئيس الجمهورية، غير منتخب من قبل الشعب بل من قبل لجنة يعين المرشد نصف أعضائها. فقد جاء في الفصل الثامن من الدستور الايراني وحسب المادة العاشرة بعد المئة ما يلي نصاً:
“وظائف القائد وصلاحياته:
1- تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2- الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.
3- إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
4- القيادة العامة للقوات المسلحة.
5- إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
6- نصب وعزل وقبول استقالة كل من:
أ- فقهاء مجلس صيانة الدستور.
ب- أعلى مسؤول في السلطة القضائية.
جـ- رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية.
د- رئيس أركان القيادة المشتركة.
هـ- القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.
و- القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.
7- حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاثة.
8- حل مشكلات النظام التى لايمكن حلها بالطرق العادية خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.
9-إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث الشروط المعينة في هذا الدستور فيهم، فيجب أن تنال قبل الانتخابات موافقة مجلس صيانة الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة القيادة.
10-عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية على أساس من المادة التاسعة والثمانين.
11- العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية. ويستطيع القائد أن يوكل شخصا آخر لأداء بعض وظائفه وصلاحياته”.
وفي الحقيقة أن هذا النص الدستوري مفصل لشخصية وحيدة كاريزماتية هي شخصية الأمام الخميني الذي بلغ مكانة الزعامة أثناء الثورة الإيرانية ولم ينافسه أي شخص، وكرس هذا المنصب له.
وبموجب الدستور، فقد جرى تشكيل هيئة تحت عنوان” مجلس صيانة الدستور” تنص في أحدى صلاحياتها على فرز وحذف أي من المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية أو لانتخابات مجلس الشورى. وعلى هذا الأساس قام هذا المجلس بالسماح لستة مرشحين فقط لخوض الانتخابات من أصل 1300 مرشحاً تقدموا بطلب خوض الانتخابات الرئاسية، وحذفت أسماء مرشحين لكونهم لا ينتمون إلى المذهب الشيعي أو من النساء المرشحات المحرومات من حق الترشيح لهذا المنصب حسب نص في الدستور الإيراني. وعلماً وأنه من الغريب إن الدستور الإيراني ينص على أن الإيرانيين سواسية أمام القانون.
وجرت الانتخابات الايرانية في ظل قانون للأحزاب يقنن حق المواطنين الإيرانيين في تأسيس أحزاب لهم. فالفصل الأول من القانون وفي المادة 45 المتعلقة بشروط أعضاء الهيئة المؤسسة وأعضاء الأحزاب يشار إلى:”الاعتقاد والالتزام العملي لأعضاء الهيئة المؤسسة وأعضاء الأحزاب بالقانون الأساسي وولاية الفقيه”. وهذا ما يعني حرمان نسبة غير قليلة من المواطنين الإيرانيين من مختلف الأديان والعقائد والأفكار والتوجهات السياسية من تشكيل الأحزاب واقتصار تشكيل الأحزاب على الأحزاب الاسلامية، وليس جميعها، الموالية لولاية الفقيه فقط.
لقد برز أمام الناخبين بعد أن انسحب اثنان من الانتخابات، أربعة مرشحين أحدهما ينتمي إلى التيار المتشدد ويمثله رجل الدين السيد إبراهيم رئيسي والآخر إلى التيار الإصلاحي ويمثله الرئيس حسن روحاني، إضافة إلى مرشحين آخرين. وبعد إجراء الجولة الأولى من الانتخابات، حُذف اسمي المرشحين الآخرين، وخاض الجولة الثانية المرشحان الأكثر حظاً في حصد الأصوات وهما السيد حسن روحاني والسيد ابراهيم رئيسي، حيث فاز في النهاية حسن روحاني. ولعبت السيرة الذاتية لهاتين الشخصيتين دوراً في خيار الناخب الإيراني. فالسيد رئيسي هو “سيد” ينحدر من سلالة النبي كما يدعي، ورجل دين معمم ويسعى إلى تقريب السلطة في إيران من سلطة الرب. وسبق

السيد حسن روحاني السيد ابرهيم رئيسي
أن تولى منصب محافظ خراسان ثم منصب “متولي” أغنى عتبة مقدسة في إيران وهي عتبة الأمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا ثامن أئمة الشيعة. وهو يسعى إلى التقرب من الشعب ويقدم لهم المعونات المالية والعينية ضمن نهجه الشعبوي ويطرح شعارات شعبوية فضفاضة ومبالغ فيها وغير قابلة للتطبيق بدعوى خدمة الشعب على غرار سلفه أحمدي نجاد. علماً أن هذه الشعارات والوعود لا تحظى بقبول واسع من قبل الناخبين الإيرانيين وخاصة جيل الشباب والنساء بسبب عدم جدواها وعدم امكانية تطبيقها من قبل الرئيس السابق أحمدي نجاد. كما أن الكثير من الناخبين تعود بهم الذاكرة إلى عضوية السيد ابراهيم رئيسي في “لجنة الأعدام” التي قامت بتصفية الآلاف من السجناء السياسيين في السجون الإيرانية دون محاكمة وخلال لحظات في حملة عرفت بتنظيف السجون في عام 1987. هذا إضافة إلى شعاراته التي تنم عن العودة إلى مسار العداء والتوتر مع الخارج وإعادة النظر بالاتفاق النووي مع الدول الست واستمرار التوتر مع الدول الغربية وما يعود ذلك بآثار اقتصادية واجتماعية سلبية على الشارع الإيراني.
