لغة واحدة ، أم لغتان ؟ ( ج1 )

أول من أطلق مصطلح ( اللغات السامية ) ، الباحث البريطاني بشؤون اللغات ” شلوتسر” عام 1781م ،
وأيده في ذلك الباحث ” اسرائيل ولفنسون ” حسب مانشرته دائرة المعارف البريطانية ، وشاعت هذه التسمية عند المهتمين بتأريخ الشرق الأوسط فيما بعد . ولكن الأوساط السريانية تنفي هذا الادعاء على ان هذه التسمية قديمة ويعود تأريخها الى ماقبل القرن السابع الميلادي .
الساميون هم من سلالة سام ابن نوح حسب ماجاء في المدونات الدينية وليست في الثوابت التأريخية القديمة ، واعتبرت جدلا بأنهم جميع الاقوام المتحدرة من ذاك الأصل ، اما موطنهم الأصلي غير معروف الى الآن على وجه التحديد ، هل هي أرض بابل مثلا ؟ أو هضاب أرمينيا ؟ أم الجزيرة العربية ؟ .
ان الشعوب السامية متواجدة ومنتشرة في كثير من بقاع الشرق ، اي منذ انبثاق التأريخ وهي مواطنهم الاصلية ويترحلون من جزء الى اخر ضمن الرقعة الواسعة من الشرق الكبير حسب متطلبات وظرف العيش عبر جميع المراحل التاريخية التي مرت بها المنطقة ، والتي تمتد من البلاد المصرية والبحر الأحمر ، وشواطيء سوريا وفينيقيه وفلسطين وبلاد ما بين النهرين والجزيرة العربية وحتى حدود بلاد فارس لتصل الى بعض المناطق الهندية توسعا . وقد نتعجب كيف لهذه السلالة وبهذا الحجم من نسب واحد لتمتد الى تلك البقاع البعيدة من الشرق ؟ .
التخمينات والفرضيات التي يمكن ان تكون قابلة للتصديق ، هي ان تلك المجاميع البشرية القاطنة لتلك الأراضي متنقلة وبترحال دائم ، وهذا التنقل الواسع أدى بانقسامهم فرقاً وقبائل وافخاذاً ، وأتخذت كل مجموعة او فرقة اسماً خاصا بها طبقا لنمط حياتها . وقد أدى هذا الاختلاف الى أختلاق لهجات ، وهذه اللهجات تحولت فيما بعد الى لغات خاصة مستقلة .
طالما ان هذا الانتشار الواسع لتلك الكتل البشرية لأنحاء مختلفة من الشرق ، لابد ان يكون هناك على الأقل منطلقا رئيسيا لأراضي كانت مأهولة ومنها بدأ الأنطلاق كأول حضارة ومدنية عرفها التاريخ ، وهي أراضي بلاد سومر وبابل والتي شملت القسم الشمالي للجزيرة العربية وامتدت بعد ذلك الى المناطق المجاورة .
واذا أفترضنا بأن الحضارة بدأت من سومر وبابل ، ووفقا لهذا الوصف ، لابد ان تكون الحياة فيها كانت سلسة ومنظمة كأفراد وأسر وبالتالي كمجتمع يمتلك مهن وافكار من زراعة وتجارة وصناعة وثقافة وفق موقعها الزمني ، الامر الذي يجعل تلك الأرض المزدحمة بالنشاطات والفعاليات المختلفة هدفا للطامعين والمعوزين لتلك النوعية من الحياة المستقرة ، وهؤلاء المتطلعون لتلك المدنية من مناطق الجوار ، هم من البدو الذين جاء بعضهم من قلب الجزيرة العربية والآخر من الحدود الشمالية تجذبهم المدنية رويدا رويدا لتصبغهم بصبغة الحضارة تدريجيا ، لتجدهم يتجمعون من كل صوب الى تلك الاراضي ليرفعوا مستواهم المعاشي من حالة البداوة الى حالة الحضارة والاستقرار ، وغالبا ما يأتون على شكل غزاة يريدون الأستيلاء على خيرات غيرهم بالقوة ، فتنشب بينهم وبين الحضر حروب تنتهي بغلبة المهاجمين تارة ، والمدافعون طورا ، وهذا ما حدث حسب مايروي لنا التاريخ القديم .

