عزيزي الله

أعرف أنك صديقي المفضل… وأعرف أيضا أن من حقي أن أبوح لك بما لا أستطيع أن أبوحه لغيرك. قبل أن أفعل ذلك، أحب أن أذكّرك بأن تاريخ اليوم هو الثامن من أيار وليس الأول من كانون الثاني!! أنا سعيدة جدا لأنك أخطأت التاريخ، فحديقتي تحتاج إلى المطر الذي كثيرا ما افتقدناه آخر خمس سنوات. ربما، لم تخطئ التاريخ، ولكنك تحاول أن تكفّر عن جريمة اقترفتها بحق أزهاري ونباتاتي وبحق فاتورة الماء لبيتي!
على كل حال، في كلا الحالتين أشكرك على العواصف المطريّة التي ضربت منطقتنا خلال الليل وصباح هذا اليوم!
….
عزيزي الله، لي عليك عتاب آخر…
لماذا أراك في أفعال الذين ينكرون وجودك أكثر مما أراك في حياة الذين يطبّلون باسمك؟؟؟ لقد اختلط عليّ الأمر بينك وبين ابليس… فصرت أحترم ابليس لأنه احتج على خطيئة ارتكبتها بحقه وبحق البشر،
خلقته من نار وخلقتهم من طين!!! أحترمه لأنه تمرّد عليك، ولأنك وقفت عاجزا أن تجيبه على سؤال، فأنا أحب التمرد وأمجّده، وخصوصا عندما أكشف به ضحالة العاجزين وهشاشة التافهين…. من حق أي مخلوق أن يتمرد على أمر يظن فيه اساءة له،
أليس كذلك؟؟؟ ومن واجبك أن تبرر فعلتك وتثبت براءتك، أليس كذلك؟
….
عزيزي الله،
لم أدخل معبدا ورأيتك فيه.. بينما رأيتك في كل شارع نظيف، ومرفق عام يقدم خدمة لانسان…. وفي كل لمسة حنان…
وفي كل قبلة يطبعها عاشق على شفاه معشوقته… وفي كل قطرة حليب يرشفها رضيع… وفي يد كل طبيب يتحسس بها جبهة مريض… وفي دمعة كل أم ثكلى وأب مقهور… وتحت عدسة كل مجهر تكشف حقيقتك في دقائق الأمور… وفي ضوء كل شمعة تبدد الظلام… ورأيتك في صحن تبولتي، وفي فنجان قهوتي… وفي ضحكة آدم… ولعبة بنجامين… وجدائل جازي…
وايضا رأيتك في خرمشات قطي أموور.. وفي قن دجاجاتي… وفي “شيطنة” السناجب التي تسرق محصولي…
…..
عزيزي الله،
هل أنت من أنت في مساجدهم، وهل يعقل أن يكون ابليس من اؤمن أنه أنت؟؟؟ لقد تمردتُ عليك كارها، منتقما، جبارا، ضارا، مهيمنا، قهّارا، كما زعموا أنك أنت، وأكثر ما تمردت عليك لأنك خير الماكرين!!
عزيزي الله،
وطني كما أراه اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الكراهية والانتقام والجبروت والضرر والهيمنة والقهر، لقد اكتفى مكرا بعد أن استفحل فيه عدد الماكرين، كل منهم يحاول أن يكون أنت كما أنت في كتبهم! وطني يحتاج إليك كما أنت في قلبي وفي كتاباتي… قطرة مطر … وردة جوريّة… يد تطعم فما جائعا وتضمد جرحا نازفا….

عزيزي الله،
هل يعقل أن تسكن لحاهم حيث يفقس القمل وتبيض البراغيت، وتعوف أزهاري التي تملأ المكان عطرا ونقاءا؟؟؟؟
لا
لا لا….
أنت من اؤمن بك على طريقتي، وأراك كما أريدك أن تكون، واُعيشك كما تريدني أن أعيش، مخلصة لكل انسان، عاشقة لكل جمال، مشجعة لكل خير، رافضة لكل شر، مؤازرة لكل يد تبني وعقل يبدع وقدم تمشي خطوة في طريق النور…
عزيزي الله،
أنت في قاموسي كلمة، بل كل الكلمات… لذلك، أصيغ عباراتي منك، وأطبعك على صفحاتي تماما كما أنت… ثق تماما أنني أحبك.
المخلصة، وفاء
…….
طبعت قبلة على ظرف الرسالة عوضا عن أجور البريد، وارسلته في المساء، فجاءني الرد في الصباح…
عزيزتي وفاء:
أنا تمردك، وأنا تلك الوردة البيضاء التي تبثك رسالتي من خلف زجاج نافذتك.. لا تصدقي خرافاتهم، فأنا أقرب إليك من كل مقدساتهم.. أنا في وريدك… قصي هذا الوريد، ولوني بدمك صفحات أوراقك، تماما كما تفعلين كل يوم! أعدك، ووعد الله دين، أن أكون لأزهارك شتاءا في عز الصيف، ولقلبك ربيعا في أوج القيظ… ولروحك سلاما في ذروة الحرب… ولعقلك ابداعا أينما استفحل القحط، ولعطشك واحة عندما يتصحّر الطريق!
أنا الوفاء ياوفاء….
فانعمي بخيري، وانهلي من مدادي!
أحبك،
صديقك الله
ملاحظة اخيرة: يا صديقتي الجميلة، ليس لدي رزنامة ولا أعترف بالتواريخ، فأنا الزمان واللانهايات!!!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.