مسيحيو العراق … البيت المنقسم على ذاته

د. رياض السندي
– مقدمة
مسيحيو العراق جزء اصيل من الشعب، يحيا وفقاً لمبادئ مسيحية في بيئة إسلامية. وكأي جماعة مسيحية شرقية ساهمت في بناء الحضارة للبيئة التي تعيش فيها. وتعددت أشكال التعايش المسيحي-الإسلامي، إلا أن من المعروف إن المسيحيون إعتمدوا مبدأ التعايش السلمي ونبذ العنف إستنادا لتعاليم المسيح في المحبة والصفح، في حين ظلت البيئة الإسلامية، بيئة عنف إرتدادية، أي إنها سرعان ما ترتد الى الوراء في أي مرحلة حضارية كانت، لتستلهم التجارب الإسلامية السابقة، وترجع بمجتمعاتها الى بدايات عصر الدعوة الإسلامية، معتمدة العنف والتدمير.
وبعد أكثر من عشرين قرناً على ظهور المسيحية، وأربعة عشر قرناً على ظهور الإسلام، ما زالت الحاجة قائمة للبحث عن معيار سليم لبناء المجتمعات العربية على تنوعها للارتقاء في سلم الحضارة. ومن الطبيعي أن يكتسب المسيحي طبائع البيئة التي يعيش فيها، كما يكتسب المسلم الكثير من المفاهيم المسيحية التي لا تتعارض مع معتقداته.
إن الأزمة التي نشأت مؤخرا بين غبطة البطريرك لويس ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، والشيخ ريان سالم الكلداني، قائد كتائب بابليون، الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق التي تنتمي لقوات الحشد الشعبي في العراق، لم تكن الأولى، كما إنها لن تكون الأخيرة، هي أزمة ستتكرر ما دام المعيار الحقيقي لقيام المجتمعات غائباً ومفقودا.
ومن أجل دراسة وضع مسيحيي العراق عموما، وخاصة بعد 2003، إن المشكلة لا تنحصر بهذا الصراع فحسب، بل جملة من الصراعات والأزمات المتلاحقة. وسنحاول هنا دراسة هذه الأزمة وتداعياتها والاستنتاجات التي برزت عنها، وسبل معالجتها منعاً لأي أزمة أخرى في المستقبل، دون دفاع أو مجاملة لطرف على حساب أخر، فالمجاملة لا تبني مجتمعاً صحياً سليماً. فالبيت المسيحي في العراق يعاني من الانقسام، وكما قال المسيح «كُلُّ مَمْلَكَةٍ تَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ. وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ يَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهِ، لاَ يَصْمُدُ”. متى 25:12.
كما يطرح هذا المقال، الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الجماعات المسيحية في تلك البيئات الإرتدادية، وهو بلا شك دور صعب جداً، لأنه دور بنّاء في بيئة هدّامة، وخاصة في زمن الفوضى الخلاقة.

– فتيل الأزمة
أثارت تصريحات صادرة عن (الشيخ) ريان الكلداني، قائد كتائب بابليون التابعة للحشد الشعبي خلال مقطع فيديو قصير نشر في 15 شباط 2017، أزمة جديدة تضاف لأزمات العراق الكثيرة، قال فيه: –
“اليوم نحن قلنا وأصرينا أن المسيحيون سوف يأخذون بالثأر في محافظة نينوى، وسوف تكون معركتنا في محافظة نينوى هم أحفاد يزيد ونحن أحفاد جون ووهب، معركة ستكون مسيحية مع أحفاد يزيد. التاريخ يعيد نفسه”.
ويلاحظ على الفيديو:
1. إن هذا مقطع مجتزأ.
2. جرى إعادة التصريح مجزءاً من قبل قناة الحدباء، وقد تم حذفه لاحقا. وسرعان ما تناقلته مواقع أخرى منها، موقع قناة البغدادية
(http://www.albaghdadia.com/
قناة الشعب العراقي)، وهو موقع الكتروني وعلى موقع الفيسبوك. ونشر في ذات اليوم على موقع مركز إعلام الربيع العراقي
(www.iraqispring.com)،
وغيرهما.