من غير الصحيح أن نتصور أن وجود البدو في بادية الشام وشواطئ الفرات وأطراف دمشق يرتقي إلى أيام الآشوريين أو قبل ذلك بقليل، فوجود البدو في هذه الأراضي هو أقدم بكثير. ولأن الكتابات الآشورية هي أقدم كتابة وصلت إلينا ووردت فيها إشارة إلى العرب ، وإلا فإن العرب في هذه الأراضي بزمان لا نستطيع بالطبع تعيين بدايته ، ولأنها امتداد لأرض جزيرة العرب، والتنقل بينها وبين جزيرة العرب هو تنقل حر ليس له حاجز ولا حدود، فلا نستطيع إذن أن نقول: متى سكن العرب بادية الشام؟.
وقد لاقت القبائل العربية مقاومة شديدة وعنتًا شديدًا من الحكومات التي حكمت بلاد الرافدين و بلاد الشام، فقد وقفت تلك الحكومات منذ الدهر الأول لها بالمرصاد، وأبت أن تسمح لها بالتوغل في داخل أرضها التي تحكمها حكما فعليا، ذلك لأنها كانت تهاب الأعراب وتخشى البداوة، إذ لم يكن من السهل على البدو تغيير سننهم واقتباس سنن الحضر، ثم إنهم كانوا يغيرون على الحضر وعلى الحدود لاستيلاء ما يجدونه أمامهم. وقد ترك غزو الأعراب للحدود أثرًا سيئًا راعبًا في نفوس الحكام جعلهم لا يتسامحون في دخول البدو إلى أرض الحضارة ما دامت للحكام قوة ، ولم يتساهلوا معهم إلا بالوصول إلى حدود الحضارة ومشارفها ، وذلك لأنهم نصبوهم حرسا لهم، بمنع القادمين الجدد من البادية للدنو من أرضهم ، ويدافع عن الحدود ساعة الخطر، ويهاجم مع القوات النظامية للحكومة أرض العدو في الحروب، وفي أيام السلم لإلقاء الرعب والفزع في نفس العدو وإكراهه على تنفيذ مطلب يراد منه.
وقد اضطرت الحكومات إلى دفع طعامهم وكسوتهم ، وهبات وعطايا سخية لسادات القبائل الحُرَّاس في مقابل قيامهم بحراسة الحدود. إذ لم يكن في استطاعة تلك الحكومات القيام بها بنفسها ، ولا سيما في تعقب الأعراب وملاحقتهم في البوادي وغزو أعراب العدو، فصارت لسادات القبائل مكرمات تميزهم عن اتباعهم .

اللغة السامية وموطنها
يؤكد الباحثون في مجال دراسة اللغة السامية الأم ، بأنها كانت قليلة المفردات المتداولة لمقتضيات الحياة البدائية ، ولم تكن بها
حاجة الى جمال التعبير وتنميق الألفاظ والعبارات مما يشبه بعض اللغات البدائية في الوقت الحاضر .
ولزيادة المعرفة بأصل تلك اللغة توجب علينا القاء نظرة على الكلمات المشتركة الموثقة في اللغات السامية التأريخية الحديثة، وعليه يمكن استنباط فكرة ولو بسيطة عن كيفية النطق بلغة الأم بوسائل لغوية ، كالضمائر ، والأعداد وتسمية أعضاء الجسم ووصف المحيط ، والأشياء المستخدمة في حياة البدائية مثل : البيت ، الجمل ، الكلب ، الحمار ، الماء ، والنار ، وكافة الاشياء التي يبصرها في محيطه أو بيئته: كالسماء ، الارض ، الشمس ، القمر ، والنجوم ، وكذلك الليل والنهار ، والى ما هنالك من الألفاظ المشتركة مما يطلعنا على شيء من أساليب هذه اللغة من جهة ، ويؤيد أن هذه الألفاظ قديمة العهد جداً من جهة ثانية .
وهنالك مفردات أخرى تشترك فيها هذه اللغات وهي الدالة على العمران والحيوان والنبات .
واذا تمكنا من الاستنتاج بأن أصول اللغة القديمة من كل اللغات السامية المتفرعة القديمة فمن المحتمل يمكن الوصول الى خيال تلك اللغة من وراء جميع هذه العصور السحيقة الغابرة .
وبما ان المختصين في علوم اللغات على أشد الاختلاف بمسقط رأس تلك اللغة ، فمنهم من يرى بأن أرض بابل وما جاورها هي اصل الحضارة البشرية وبالتالي فهي اول من أخترع تلك اللغة ، واخرون يعارض تلك النظرية معارضة شديدة ، والاسباب متنوعة .
وليكن ما في الأمر من اتفاق وتباين ، ولنسلم بأن أولى الحضارات اليشرية كانت في حوض الفرات الأوسط ، ولتكن هذه البقعة من الأرض هي موطأ قدم للتفكير والتمدن والتبصر البشري للأنسان الأول ، وليس مهمّا ان تكن تلك الارض او غيرها جذر اللغة السامية ، بل الاهم هو كيف أتنقلت تلك اللغة وانتشرت بين الأقوام وقبائلها في جميع مناطق الشرق الاوسط وعاشت زمنا طويلا . وهناك آراء كثيرة حول اللغة السامية ، لاتتعدى كونها دراسات تخمينية وحسب .

