المسيحيون العرب وعيد الفصح

د. جيمس الزغبي
لن تكون هناك احتفالات بعيد الفصح العام الجاري للمسيحيين الأقباط في مصر، خوفاً على أمنهم، وتبجيلاً لـ45 مسيحياً سقطوا ضحايا هجومين انتحاريين مروّعين في «أحد السعف»، بينما أعلن حِبرهم أن فاعليات عيد الفصح ستقتصر على عظته «من دون أية احتفالات».

وقد بدأ الأسبوع المقدس بالنسبة للمصريين بأنباء تلك التفجيرات، التي تعتبر رسالة تذكير قوية بالتهديدات التي يواجهها، ليس فقط الأقباط في مصر وإنما المسيحيون في أنحاء أخرى من العالم العربي.

ولعل لبنان هو الدولة الوحيدة التي يعيش فيها المسيحيون في أمان نسبي، بسبب عددهم والسمات الفريدة للنظام السياسي في البلاد. ولكن في مصر والعراق وسوريا وفلسطين، تعيش المجتمعات المسيحية، القائمة منذ ألفي عام، في خطر.

وأما الوضع في فلسطين خاصة فهو منقطع النظير، فهناك المسيحيون والمسلمون على السواء، يخنقهم الاحتلال الإسرائيلي الوحشي. وقد خسروا الأراضي والحياة وحرية الانتقال. وفي هذا الأسبوع المقدس، على سبيل المثال، سيواجه المسيحيون من بيت لحم وبيرزيت ورام الله صعوبة خاصة في التمكن من التوجه إلى القدس للصلاة في كنيسة القيامة. ويمكن لكثير من الفلسطينيين مشاهدة مدينة القدس من منازلهم، ولكنهم معزولون بجدار فصل عنصري، وقيود فرضتها قوات الاحتلال، ونقاط تفتيش مهينة. ونتيجة لهذه الصعوبات التي لا يمكن تحملها، رحل كثير من المسيحيين الفلسطينيين إلى الغرب، وهو ما سبّب تراجعاً ملحوظاً في نسبة وجودهم داخل الأراضي المقدسة.

والوضع الذي يواجهه المسيحيون في العراق وسوريا ينطوي على قصة مختلفة تماماً. فمن تبقوا من أتباع الكنيسة المسيحية التي كانت ذات يوم مزدهرة في العراق، يعيشون الآن في رعب. والأميركيون، الذين لم يكتشفوا سوى مؤخراً وجود كنائس قديمة في بلاد الرافدين، لم يدركوا قبل غزو إدارة بوش الكارثي للعراق في عام 2003، وجود 1٫3 مليون مسيحي في ذلك البلد. ورغم تبنيه بعض التقاليد الدينية، إلا أن نظام صدام حسين كان علمانياً، ومن ثم، منح المسيحيين درجة من الحرية الدينية.

وكان من نتائج الغزو الأميركي الذي أطاح بنظام صدام وفكك أجهزة الدولة العراقية إطلاق العنان للحرب الأهلية بين المليشيات الطائفية المسلحة، التي كان من ملامحها «التطهير العرقي» لأحياء بأسرها، وبالطبع، كان من بينها أحياء مسيحية لا وجود لمليشيات تحميها.

وأثناء السنوات الخمس الأولى من حرب العراق، تراجع تعداد المسيحيين في ذلك البلد من 1٫3 مليون نسمة إلى 400 ألف فقط، من دون أن يكترث أحد في إدارة بوش لمأساتهم. ولم ينتبه الغرب لمصير المسيحيين العراقيين إلا بعد ظهور تنظيم «داعش» الدموي.

وما تزال القيادات المسيحية العراقية تحض من تبقوا على البقاء، خشية أن يؤدي استمرار تراجع أعدادهم إلى نهاية وجود مجتمعاتهم القديمة هناك. وربما تكون هزيمة «داعش» قريبة، ومن ثم قد يحصل المسيحيون والأقليات الأخرى على الحماية في محافظة نينوى، غير أن جو الخوف باقٍ أيضاً، وكثيرون ينصتون إلى أصوات اليأس، التي تشير إلى أنه لا مستقبل للمسيحيين في العراق!

ويختلف الوضع في سوريا، فنظام الأسد، الذي لا يقل وحشية، هو أيضاً نظام علماني، وقد وفّر الحماية للمجتمعات المسيحية هناك، الأمر الذي أكسبه تأييد كثير من القادة المسيحيين، الذين يخافون من «داعش»، وكثير من مليشيات المعارضة السورية الأخرى، التي تميل للطائفية المتطرفة. وظلّ كثير من المسيحيين في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، بيد أنه يساورهم القلق، وهم محتجزون بين شرّين، ويواجهون مستقبلاً مجهولاً.

والكنيسة القبطية في مصر هي أكبر كنائس الشرق الأوسط عدداً، ورغمَ حجمها، أو ربما بسببه، تظل عرضة للهجمات، وخصوصاً في ظل بعض الاضطرابات التي عرفتها الدولة المصرية في غضون السنوات الست الماضية.

وأثناء حكم جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية، شعر المسيحيون بأنهم مهدّدون بسبب ما اعتبروه محاولة لتسيس الدين وأسلمة الدولة، على حسابهم. وفي عام 2013، عندما تم إقصاء «الحكومة الإخوانية»، صبّ أنصارها جام غضبهم على المسيحيين، بسبب انضمام قيادتهم القبطية إلى شيخ الأزهر، تأييداً للمؤسسة العسكرية. وأثناء تلك الفترة، تم إحراق الكنائس، وتعرض المسيحيون للقتل والترويع.

ومنذ ذلك الحين، قدمت حكومة الرئيس السيسي وشيخ الأزهر إيماءات كبيرة دعماً للمسيحيين في مصر، فكلاهما دان الهجمات الإرهابية وعدم التسامح. وطالبوا ونفّذوا مراجعات للمناهج التعليمية والمواد الدينية الأخرى. وحضر الرئيس قداس أعياد الميلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي غضون أسبوعين، سيستضيف شيخ الأزهر أيضاً بابا الفاتيكان، في إطار مؤتمر حول حوار الأديان. ورغم تلك الجهود البناءة في مصر، ما يزال رد الفعل الرسمي في الولايات المتحدة على المآسي التي تواجه المسيحيين في العالم العربي مثيراً للإحباط، ولاسيما في العراق وسوريا وفلسطين.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.