3. سبق لقناة الجزيرة بإسبوع واحد، إن نشرت تقريرين حول ذلك. الأول تقرير: فتحي إسماعيل، تاريخ البث: 2017/2/7″ بعنوان “الحشد المسيحي.. مشهد جديد لغياب الدولة العراقية” جاء فيه: “من نافذة الانتهاكات ضد المدنيين شمالي الموصل يجتذب الحشد المسيحي العراقي الأضواء، هذه المرة متوعدا على لسان أحد قادته أبناء القبائل العربية إن لم يغادروا المنطقة خلال 72ساعة، وفي مشهد جديد في مسلسل غياب الدولة وتغول المليشيات.. أما الثاني فكان بعنوان “إنتهاء المهلة الممنوحة لسكان شمالي الموصل” لمراسلها من كردستان أمير فندي، تاريخ البث: 2017/2/10، جاء فيه: تنتهي اليوم مهلة الحشد المسيحي لطرد القبائل العراقية من تلكيف شمال الموصل وسط صمت حكومي رسمي. ويعيش سكان المنطقة، التي تسيطر عليها مليشيات الحشد الشعبي منذ نحو شهر، حالة من الذعر والقلق.. مما مهّد للتصعيد الإعلامي ضد كتائب بابليون.
4. إن هذا الطرح قديم ومكرر، وقد ظهر منذ سقوط الموصل بيد داعش عام 2014، وعلى سبيل المثال، في تصريح سابق للسيد ريان الكلداني لقناة بلادي العراقية بتاريخ 20 مايس 2015 بعنوان “قائد حركة مسيحية تابعة للحشد الشعبي ريان الكلداني يقول لداعش أنتم أحفاد يزيد ونحن أحفاد جون ووهب”، وفيه يقول: ” اليوم نحن تركنا السياسية … إذا تلاحظ اليوم التاريخ يعيد نفسه، حين قاتل جون ووهب مع الامام الحسين، كان ما منتظر أن يأخذ فتوى من رجل الدين المسيحي، ذهب لنصرة العالم… اليوم جميعنا متكاتفين ضد تنظيم داعش الارهابي، وأكررها مرة ثانية هم أحفاد يزيد ونحن أحفد جون ووهب”.
5. إنه يستند الى رواية شيعية تتحدث عن شخصين مسيحيين شاركا في معركة الطف الى جانب الحسين (ع) في 10 محرم 61 ه (12 تشرين الأول 680م)، إلا إن هذه الرواية لا يوجد ما يعززها في مصادر التراث المسيحي الشرقي. ويرد إسم جون هذا في قائمة قتلى معركة الطف مجرداً من إسم والده، بل يشار اليه بصفته (مولى أبي ذر الغفاري)، وإسمه الكامل جون بن حوي بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي (2). أما وهب، فيرد إسمه ضمن ذات القائمة كاملا، بأنه (وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي). الذي تقول المصادر الشيعية انه شاب بعمر 27 سنة كان قد تزوج حديثاً، وكان يسكن خيمة في صحراء الثعلبية على الطريق الى كربلاء، في منطقة خالية من آبار الماء وتقع هذه المنطقة بعد بركة “أبو مسك ” بمسافة 7 كم، وبعد آبار “شراف” بمسافة 16 كم (3)، وتعدهم المصادر الشيعية ضمن أنصار الحسين، حيث قاتلا معه حتى قتلا.
6. إن خطاب ريان الكلداني يدعو (لأخذ الثأر في محافظة نينوى)، ولم يشر الى أهل نينوى، أو المسلمين فيها تحديدا، سوى بصيغة ضمير الغائب (هم).

– تصريحات متبادلة
وسرعان ما ردّ إعلام البطريركية الكلدانية عبر بيان أو تصريح موجز 15/2/2017 بعنوان: “البطريركية الكلدانية تستنكر تصريحات السيد ريان الكلداني حول الانتقامات من أهالي الموصل”، جاء فيه:
“تستنكر البطريركية الكلدانية بشدة تصريحات السيد ريان سالم الكلداني التي تناقلتها نشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تعلن الحرب على مسلمي الموصل واخذ الثأر من أحفاد “يزيد” زاعما انه ومن معه هم أحفاد “جوني ووهب”. هذا كلام غير مسؤول.
اننا نعلن للجميع ان السيد ريان لا صلة له بأخلاق المسيح رسول السلام والمحبة والغفران، ولا يمثل المسيحيين باي شكل من الاشكال، ولا هو مرجعية للمسيحيين، ولا نقبل ان يتكلم باسم المسيحيين. ان تصريحاته المؤسفة تهدف الى خلق الفتنة الطائفية المقيتة. على السيد ريان ان يحترم اخلاق الحرب ويحترم حياة الأبرياء ونعتقد ان الحشد الشعبي يرفض كذا تصريحات ومواقف”(4).
