الشكوى واحدة والألم واحد

لا تستهن يوما بالألم البشري مهما كان مصدره ونوعه وسببه! كلنا نتألم… نتألم لأتفه الأسباب ولأكثرها جللا، والألم واحد!
لا تحاول أن تقلل من شأن ألمك، أو ألم أي انسان آخر، فالألم مهما ظننت أنه كان لسبب تافه لن يزول مالم تسمح لنفسك أو لغيرك أن يشعر به ويعبّر عنه! إن تجاهلته سيختبئ في عمق اللاوعي عندك لينكد عليك لاحقا، دون أن تعرف مصدر النكد!
……….
الإنسان مجهز بقدرات ليواجه كبائر الأمور أكثر من صغائرها، ولذلك صنبور الماء الذي ينقط في حمامك ويحتاج إلى تصليح قد ينقر على أعصابك أكثر مما تنقر مشكلة ملحّة تتطلب تدخلا اسعافيا! علماء النفس ينصحون، ولكي تخفف من حدة الضغوط، أن تواجه صغائر الامور وتحلها قبل كبائرها، لأن تلك الصغائر تستنزفك يوما بعد يوم دون أن تشعر بها! كما لو أن ثقبا صغير قد اُهمل في قاع السفينة، بينما القبطان راح يركّز على عاصفة قوية تجتاح المحيط، العاصفة تمر بسلام، لكن السفينة تغرق لاحقا لكثرة الثقوب الصغيرة المهملة في قاعها!
……….
اتصلت بي أنجيلا هذا الصباح تشهق في البكاء… عرفت على الفور أن صديقها الحميم “آلين” هو سر بكائها! حاولت أن أهدأ من روعها دون جدوى، فهناك احتمال أن يكون “آلين” مصابا بسرطان المثانة، فلقد كشفت الأشعة وجود كتلة كبيرة فوق مثانته، ويجب أن يجري الطبيب ألتراساوند ليتأكد من طبيعة الكتلة!
….
منذ حوالي عشرة أيام بدأ “آلين” يتبول بشكل غير ارداي ودون عادته، الأمر الذي أجبر انجيلا أن تأخذ اجازة وتتفرغ لأخذ “آلين” إلى الطبيب الذي اكتشف أن الكتلة الموجودة فوق المثانة تضغط عليها بشدّة، الأمر الذي يسبب التبول اللارادي!
وإذا كانت الكتلة سرطانية سيموت “آلين” خلال أقل من شهرين، لأنه قط مسن ولن يتحمّل أي نوع من العلاج!
…..
مضى على وجود “آلين” في حياة أنجيلا ثمان سنوات، خفف عنها الكثير من ضغوط الدراسة والحياة، وكان مخلصا إلى الحد الذي تعلقت عنده بآلين تعلقا اموميا (تعلق الأم بطفلها)!
….
على مدى ثمان سنوات وكلما تجاذبت أطراف الحديث مع أنجيلا كانت تطرق بشكل أو بآخر للحديث عن آلين، وبطريقة
تجبرك أن تحبه دون أن تراه، وأن تعشقه قبل أن تتعرف عليه!
….
كانت جدتي أم علي ـ السلام لروحها ـ تقول: بعض الناس يشكون من الطفر، والبعض الآخر من البطر! وأنا أقول: الشكوى واحدة والألم واحد، وكلنا معنيون بتخفيف حدة الألم البشري مهما كان مصدره ونوعه وسببه! ومهمتي اليوم أن أخفف عن أنجيلا ألمها، آملة أن أنجح!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.