حداد العوائل المحترمه في القرن التاسع عشر

د. ميسون البياتي

متابعة عادات الناس وتقاليدهم وتغيرها مع الزمن يعطينا مؤشرات واضحه على تأثير بعض الأحداث على حياة الناس أو يعطينا مؤشرات واضحه على تأثير شكل حياة الناس في وقوع أحداث معينه بعينها
نتحدث اليوم عن حداد العوائل المحترمه في القرن التاسع عشر فنقول أننا كنا نتندر بأن بعض الجماعات الهندوسيه غرب الهند كانت تتبع عادة ( سُتي ) وهي إحراق الأرمله مع زوجها عند حرق جثته كرهاً منها أو طوعاً , وأن هذه العاده أصبحت غير قانونيه بل يعاقب عليها القانون الهندي منذ عام 1829 ولكن لو دخلنا الى أوربا في نفس تلك الفتره فسنشاهد عادات حداد تسمى ( عادات عوائل محترمه ) أي أن من لا تمارسها لا تستحق الإحترام , تكاد تقتل المرأه أو تسبب لها عاهة نفسيه , بينما نفس العائله ( المحترمه ) لا تلزم الرجل بالكثير للتعبير عن حزنه أو حداده عند وفاة زوجته ومع هذا يبقى محترماً
عند العوائل المحترمه اذا ماتت الزوجه فليس على الزوج غير حمل شريط أسود رفيع فوق ملابسه على زنده الأيسر ليخبر الناس أنه في حالة حداد , ومدة وضع هذا الشريط غير محدده , يقررها الزوج بنفسه ولا تزيد عن أسابيع
الطامه الكبرى تقع على رأس الزوجه حين يموت زوجها , وبغض النظر عما اذا كانت تحبه أم لا , أو أن العشرة إنتهت بينهما ولكنهما مجبران على الإستمرار لتحريم الطلاق , وبغض النظر عن كونها هي أيضاً إنسانه وحياتها من حقها ولا يجوز دفنها خلال حياتها لأن زوجها مات
يمر حداد الزوجه بثلاث مراحل هي : مرحلة الحداد العميق , مرحلة منتصف الحداد , مرحلة الحداد الأخيره
مرحلة الحداد العميق تبدأ من اليوم التالي بعد وفاة الزوج وتستمر عاماً كاملاً على المرأة أن تتشح فيها بالسواد من أعلى رأسها الى أخمص قدميها , مع تغطية وجهها بوشاح أسود ثقيل لاتكاد ترى من خلاله , تحرم عليها جميع أنواع الأقمشه الناعمه والحرير وأي شيء به جمال , كما يحرم عليها الخروج من البيت أو الإختلاط بالناس
بعد نهاية العام تدخل الأرمله في فترة منتصف الحداد وتستمر هذه الفتره من 9 أشهر الى سنه , تبقى خلالها متشحه بالسواد من الرأس حتى القدم ولكن يسمح لها بإرتداء الحرير أو الدانتيلا وقليل من الأناقه , مع تحريم المجوهرات أو المعادن كالذهب أو الفضه مهما كانت قطعاً صغيره
عند الدخول الى السنه الثالثه من الحداد تبدأ مرحلة الحداد الأخيره يسمح للأرمله فيها بملابس طويله , وطويلة الأكمام بألوان غامقه تقترب من السواد وبأقمشه ساده ( خاليه من الرسوم أو النقوش ) فإذا صح للأرملة الزواج مرة ثانيه فلا يجوز لها ذلك إلا بعد ان تمضي في مرحلة الحداد الأخيره 6 أشهر .. وإن لم تتزوج من جديد فعليها البقاء في مرحلة الحداد الأخيره الى نهاية حياتها
بدخول أوربا الى القرن العشرين ودخولها في الحربين العالميتين الأولى والثانيه ووقوع قتلى بالملايين , ومفقودين بمئات الآلاف , وشيوع الموت بشكل جماعي , ومقابل كل موت كانت توجد حالة حداد , ومقابل كل فقد كانت توجد حالة حيرة وتوجع , كما أن خلو البيوت من الرجال دفع آلاف النساء للخروج من بيوتهن لكسب معيشتهن ومعيشة أطفالهن , كل هذه العوامل جعلت الموت لم يعد مهماً مثلما كان , وسلبته الكثير من الطقوس والعادات المصاحبه له , حتى أصبح اليوم كما نراه حولنا

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.