وقد أثار مقطع الفيديو هذا، وبيان البطريركية أعلاه، زوبعة كبيرة بين مؤيد ومعارض، غاب في ظلّها صوت العقل والمنطق، مع وجود مجموعات الكترونية تتحرك بشكل مجند أو تطوعي تميل لهذا الطرف أو ذاك، فتطبل وتزمر وتركب موجة الدين، والموالاة للرموز الدينية في المجتمعات المتخلفة، بمجرد الإشارة الى شخص معين وإتهامه بالتهمة الجاهلية المعروفة، بأنه “سبّ ألهتنا”، كما يحدث في باكستان والعراق ومصر ودول أخرى، حيث يقتل الشخص ويرجم بشكل بشع عند إتهامه بأي تهمة، مثل: تمزيق القرآن، والكفر بالله، وتحريف آية، وحرق صورة مقدسة. وقد ذهب الكثير ضحايا مثل هذا التحريض الديني.
وأهم ما في هذا البيان النقاط التالية: –
– إنه يعد هذا التصريح بمثابة إعلان حرب على المسلمين، ويهدف الى خلق الفتنة.
– إن البيان يجرد ريان من إيمانه المسيحي.
– حرمان ريان من تمثيل المسيحيين، أو التحدث بإسمهم، أو إعتباره مرجعية لهم.
– إن التصريح يخالف قواعد الحرب.
– يطالب الحشد بموقف رافض لهذا التصريح.
والواقع، إن هذا البيان البطريركي، أقل ما يقال عنه، إنه بيان متسرع ومبالغ فيه الى درجة كبيرة، وإنه يخلط مسائل عدة في بوتقة واحدة، كما إنه يفتقر للموضوعية، كما هو معتاد في أغلب بيانات إعلام البطريركية الكلدانية، التي ما فتئت تصدرها بين حين وأخر في مسائل تندرج ضمن إختصاصها، وفي أحيان كثيرة خارج هذا الاختصاص أيضا. ولم تستطع البطريركية معالجة هذه المسألة الحساسة والحيوية، لما يشكله الإعلام من سلطة وتأثير في عالم اليوم، على الرغم من المناشدات الكثيرة من العديد من الكتاب والمفكرين المسيحيين تحديداً. وقد سبق وأن نشرنا مقالا حول ذلك بعنوان (بؤس إعلام البطريركية الكلدانية) (5)، نشر على العديد من المواقع المسيحية تحديداً، وقد إعتبر العديد إن كلمة بؤس، ذات وقع ثقيل، إلا إنه إتضح فيما بعد، إنها أقل وصف لواقع هذا الاعلام في الوقت الراهن. كما نشر غيري ذلك. إلا أن أمثال هذه الدعوات تثير لدى المدافعين عن البطريركية جدلا سفسطائيا لا طائل منه.
وبالمقابل، أصدر المتحدث باسم كتائب بابليون السيد ظافر لويس بيانا شديد اللهجة، نشرته قناة السومرية العراقية على موقعها الرسمي في اليوم التالي بتاريخ 16/2/ تحت عنوان 2017، “بابليون” تستغرب تصريحات “ساكو” وتصفه برجل الدين “المسيس” وتهدد بمقاضاته، جاء فيه:
أبدى متحدث باسم كتائب “بابليون” إحدى فصائل الحشد الشعبي، الخميس، استغرابه من تصريحات رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم “لويس روفائيل ساكو” والتي استنكر فيها تصريحاً لقائد الفصيل ريان الكلداني، مشيرا الى ان تصريحات الاخير كانت قبل نحو سنة ونصف، فيما وصف ساكو بأنه “رجل دين مسيس” وتصريحاته “مدفوعة الثمن”، وهدد بمقاضاته.
وقال المتحدث باسم “بابليون” ظافر لويس، في بيان تلقت السومرية نيوز، نسخة منه، “نستغرب بشدة أن ينساق لويس روفائيل ساكو وراء الاعيب الإعلام المغرض ويكون ضحية التضليل والتلاعب والتقطيع لكلام قاله الأمين العام لحركة بابليون قبل أكثر من سنة”.
وأوضح لويس أن امين عام بابليون ريان الكلداني “مازال يوكد بأن داعش هم أحفاد يزيد واتباع الخوارج”، لافتا الى أن “كلام الكلداني كان قبل سنة ونصف السنة، ونقلته الآن وسائل علام تحاول البحث عن مادة إعلامية للإثارة”.
واضاف لويس “نستغرب ان ينساق هذا رجل الدين المسيس وراء هذه الحملة المغرضة التي تستهدف النسيج الاجتماعي والديني في الموصل”، مشيرا الى أن “هذا التصريح المغرض للويس ساكو مدفوع الثمن ومن أطراف لا تريد الخير والسلام للعراق وأهله” على حد قوله.
