المرأة خلقت للبيت

أدركني الوقت واكتشفت أنني عصرت آخر ليمونة في ثلاجتي هذا الصباح، واحتاج إلى المزيد. الضيوف على وشك الوصول، ولم أخلط التبولة بعد! طلبت من زوجي أن يسرع إلى أقرب ماركت ويأتيني بزجاجة من عصير الليمون الحامض، ورحت
اشرح له نوعها ولونها وحجمها وسعرها وعلى اي رف يستطيع أن يجدها، لأنني أحفظ تلك الرفوف كما أحفظ اسماء أولادي!
عاد يحمل إليّ زجاجة من عصير الليمون المحلى ـ ليمونادا ـ وعندما وصل صوتي إلى القطب الشمالي راح يعتذر ويقول: كلو عصير ليمون!
…..
يتصل بي وأنا في ولاية أخرى،
ـ لدي اجتماع عمل أي طقم تنصحيني أن البس!
ـ الطقم الكحلي!
ـ أين أجده؟
ـ في خزانة الغرفة القريبة من الكاراج، ثالث علاقة من اليمين!
ـ وأي قميص يمشي معه؟
ـ قميص أزرق سادا، تجده في خزانتك في غرفة نومنا.
ـ ولون الجوارب؟
ـ كحلي أو أزرق ولا تنس الحذاء الأسود!
يرسل لي صورا عن الطقم والقميص والجوراب والحذاء، فاؤكد أنها هي!
هو يفعل ذلك لأنه لو اختارها بنفسه سيبدو كشجرة عيد الميلاد، أو كقوس قزح!
…..
يعرف أنني أستمتع بالشاي عندما يقدمها أحد لي، وليس عندما أصنعها بيدي. حرااااااام! يحب أحيانا أن يكرمني بصنعها وتقديمها!
ـ أين ابريق الشاي؟
ـ الخزانة العليا بجانب البراد! (شيء رائع لا يسألني أين صنبور الماء)
يختفي صوته حوالي خمس دقائق، ثم يصيح:
ـ أين السكر؟
ـ في الخزانة البيضاء في المطبخ الصغير!
ـ في أي فنجان تحبين أن تشربي؟
ـ فنجاني الازرق المفضل الذي جلبته لي أنجيلا في عيد الأم!
ـ وأين أجده؟
ـ في الخزانة تحت آلة القهوة.
ثم يأتيني صوته مشوبا ببعض الاحباط: لم أجد الصينية!!!
ـ في الخزانة السفلى بجانب الفرن!
……..
في أمريكا لا أدري لماذا من المتعارف عليه أن رمي كيس الزبالة في الحاوية من شغل الرجال. وزوجي ملتزم بالمهمة وبانضباط، ولكن كل يوم يجب أن اكنس الطريق الممتد من سلة الزبالة داخل المطبخ إلى الحاوية خارج البيت، ويكلفني هذا الأمر حوالي ١٥ دقيقة من وقتي. لحد الآن لم يتعلم أن يربط الكيس فور انتشاله من المطبخ وقبل شحطه (وليس حمله) إلى الحاوية!
……..
قلبت على قفاي من الضحك… الشيخ الحويني يقول: المرأة خلقت للبيت، ولشيء آخر (طبعا لن أذكره) لم أتفق في حياتي مع الشيخ الحويني أكثر مما اتفقت معه على أن المرأة خُلقت للبيت! إنه لعمري قول حق أراد به باطلا!!!!
……..
لأنني خُلقت للبيت خُلقت لأصنع الحياة… ولأنني أعرف تفاصيل بيتي كما يعرف انشتاين تفاصيل نظريته، أجيد كل شيء!
انشتاين خرج إلى الحياة يعرف النسبية وأنا زودتني الطبيعة بالمهارات اللازمة لصنع المطلق، ولذلك، تفوقت ـ كامراةـ في كل عمل مددت يدي إليه خارج البيت وداخله! والأهم: تفوقت في صناعة ثلاثة ملائكة، سيكون الكون بهم أجمل مما كان عندما أتيت إليه…
…..
قديما كانوا يؤمنون بأن للبيت آلهة تساعد سيدته في عملها الشاق، كان اسمها في الميثولوجيا الإغريقية
Hestia،
وفي الميثولوجيا الالمانية
Frigg
ومازالت تلك الآلهة تحوم في كل بيت سيدته تؤمن بقدسيّة مهمتها.
….
البيت هو حجر الأساس لعالم أقوى وأجمل، ومن يجيد وضع هذا الحجر يستطيع أن يبني العالم كله… أينما ترى كوارثا ـ حتى ولو كانت تتعلق بطبقة الأوزون ـ تأكد أن هناك أزمة نساء!
……
أخيرا أحب أن اشير إلى أن زوجي كان مهندسا زراعيا، وفي حديقتي أكثر من ١٢٠ نوعا من النباتات والأزهار، كلها غرستها بيدي ورويتها من عرقي، وأعرف أنواعها وطرق العناية بها وكيفية تكاثرها، وضرورة أن أهمس بين وريقاتها “أحبك”، كي أمدّها بالطاقة الإيجابية اللازمة للنمو والإزهار! لم أقم بالمهمة لوحدي إذ كانت الآلهة (هاستيا وفريغ)ـ ولم تزل ـ تحوم حولي وتبارك عدد اصابعي…
…….
زوجي في أمريكا رجل أعمال ناجح بكل ما للكمة من معنى، لكنه وبعد سبعة وثلاثين سنة زواج لا يعرف أين ابريق الشاي في مطبخنا، ولا يعرف أي قميص يتماشى مع طقمه، أمّا وبعد أن احتج أهل القطب الشمالي على صراخي فلقد صار يعرف الفرق
بين عصير الليمون الذي يضاف إلى التبولة والليمونادا….
………
على ذمة علماء الانثربيولوجيا أن الرجل أنبوبيّ النظرة ( يرى الحياة من خلال انبوب)، ولقد توارث هذه الخاصة عن جده الأول “رجل الكهف” الذي كانت مهمته الوحيدة أن يصوب على فريسته…. بينما المرأة ومنذ بدء الخليقة تملك عينا للبصيرة ترى من خلالها كل الاتجاهات في وقت واحد لأنها مسؤولة عن كل شيء آخر، بما في ذلك تعليم الرجل فن التصويب!
……
نعم لقد خُلقت للبيت، وفي سياق اكتساب المهارات التي تؤهلني للقيام بتلك المهمة المقدسة تأهلت لأن أصنع العالم ولأن أعالج انحرافاته، ليس هذا وحسب، بل لأن أقوده!!!!! فهل يتعظ الشيخ الحويني؟؟؟؟

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.