من هم الآراميون ؟ ومن هم العرب ؟
وقبل ان نتعرف على أصلهما ، ينبغي ان نفترض بأن منطقة الشرق الأوسط برمتها هي جذور السامية ، ولنطلق عليها مصطلح ” الأمة السامية ” ، ويجدر بنا تصور هذه الأمة السامية قد جاءت عليها الكوارث والمحن والأوبئة والقحط والجوع والفيضانات والجفاف والأقتتال ، لبقاع مختلفة من نواحيها الجغرافية والتاريخية ، فماذا سيحصل عندما تضيق بقاع هذه الأرض بساكنيها حينئذ ؟
الجواب ، بأن تلجأ بعض القبائل هنا وهناك نازحة عن موطنها الأصلي لغرض الحصول على المعيشة اليومية الحيوية ، فيتفرق أفراد تلك القبيلة أو تلك الى المناطق التي توفر لهم مايحتاجونه من مأكل ومشرب وسقف يحميهم ، فينتشر افراد تلك القبائل في الفيافي والسهول ، ويتوغل غيرها في الهضاب ، والقسم الآخر يبقى مقيما في أرضه مهما طالت به الشدائد . بيد ان تاريخ او زمان بداية هذا النزوح أو الأنتشار غير معروف ، وكما في وقتنا الحاضر مازالت تلك الظاهرة من النزوح نشهدها الى الأن .
وكما يبدو على الأرجح بأن القسم الذي أبى أن يرحل وقرر البقاء مقيما في ارضه أطلق بعض الأسماء الجديدة على اراضي النزوح ، وذلك حسب طبيعة الأرض الجديدة التي نُزح اليها ، ونفترض هنا جاء أسم العرب ، وأسم الآراميين ، اذ اطلق أسم ” العرب ” على النازحين الى الفيافي والسهول ، و ” الآراميين ” على النازحين الى الهضاب .