وأبدى لويس أسفه أن “يتحول هذا الرجل إلى مستنقع وعاظ السلاطين وابواق الشياطين ليتخلى عن دوره اللاهوتي وزرع السلام والمحبة في ربوع الوطن ويقحم نفسه في أنفاق الطائفية المقيتة”، مؤكدا “سنقاضيه لكي يرعوي ويتعظ ويعرف حدوده ودوره ووظيفته دون أن يتحول إلى بوق للطائفية ومطية للأصوات السياسية النشاز”.
وكان رئيس البطريركية الكلدانية لويس روفائيل ساكو استنكر، أمس الاربعاء (15 شباط 2017)، بشدة تصريحات قائد فصيل بابليون في هيئة الحشد الشعبي ريان سالم الكلداني والتي أعلن فيها ما قال إنها “الحرب على مسلمي الموصل واخذ الثأر من أحفاد يزيد”، واصفاً هذا كلام بغير المسؤول.
يذكر ان عددا من وسائل الاعلام نسبت تصريحا للقيادي في بابليون وهي القوة المسيحية التي تنضوي تحت قوات الحشد الشعبي مفاده بانه أعلن الحرب على مسلمي الموصل “لأخذ الثأر”.
ويمكن إيجاز ما ورد في البيان، بما يلي:
1. أن ساكو وقع ضحية التضليل والتلاعب الإعلامي.
2. أنه رجل دين مسيس.
3. إنه تحول الى مستنقع وعاظ السلاطين وأبواق الشياطين، متخلياً عن دوره اللاهوتي.
4. إنهم سيقاضون ساكو لكي يرعوي ويتعظ ويعرف حدوده ودوره ووظيفته.
5. يطالبونه أن لا يتحول الى بوق للطائفية ومطية للأصوات السياسية النشاز.
ويبدو من لغة البيان، انه لم يعد من قبل ريان، الذي مازال يخاطبه بعبارة (سيدنا)، أو أي جهة مسيحية أخرى، التي تكن كل الاحترام والتقدير للبطريرك ساكو بإعتباره مرجعية دينية تمثل الكنيسة الكلدانية، أكبر الطوائف المسيحية في العراق. وفي تقديري إن البيان أعد في هيئة الحشد الشعبي، التي لا يخفى على أحد موالاتها لإيران. ويمكن القول إن هذا بيان إيراني صرف.
ورد البطريرك ساكو على البيان أعلاه بعبارة موجزة نشرتها الشرقية في 16/2/2017 بالنص: ساكو يرد على “بابليون”: أنا رجل دين عراقي ولست رجل سياسة ولا أحتاج للمال”.
وإذا كان البطريرك ساكو قد إستخدام إسلوب تجريد ريان من إيمانه المسيحي، وهو شبيه الى حد ما بإسلوب التحريم الكنسي القديم، أو التكفير لدى المذاهب الإسلامية، وبالمقابل إستخدم ريان إسلوب اللجوء للقضاء، وهكذا إستخدمت البطريركية سلاح الدين، فيما إستخدم الحشد سلاح السلطة او سلطة القانون.
وكالعادة فقد إنبرى العديد من الكتاب للدفاع عن وجهة نظر البطريركية الكلدانية في معظمها بدافع الإيمان أو المصلحة لا المنطق، وإستغل الموقف العديد من خصوم البطريرك ومنتقديه التقليديين، وغاب صوت المنطق، كما أسلفنا، باستثناء عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

– الإعلام سلاح الطرفين
وعاد طرفا الأزمة الى توضيح أراءهما السابقة، بشكل غير موفق. فأجرت قناة الشرقية في حصادها الاخباري يوم 17 شباط 2017 لقاءا عبر الهاتف مع بطريرك الكلدان ساكو، قال فيه: يعلن حرب المسيحيين على المسلمين، هذا إعلان حرب، كلام غير مسؤول، فهو لا يمثل المسيحيين وليس مرجعية مسيحية. هو مجرد مقاتل في الحشد الشعبي، يجب أن يحترم قوانين الحشد، ويدافع بأخلاقية عالية عن الأراضي العراقية، ويحترم قوانين الحرب، وغير ممكن أن نقبل ايضا بصراع جديد بين الطوائف العراقية على أساس دين أو مذهب، أو حتى عرف. أنا أعتقد أن الحشد الشعبي سوف يتخذ قرارا بكذا تصريحات، وأيضا الحكومة العراقية ملزمة بوقف كذا تصريحات أو إنتهاكات”.