أما المرشح الثاني السيد حسن روحاني الذي خبره الشارع الإيراني في الدورة السابقة. ولكنه هو أيضاً من برز من رحم هذا النظام القائم على أساس ولاية الفقيه، وقدم خدماته لهذا النظام وساهم في قراراته. فقد عمل لسنوات كسكرتير المجلس الأعلى للأمن الوطني خلال أربع سنوات، وكان على تماس دائم مع كبار العسكريين والمسؤولين الأمنيين. كما اختير عضواً في هيئة تشخيص مصلحة النظام، وانتخب عضواً في لجنة الخبراء، وأصبح بعد ذلك رئيس الفريق النووي الإيراني الذي شرع بالتفاوض مع الدول الست حول مستقبل المؤسسة النووية الإيرانية.
ولكن وعندما انتُخب روحاني لمنصب رئاسة الجمهورية في الدورة السابقة عام 2013، كانت إيران تعاني من تضخم بلغت نسبته 35%، ومن انهيار في قيمة العملة الوطنية بمقدار الثلثين. كما كان الاقتصاد يعاني من الشلل تحت وطأة العقوبات الدولية. كذلك هبطت صادرات النفط وإنتاج السيارات – وهي الصناعة التحويلية الأولى في إيران- بمقدار الثلثين، وسط مطالبات العاملين في مجال الصناعة بأجورهم المتأخرة بعد أن ضاقوا ذرعا بهذه الأوضاع. وشن روحاني آنذاك حملة ضد السياسات الشعبوية التي انتهجها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد القائمة على الدعم المالي للفئات الفقيرة، في حين أنه وعد بأن يعطي الأولوية للوظائف والإنتاج على إعادة التوزيع النقدي لمداخيل النفط، وتعهد بالسيطرة على التضخم، والتفاوض على اتفاق مع الغرب لإنهاء العقوبات، إضافة إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي. ويمكن القول بأنه قد وفّى بما وعد به: فقد هبط معدل التضخم إلى أقل من 10% للمرة الأولى خلال ثلاثة عقود، ورُفعت العقوبات بموجب الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، واستقر سعر صرف العملة الإيرانية على مدار الأعوام الأربعة الماضية، علماً أن مداخيل العائلة الإيرانية لم تتجه نحو الزيادة بسبب الإنهيار في أسعار النفط ، وبذلك لم يستطع روحاني خلق فرص عمل جديدة، ولم يتحقق معدل نمو الدخل الوطني بنسبة 7% كما كان متوقع، بل بلغ المعدل النصف تقريباً في السنة المالية 2016-2017. كما أدى التدهور في أسعار النفط إلى حدوث أزمة استثمارية بسبب انهيار قيمة الاسهم المصرفية بسبب ثقل الديون المتراكمة على البنوك جراء المشاريع الشعبويه لأحمدي نجاد. كما اتخذ روحاني في الدورة الأولى من رئاسته خطوات جادة للاستقرار الاقتصادي واعاد الاعتبار للرأسمال الصناعي الإيراني لحل بعض مشاكل التشغيل والعمالة وإعادة بنية الاقتصاد الايراني بشكل يحد من الاعتماد على واردات النفط، ولذا انتعش الرأسمال الصناعي في السنوات الأربع الماضية، وأخذ يبدي تأثيره على مجرى الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ايران.