فما معنى ” العرب ” ؟
العرب ، كلمة سامية قديمة وتعني ( سكان الصحراء أو البيداء ) ، حفظت في اللغات السامية المنحدرة من اللغة الام ، لذا نجدها في العربية ” العرباء ” ، وفي الآرامية ” عربا ” ، فيكون ” العرب ” والحالة هذه ، القبائل النازحة الى الصحراء والبيداء الذين سمّوا بـ ” البدو ” ، ونجدها في العبرية ” عربة ” .
أما كلمة ” آرام ” ، هي ايضا سامية قديمة مركبة من كلمتين هما ” أرعا رمتا ” بمعنى ” الارض المرتفعة ” ، وهذ يعني القبائل النازحة الى الهضاب .
التأريخ يؤكد بأن تلك القبائل النازحة والمقيمة ، كانت على صلات فيما بينها بعد الجلاء بوقت قصير ولكن بشكل محدود ، وذلك لغايات اقتصادية او اجتماعية ، أو غير ذلك . وعلى هذا الاساس نشأت علاقات اخرى ، مثل العلاقة التي كانت تربط بين بعض سكان بلاد وادي الرافدين مع بعضها الآخر من مناطق الجزيرة العربية ، كما نشأت علاقات أخرى بين سكان الجزيرة العربية والقبائل التي سميت بالآرامية من جهة اخرى ، الأمر الذي أدى بسكان جميع هذه المناطق الى ايجاد لغة مشتركة للتفاهم فيما بينهما ، بل كانوا يشعرون بأواصر القربى التي تشد بعضهم الى بعض .
كان أقدم ذكر لسكان الصحراء في أحد الالواح المسمارية ورد منذ عهد ” شلمناصر الثالث ” الملك الآشوري ، وسمي فيه أولئك الصحراويين بالعرب ، وذلك في أوائل القرن التاسع قبل الميلاد ، وتردد ذكر العرب في مناسبات كثيرة بصيغ مختلفة في اللقى الأثرية التي عثر عليها ، ووردت كلمة ” العرب ” في نحت ” داريوس ” على حجر ” بهستون ” . ولايعرف الى الان متى استعملت كلمة ” العرب ” دلالة على القومية او النسب اللغوي ، ولكن عرفت منذ الجاهلية حيث سميت الجزيرة باسم ” جزيرة العرب ” .
وأما الآراميون ، فعرفهم التاريخ في جهات الفرات الاوسط منذ منتصف الالف الثاني قبل الميلاد ، حيث هبت ريحهم ونمت لغتهم وثقافتهم وقوميتهم ، وكذلك لغتهم الآرامية أخذت بالانتشار مستقلة منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد وشاع صيتهم في المصادر المسمارية منذ عهد ” تغلا ثفلاصر الاول” ملك آشور سنة 100 ق.م .
أن أول ذكر للعرب كان في أواسط القرن التاسع قبل الميلاد ، بينما كان أول ذكر للآراميين في أواسط القرن الثامن عشر قبل الميلاد، لذا يمكننا القول بأن الآراميين يسبقون العرب في القدم حوالي تسعة قرون كاملة، الا ان هذا القرار ليس صائبا ، فعدم ذكر العرب الى اواسط القرن التاسع ، لايدل على عدم وجودهم كأمة سارحة في بيدائها ، لان انعزالهم في مناطق نائية أدى الى تأخر ذكرهم في المصادر المسمارية وغيرها .

العلاقة بين العربية والآرامية
ان كل من اللغتين العربية والآرامية قد نشأتا في ظروف الى حد ما متشابهة ، لذا لايمكن الفصل بين لهجاتهما لوجود العلاقة التي تربطهما معا ، وهذه العلاقة هي الجذور السامية التي كانت تجمعهما .
ومما لاشك فيه ان كلتا اللغتين لديها لهجات بدائية كثيرة عند نشأتهما وذلك بسبب كثرة القبائل التي تتداولها ، وكلما انفصلت قبيلة جديدة من محيطها الاجتماعي وبعدت عنه لسبب ما ، نشأت لديها مفردات وعناصر لغوية وبألفاظ جديدة حسب تأثير المحيط الاجتماعي الجديد عليها ، وبذلك يمكن ان تكون قد ولّدت لهجة جديدة من اللغة الأم .
وكلما تقاربت قبيلتان أو أكثر وتمازجتا زالت الفوارق اللغوية ، وتكوّن من ذلك المزيج لهجة خاصة أخذت عناصرها اللغوية واللفظية من جميع اللهجات المتمازجة ، وهكذا حتى انتهى الأمر الى اضمحلال وتلاشي لهجات كثيرة ، وانفراد غيرها عند افراد تلك القبيلة او مجموعة من القبائل .
من جهة اخرى ، فأن القبائل القاطنة في المناطق النائية من أرض الجزيرة العربية ، تمكنت من الاحتفاظ بلغتها السامية الأصلية وبشكل ملحوظ فلم يطرأعليها الا القليل من التغيير او التحوير ، كون هذه القبائل كانت منعزلة ولفترة طويلة من الزمن عن بقية الاقوام ذات الكثافة السكانية العالية . بيد ان القبائل التي كانت قريبة من مراكز التمدن والتحضر، تأثرت لغتها وتنوعت لهجاتها بشكل كبير تبعا للظروف الزمانية والمكانية المحيطة بها .
وبسبب حدوث تلك الهجرات لقبائل كثيرة من البدو في معظم أنحاء الجزيرة العربية ، نتجت عنها لهجات متباينة مما اثر هذا التباين على اللغة العربية الأم تأثيرا كبيرا ، ويمكن ان نقول وبوجه عام ، بأن هناك لهجتين كبيرتين احداهما في الجنوب والثانية في الشمال ، وذلك حسب التوزيع الجغرافي للقبائل العربية القاطنة في قسمي الجزيرة العربية .
تشير العديد من الرقم الطينية المكتشفة في بعض نواحي من الجزيرة العربية التي عثر عليها من قبل علماء اللغات المستشرقين والمهتمين ، واستنتجوا ، بان لم يكن في ارض الجزيرة لهجتان فحسب ، بل هنالك لهجات كثيرة يصعب ضمّها الى القسمين الشمالي او الجنوبي من الجزيرة العربية ، وكانت كل لهجة تسمى باسم موقعها الجغرافي ( اقليمها ) ، او تنسب الى اكبر قبائلها .
أما كلمة ( عرب ) أو ( عرباء ) ، كانت تطلق على جميع القبائل المنتشرة في البادية المتنقلة طلبا للماء والعشب والمأوى .
ولما اجتمعت اللهجات المختلفة في ارض الجزيرة العربية وصارت لغة واحدة ، ظهر فيها بعض الالفاظ بمظاهر متباينة ، وصيغ مختلفة ، فنرى مثلاً كلمة ” سطح ” تجمع على أسطح وسطوح وسطحان وسطح وكلها بمعنى واحد . ومثلها كلمة ” نهر ” فنقول في جمعها أنهار وأنهر ونهر ونهران وكلها بمعنى واحد .
ونجد أمثلة كثيرة لهذا النوع في المعاجم العربية ، وهي الدلالة الثابتة على انها كانت كلها صيغاً مختلفة لكلمة واحدة .
استعملت كل قبيلة من القبائل صيغة خاصة بها ، ولما جمعت هذه المفردات والصيغ في المعاجم اللغوية ، نشأ منها هذا الفيض الغزير من المفردات الدالة على المعنى الواحد .