وفي نفس الحصاد تم اللقاء مع ريان الكلداني، الذي أوضح قائلا: “هذا التصريح كان قبل أكثر من سنة ونصف، هذا كلام الفيديو مقطوع. أنا تحدثت قلت داعش هم أحفاد يزيد … أنا لم أقول السنة، السنة هم إخوة لنا…هذا الكلام مقطوع، وهذا الفيديو مقطوع… وأنا صراحة أتعجب على بعض رجال الدين، الذين يتحدثون بكلام، وهم لا يعلمون ما حدث وحصل في هذا الفيديو. أنا لحد الان أقول… داعش وليس أهل الموصل”.
وفي لقاء على قناة دجلة في نفس اليوم، قال ريان: هذه القنوات نقلت الصورة، وسيدنا ساكو تحدث بكلام على خلفية القناة، لا يرجع على الفيديو الحقيقي، ولكن حسب ما وردتني معلومات سوف يكون هناك بيان صادر من قبل لويس ساكو حول هذا التصريح، وسوف يقوم بإعتذار، وإتصل بالقناة الفضائية قال يجب أن تصححوا البيان، وتم تصحيح البيان. وخرجت هذه القناة اليوم صححت الحديث الذي نقل كاملا”.
وفي لقاء على قناة NRT بتاريخ 18/2/2017، تحدث ريان الكلداني، قائلا: ” تم إصدار بيان حول هذا الموضوع. بعض القنوات تحاول أن تؤجج الفتنة الطائفية… فهم التصريح خطأ، تم قطع كلامي… أهالي الموصل أهلنا، ونساء الموصل أخواتنا…أنا قلت إن أهل الموصل لا نريد أن نظلمهم مرتين، مرة نتهمهم بأنهم دواعش، ومرة نتركهم بيد داعش. أنا مسيحي وأفتخر بمسيحيتي، كيف أحد ينتقم من أهله، أنا إبن الموصل. وأنا لا أمثل المسيحيين فقط، أنا أمثل أنا عراقي… وحتى البيان الذي صدر من سيدنا ساكو، أنا آجل له كل الإحترام والتقدير، وصلتنا معلومات إنه رجع الى الفيديو الحقيقي، ولاحظ بعينه إن هذا الفيديو مفبرك، خرجت على هذه القناة، ووصلتني معلومات إنه إتصل بهذه القناة وقال لهم، يجب أن تعتذروا.
وفي لقاء أخر أجرته قناة الغد بريس مع البطريرك ساكو بتاريخ 19/2/2017، تحت عنوان: ” في مقابلة مع “الغد بريس” بطريرك الكلدان: لسنا ضد انضمام المسيحيين للحشد لكننا ضد التجاوزات باسم المسيحية واقترحنا رفع الديانة من البطاقة الوطنية”، جاء فيه: –
*رغم ما تذكرونه فقد رفضتم ان يتم حمايتكم من قبل قوات اجنبية او حتى مليشيات محلية… لماذا؟
-هذه ليست ثقافة المسيحيين، حماية المسيحيين وغيرهم واجب الحكومة، المليشيات واحدة من المشاكل خاصة المليشيات المنفلتة في بغداد نفسها، هناك خطف وتفجير وقتل، والمسيحيون مكون بسيط فلماذا يشكلون فصائل مسلحة؟ وكيف يمكن أن يحموا كل سهل نينوى؟ خصوصا وان سهل نينوى منطقة تماس ساخنة بين العرب والاكراد، وصراحة انا ارى هذا الامر غير مقبول، وسهل نينوى ليست حدودا بين بلدين كي يتم حمايتها بقوات دولية بل هي دولة واحدة، وهذا الامر لن تقبل به لا حكومة المركز ولا حكومة الاقليم، وانا اقترحت ان يكون في سهل نينوى مكتب اممي للمراقبة، وكذلك فأن المسيحيين سينخرطون في القوات المسلحة وحتى البيشمركة، اما خلق كيانات منغلقة على ذاتها فهذا نوع من الموت.
*خرج تصريح من حضرتكم يدعو المسيحيين الى عدم الانخراط في الحشد الشعبي.. ما مدى دقة هذا التصريح؟
-ابدا، هذا التصريح غير دقيق، لكن هناك بعض المسيحيين في الحشد الشعبي ينتحلون اسماء مسيحية، أسماء كلدانية مثل الشيخ الكلداني، الحشد الشعبي لا يحتاج الى تسميات متعددة، الامر به خطورة، هناك اكثر من شخص يدعي انه مسيحي ويتجاوز على الناس، بعض هؤلاء الناس اسرى ويتم وضع الاحذية على رؤوسهم واهانتهم، هذا الامر لا تقبله الديانة المسيحية، لسنا ضد انضمام المسيحيين الى الحشد الشعبي لكننا ضد التجاوزات باسم المسيحية، والامر لا يتعلق بالمسيحيين بل نرفض التجاوزات مطلقا.