ولكن لم يستطع روحاني تحقيق وعوده فيما يتعلق بتوفير الحريات والحد من قبضة العسف والاضطهاد والملاحقات البوليسية بسبب هيمنة التيار المتشدد على كل الأجهزة القمعية والبوليسية والأمنية في البلاد من ناحية، ومن ناحية أخرىلم يستثمر الدعم الشعبي والدعم الذي أبداه الناخب الإيراني عند انتخابه لسدة الرئاسة من أجل الحد من النزعة البوليسية والعسف السائد في الاجتماع. ولذا ركز الرئيس روحاني خلال حملته الانتخابية الأخيرة على أبراز نقاط ضعف المرشح المنافس له بشكل خاص وعلى التيار الأصولي المتشدد قائلاً:”انتم تتحدثون عن التوظيف، هل تقبلون تشغيل النساء؟ فصلتم الآلاف منهن من العمل. هل توافقون على تشغيل السنّة”… لا يمكن الاستمرار بخداع الشعب بوعود فارغة، نحن نطالب بالحرية السياسية والاجتماعية والفكرية وحرية التعبير والتنقل والعمل، نطالب بالأمن ونرفض الضغوط الأمنية، نريد قوانين تحكم جميع المؤسسات، ولا نريد مؤسسات معفاة من الضرائب..”.. الشعب لا يريد انتخاب أولئك الذين لم يستخدموا سوى الأساليب القمعية طوال 38 عاماً من حكمهم..منطقهم هو منطق المنع والتحريم، وليس لديهم شيئاً آخراً يقدموه، إن أنصار العنف والتطرف قد ولى عهدهم..”.
هذه الكلمات التي استخدمها السيد روحاني اثناء حملته الانتخابية وجدت الآن صدى لها في الشارع الإيراني بعد 38 سنة من فشل التيار المذهبي المتطرف وأساليب قمع الأفواه والحريات. كما حث روحاني الحرس الثوري والتعبئة (البسيج) على عدم التدخل في الانتخابات محذراً أياهم من خطر ذلك على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية وسمعة البلاد. ويختتم روحاني أحدى خطاباته بالكلمات التالية:” إننا لا نتراجع ، لقد اخترنا طريقنا ، طريق الحرية والتعهد للشعب بتوفير الحريات، إننا نعارض التحريم ضد ايران وتهميشها، إننا نريد العيش بسلام مع العالم”.
لقد جذب خطاب السيد روحاني هذا جمهرة واسعة من المترددين بالمشاركة في الانتخابات. كما استمال هذا الخطاب وسطاً واسعاً من الأحزاب القومية واليسارية ووسط جماهيري واسع ملّ سياسة الإكراه بمن فيهم بعض الأوساط الدينية من مختلف الأديان والمذاهب، مما لعب دوراً في النصر الانتخابي الذي أحرزه السيد حسن روحاني.
ولم يقتصر هذا الهجوم ضد التيار المتطرف والمتشدد على روحاني فقط، بل أن أطرافاً وشخصيات في هذا التيار قد وجهوا كلاماً أكثر حدة من روحاني ضد هذا التيار، وهو يشكل التردي الذي يعيشه هذا التيار. ونورد على سبيل المثال الخطاب الذي وجهه حجة الاسلام مرتضى روحاني مدير موقع “ترجمان” الأصولي قائلاً:” التيار الأصولي هو تيار ضعيف من الناحية النظرية، وفاشل من الناحية العملية، شعاراته كبيرة ولكن شعوره قليل. جسمه ضخم ولكن عقله صغير، ويذكرنا بانقراض الداينوسورات. وليس لهذه التيار أية كلمة في مجال “الاقتصاد السياسي باعتباره أهم مورد في المجال النظري لأية دولة، كما ليس لديه أية كلمة في باب ” الفكر السياسي” أكثر تقدماً من كتاب “ولاية الفقيه”. ويقف عاجزاً كلياً أمام تبيان العلاقة بين الحكم وبين الشعب، وإنه لم يقدم أي نظرية مقبولة ومناسبة حول هذه القضية. واضافة إلى ذلك فإن ” الفشل العملي” قد وجّه لطمة إلى حيثية الأصوليين، وانعكس ذلك على الحكومة التاسعة والعاشرة والمجلس في الدورة السابعة والثامنة…..المشكلة في هذا التيار أنه مادامت النخبة المركزية تلهث وراء نوايا المرشد فإن حالها سوف لا يتحسن، وماداموا لا يتحلون بالعقلانية السياسية ويسعون دائماً الى تطبيق توصيات القائد وانتظار توجيهاته ولا يأخذون هم انفسهم بزمام المبادرة فسيلاحقهم الفشل تلو الفشل….إنني اتوجه الى الأخوان الأصوليين، تعالوا وحركوا ادمغتكم وتدبروا ودققوا في قراراتكم واسعوا الى اتباع الطريق العقلاني الذي يؤدي إلى رقيكم ورقي المجتمع، استفيدوا من نصائح القائد، ولكن اسعوا إلى (الجهاد العلمي والعملي) وتكفوا أن تكونوا كالأطفال الذين ينتظرون الطعام الجاهز ليُرمى في أفواهكم…..”. هذا الكلام يورده شاهد من أهله وليس خصومهم.