وأشهر القبائل الكبرى التي عرفت في الجزيرة العربية , والتي درس اختصاصيوا اللغات آثارها الباقية ، هي القبائل اللحيانية والثمودية والمعينية . ومما لا شك فيه أن لكل قبيلة من هذه القبائل لهجة خاصة بها ، قد يتعذر على القبيلة الثانية فهم مفرداتها . وقد قدموا دراسات قيمة في لهجات هذه القبائل .

ومع أن آثار هذه القبائل اللغوية هي عربية ، ولا سيما الرقم اللحيانية ، لأن فيها الحروف العربية التي تخلو منها بقية اللغات السامية كـ (ز ، ت ، غ ، ض ) , ولأن فيها أفعال التفضيل وعلامة التنبيه وهما من المميزات الخاصة بالعربية وحدها ، الا ان هذه اللهجات تتضمن كلمات آرامية ، وهذا مايعني هنالك تداخل بين اللغتين العربية والآرامية .
ومما لا شك فيه أن هنالك لهجات كثيرة نشأت عند القبائل العربية ثم تقلصت رويداً رويداً حتى محيت لاندماجها في اللهجات الكبرى الباقية .

وأما امتزاج هذه اللغات الكثيرة فقد حدث شيئاً فشيئاً . ومن المعلوم انه في القرنين الثالث والرابع الميلاديين أخذت اللهجات الشمالية تنتشر وبسرعة ، بينما أخذت اللهجات الجنوبية تنحدر شيئا فشيئا حتى كادت تزول في القرن السادس الميلادي ، وذلك من جراء فقدان مواطنها لحريتها ولاستقلالها السياسي ، وهكذا أخذت تلك اللهجات في التلاشي ، وقد افسحت المجال لانتشار اللهجات الشمالية ، التي انفردت بالسيادة المطلقة تقريباً قبل ظهور الاسلام .
ومع هذا كنا نجد بعد الاسلام لهجات متباينة . والشاهد على ذلك تباين لهجات القراءة ، وحسبما هو معروف هنالك الكثير من المفردات اللغوية الآرامية يحتويها القرآن كانت متداولة في حينها .
والشيء الذي يمكن تقريره بعد هذا العرض السريع أن اللغة العربية الباقية هي مزيج من لهجات مختلفة امتزجت كلها بعضها ببعض فكونت لغة واحدة .
(يتبع)

About عضيد جواد الخميسي

كاتب عراقي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.