*لكن لواء بابليون استقبل حضرتكم في تلكيف حينما زرتموها بعد التحرير؟
-انا تفاجأت صراحة ووبختهم لأني رأيت صورة للإمام علي عليه السلام، مع صليب مسيحي، فالأمر لا يحتاج الى رمز ديني لان الحشد الشعبي جاء ليحرر المنطقة او جزءا منها، عموما هذا لا يعني انني اؤيدهم بأي شكل من الاشكال، نحن مع كل القوى الرسمية العربية او الكردية التي تساهم في دحر داعش، احيانا يقع اللقاء بأشخاص نتيجة الاحراج ومن التقيته هو من اهل تلكيف اساسا.
وهنا تثور جملة تساؤلات: لماذا ينتقد البطريرك الكلداني ساكو كتائب بابليون فقط، وهي واحدة من سبع فصائل مسيحية مسلحة؟ وهل يمّثل ريان الكلداني مسيحيي العراق سياسياً، لا سيما وإن إسم تنظيمه السياسي هو الحركة المسيحية في العراق؟ وهل يمّثل البطريرك ساكو جميع مسيحيي العراق دينياً؟ وهل يمّثلهم البطريرك الكلداني سياسياً؟ وقبل هذا وذاك، أين مسيحيو العراق في زحمة هذا الصراع كله؟
هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عليها من خلال استعراض كافة جوانب الموضوع، لإعطاء صورة واضحة عن وضع المسيحيين في العراق في الوقت الراهن ومنذ عام 2003.

– الحاضر الغائب
أما الحاضر الغائب في هذا الصراع، فهم مسيحيو العراق، الذي يتحدث طرفي الصراع وأنصارهم بإسمه. فمن المعروف إن مسيحيي العراق يعشون الان أوضاعا صعبة بعد تهجيرهم من معقلهم التاريخي الثاني مدينة الموصل، بطريقة مشابهة لذات السيناريو الذي حدث عام 1915-1917 عندما أقتلعوا من معقلهم الحصين قوجانس في جبال حكاري التركية أيام الدولة العثمانية، بعد أن غادره قرابة 150 ألف مسيحي، ولم يصل الى العراق سوى ثلث هذا العدد.
ومنذ ذلك التاريخ فقد إتخذوا من مدينة الموصل الأثرية حصناً لهم يعوضهم عن معقلهم السابق الذي فقدوه وللأبد، إلا إنه وبعد مرور مئة عام تقريبا، تكررت نفس الهجرة من محافظة نينوى التي إحتلها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، والمعروف إختصاراً ب (داعش) في 10 حزيران 2014، وإمهلوا المسحيين فيها بإتباع قواعد الشريعة الإسلامية القديمة التي يرجع تاريخها الى ما قبل منذ 1437 سنة تماما، وهي إما دفع الجزية، أو إعتناق الدين الإسلامي، أو المغادرة، فغادرها جميع مسيحيي الموصل تقريبا بعد منحهم مهلة إسبوع واحد تنتهي في 18/7/ 2014، وفقا لبيان صادر من هذا التنظيم، الذي خيرهم بين: 1- الإسلام. 2- عهد الذمة (وهو أخذ الجزية منهم). 3- فإن هم أبوا ذلك فليس لهم سوى السيف، بحسب البيان.