خلاصة القول أن نتائج الانتخابات قد وجهت ضربة إلى التيار المذهبي المتشدد ووضعت هذا التيار في زاوية حرجة حول مستقبله. فعلاوة على التناقضات في داخله والفرز في صفوفه، فإشعبيته في تراجع جراء فشله في إدارة البلاد، خاصة وإن الجيل الذي ولد بعد الثورة وبلغ من العمر 38 سنة يعيش ظروفاً تختلف عن الجيل السابق، ويتبنى أهدافاً وطموحات تتعارض مع الجيل الذي عاش الثورة وما قبلها. وهذا ما لم يفهمه التيار المتشدد الذي مازال يتمسك بقيم وطرق عفا عليها الزمن. كما أن نتائج الانتخابات وجهت ضربة غير مباشرة لمنصب ولاية الفقيه، رغم أن الرئيس حسن روحاني يعلن التزامه بالدستور الايراني وتحديداً بمقام ولاية الفقيه.
إن هذه النتائج لا تعني بأي حال من الأحوال أن الطريق سوف يكون معبداً أمام روحاني في تحقيق وعوده للشعب الإيراني خلال الحملة الانتخابية. فالتيار المتشدد مازال يمسك بمفاتيح مهمة في السلطة، فكما أشرنا آنفاً فإن صلاحيات رئيس الجمهورية وحسب الدستور مقننة ومقيدة، وينبغي أن لا نتوقع أن يقوم الرئيس الجديد بمعجزة على طريق تحقيق وعوده، بل سيواجه بموانع جديدة لتحقيق شعاراته من قبل ولاية الفقيه وأتباعه سواء على نطاق الأجهزة الأمنية والقمعية أو من قبل الجمهرة المتعصبة التي تسانده. ولكن، ينبغي الأخذ بنظر الحسبان أن هناك تيار قوي يتبلور في إيران ومنذ بضعة سنوات يسعى إلى تحقيق اصلاحات تدريجية في نمط الحكم وبشكل سلمي بعد أن شهد تجارب بعدد من البلدان العربية التي طغى عليها العنف عند التغيير، وحصدت نتائج عكسية ومدمرة وبعيدة عن طموحاتها. إن التيار الايراني المعتدل المشارك في الحكم يسعى في نهجه إلى مراكمة عناصر التغيير خطوة فخطوة، وزيادة شعبيته بين أوساط الشعب الإيراني من أجل الضغط المستمر على التيار المتشدد وصولاً إلى تكوين كتلة شعبية ضاغطة في المجتمع باتجاه أحداث تغيير حتى داخل العقول المتشددة، وهذا ما يمكن أن نشاهده في مسيرة السنوات القليلة الماضية في إيران. إن أي طريق عنفي في التغيير في ايران لا يصب إلاّ في صالح القوى الأصولية المتشددة واستمرار أساليب الاستبداد المذهبي، وهذا ما فطنت إليه غالبية قوى المعارضة الإيرانية.
إن الأيام القادمة ستشهد احتداماً بين التيارين، وليس هناك أمام السيد روحاني من طريق للجمه سوى الحد من التوتر مع الخارج، سواء على النطاق الاقليمي أو الدولي وتطبيق برنامجه واصرار في هذا المجال. فهو الطريق لاحتواء القوى المتشددة التي تعيش على راية التلويح بالعدوان الخارجي وسعت على الدوام إلى إثارة الأزمات خاصة مع الدول المجاورة، مما شكل ذريعة بيد قوى خارجية للمزيد من الضغط والعقوبات ضد ايران. كما يجب على دول المنطقة، وخاصة الدول الخليجية اتباع سياسة مرنة قائمة على الحوار وليس المواجهة من شأنها تشجيع وتنامي التيار الإصلاحي واتخلي عن السياسة الطائفية والتلويح بـ”البعبع الإيراني” وأشاعة التوتر والمواجهة الطائفية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرة وجذب القوى الدولية إلى هذا الصراع الدموي الجاري في بلداننا وتأجيج سباق التسلح التي تقوده العربية السعودية في المنطقة. فمثل هذه السياسة لاتصب إلاّ لصالح التيار المتشدد والمتطرف في إيران وتخدم أهدافه وليس أهداف ردع سياسة الطرف المتشدد في الهيئة الحاكمة الإيرانية.
26/5/2017

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.