وفرغت المدينة من وجودها المسيحي الذي إستمر طيلة 1800 سنة، فغادرها نحو 25 ألف شخص، وبذلك انخفض عدد المسيحيين من حوالي مليون و400 ألف في عام 2003 في أزهى عصورهم، الى قرابة نصف مليون حاليا، أو 400 ألف شخص، ما يعني هجرة أكثر من ثلثيهم، أي حوالي 71,5 %، ولم يبقى منهم سوى 28,5 % من المسيحيين سكان العراق. (7)

– الصراع على تمثيل المسيحيين
إن المدقق لتصريحات الطرفين السابقة وتوجهاتهم السياسية يكتشف إن جوهر هذا الصراع هو تمثيل مسيحيي العراق، فمن يمثل هذه الفئة من الشعب العراقي الأخذة في التناقص؟
فريان سالم صادق الكلداني، الذي أضفى على نفسه لقب (الشيخ) مدعيا إستمداده من بطريرك الكنيسة السابق عمانوئيل دّلي، هو مسيحي كلداني من ناحية القوش التابعة لمحافظة نينوى وقائد كتائب بابليون وهي الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق، إحدى تشكيلات الحشد الشعبي التي تتلقى الدعم العسكري من الحكومة العراقية، آخر 800 متطوع انضم لهذه الكتائب تدربوا في 3 معسكرات مقامة في بغداد ومحافظة صلاح الدين (الشمال). ويوضح الكلداني أن مشاركة مقاتليه في المعارك تتم “تحت إمرة أبي مهدي المهندس”، الذي يعد من أبرز قادة الفصائل الشيعية، ويتولى رسميًّا مسؤولية نيابة رئاسة “هيئة الحشد الشعبي”، ويبلغ عدد مقاتليه اليوم 1000 مقاتل جميعهم من المسيحيين العراقيين. وقد كشفت عدة مصادر أن طهران تشجع قيام تحالفات رمزية عابرة للطائفية ضد تنظيم داعش، وذلك من خلال إنشاء ميليشيات صغيرة من الأقليات داخل صفوف «وحدات الحشد الشعبي»، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الجماعات المسيحية «كتائب بابليون» و«كتائب روح الله عيسى بن مريم»، إضافة إلى الفصائل السنية الأصغر حجمًا.
كتائب بابليون هي حركة وقوات مسيحية كلدانية وهي احدى فصائل الحشد الشعبي في العراق يقودها ريان الكلداني، وقد تأسست هذا الفصيل في ديسمبر سنة 2014، بعد أن قام تنظيم الدولة الاسلامية بالسيطرة على الموصل وسهل نينوى، شاركت هذه القوات بمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية مع فصائل الحشد الشعبي الأخرى في عدة محافظات من بابل وديالى والأنبار وصلاح الدين ومحافظة نينوى وكان من ضمن المناطق التي حررتها دير مار بهنام مع قوة عراقية. (8)
– إنكار البطريركية الكلدانية للحركة وعدم شرعيتها
وقد سبق للبطريركية قبل عام تقريبا، إن أصدرت البطريركية الكلدانية بياناً بالعدد 49 في 13 مارس 2016 تؤكد فيه ان لا علاقة لها بكتائب بابليون ولا بقائدها ريان الكلداني ولا تمثلها وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب العراقي فقط. هذا نصه: –
“تؤكد البطريركية الكلدانية الا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بكتائب بابليون او غيرها من الفصائل المسيحية المسلحة ولا بالشيوخ الكلدان.
كان مثلث الرحمات البطريرك الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلي قد منح كتبا رسمية لبعض الأشخاص استغلوا مرضه، يعلن فيها انهم شيوخ، لكن منذ تسنم غبطة البطريرك الحالي مار لويس روفائيل ساكو مهامه وجه كتاباً الى المراجع الحكومية يعلمها بانه لا يوجد للكنيسة الكلدانية شيوخ يمثلونها، انما مرجعيتها السياسية هي الحكومة العراقية وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب.
ولم يستقبل غبطته أحدا من هؤلاء ولم يمنحهم أي كتاب أو تخويل”. (9)

كما تم إنكارها من قبل أعضاء مجلس النواب ومنهم عماد يوخنا ويونادم كنّا حيث صرح النائب ان رئيس هذا الفصيل المسلّح لا يمثّل المسيحيّين والكتائب التي يقودها تمثّله شخصيّاً وهو بعيد عن المسيحية ولا يمثلها، كما ان الكنيسة الكلدانية أكّدت فيهما تخلّيها عنه وأنّه لا يمثّلها وبقي البعض في الأوساط العامة يعتمده كمقاتل مسيحيّ يمثّل المسيحيّين.
وبينما يؤيد الكثيرون موقف غبطة البطريرك الجليل مار لويس ساكو في عدم مباركة تشكيل جماعات مسلحة خاصة بمكون معين حتى ولو ارتبطت بقوات معترف بها مثل الحشد الشعبي والبيشمركة، لكنهم ينتقدون أيضاً صمت البطريرك على القوة التي شكلتها البيشمركه باسم قوات سهل نينوى أو قوات الزوعا من الأحزاب (الكلدانية والسريانية والآثورية) ويقولون إنه طالما توجد مجموعات مسلحة تمثل المكونات والأحزاب فانه لا يجوز الاعتراض على ريان الكلداني”. (10)

– تدخل أم عدم تدخل؟
ومن جهة أخرى، فانه لا يخفى على أي متابع طموحات البطريرك السياسية، ومنذ عام 2003 شارك بلعب دور سياسي، فترشح عضوا في مجلس محافظة نينوى نائباً عن مسيحيي الموصل. أما مواقفه من القضايا السياسية فهي متباينة ومتناقضة وتثير جدلا في معظم الأحيان، مما يضطره للتوضيح دوما، وغالباً ما يأتي التوضيح ليثير جدلاً أكبر.
وعلى الرغم من صدور تصريح بطريركي بعدم التدخل بالسياسة، إلا إن المواقف تشير الى خلاف ذلك، فبتاريخ 14 – 4 – 2013 صدر عن اعلام البطريركية الكلدانية في بغداد وبتوجيه مباشر من غبطة مار ساكو توضيحا رسميا في غاية الاهمية والموضوعية والحكمة يخص موقف الكنيسة الكلدانية من العمل القومي والسياسي حيث نص: (لا يمكن لمؤسسة كنسية بحجم الكنيسة الكلدانية ومسؤوليتها ان تزج نفسها في العمل القومي والسياسي على حساب رسالتها هذان المجالان من اختصاص العلمانيين)، كما إن البطريرك ذاته سبق وإن أنذر كهنة الكنيسة الكلدانية بعدم التدخل بالسياسة وفصلها عن المسيحية في تصريح لصحيفة الزمان بتاريخ 22/5/2013، جاء فيه: –
البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية
بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق
رفض البطريرك لويس ساكو أمس الضغوط التي يتعرض لها من قساوسة ورجال دين ومراكز قوى في داخل العراق وخارجه بتزعم حزب للكلدانيين أو دعم مثل هذا الحزب الذي يدعو الى إقامة الدول الكلدانية في الصلوات والخطب الدينية.
ودعا في رسالة تلقتها وكالة انباء الفاتيكان الى فصل الكنيسة عن السياسة. وأكد ساكو في رسالته ان العمل السياسي من حق العلمانيين فقط ولا يمكن للكهنة ان يكونوا نشطاء أو اعضاء في تيارات أو أحزاب، لأن مهمتهم الكهنوتية هي خدمة الجميع من دون استثناء.
من جانبها قالت مصادر مقربة من ساكو لـ الزمان ان الرسالة التي وجهها ساكو مدعومة من بابا الفاتيكان وبعلمه واطلع عليها قبل نشرها.
وأوضحت المصادر في تصريحاتها ان ساكو يرفض الاصوات التي تنادي بالقومية الكلدانية وتلغي السريان والآشوريين والأرمن في العراق.
وأضافت المصادر ان الكردنال ساكو يرفض ان يجعل الكنيسة صوتا للقومية الكلدانية على حساب رسالتها الدينية”. (11)
وبعد سنتين، وتحديدا في 10/05/2015، وعند ترأس البطريرك لويس ساكو لندوة تعريفية عن الرابطة الكلدانية في بغداد، قال بالحرف الواحد:
“وأعتبر البطريرك الكلداني وجود خمسة فصائل مسلحة مسيحية، ثلاثة منها ضمن الحشد الشعبي وواحد تحت لواء حزب البارتي وأخر مع الاتحاد الوطني الكردستاني دليل على أنشطار الموقف المسيحي في العراق ولا وجود لمرجعية سياسية حقيقية تمثله مما دفع بالكنيسة لسد هذا الفراغ”. (12)
ثم عاد ثالثة لتوضيح موقف الكنيسة من السياسة، من خلال مقال بعنوان (البطريرك ساكو يكتب: جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي)، نشر على موقع أبونا الألكتروني، جاء فيه:
” يكمن الفساد والخروج عن الموقف الانجيلي المبدئي، عندما تنتقل الكنيسة الى سدّة الحكم وتتحول الى قوّة سياسية وعسكرية تحكم باسم الدين كوحدة مشتركة كما الحال اليوم في بعض دول منطقتنا.
أجل قد تنتقد البطريركية أداء وتبعية البعض، لكنها أيضا لا تريد ان تكون قوة ومرجعية سياسية. والبطريرك لا يسعى ابدا ليكون زعيما قوميا للكلدان ولا قطبا سياسيا للمسيحيين. يكفيه ما له من مسؤوليات واعباء، لكن من واجبه كأب وراعٍ وفي ظل البيئة السياسية والاجتماعية والامنية الحالية على اثر الصراعات المتعددة وظهور داعش وتداعياته، ان يدافع مثل معلمه المسيح عن المظلومين والمقهورين والمهجرين والفقراء، وان يدعو الى تحقيق المصالحة الوطنية والشراكة الفعلية لبناء دولة قوانين عادلة ومؤسسات، ووطن شامل يحتضن الكل على حدّ سواء. من هذا المنطلق بعينه، وبغية ان “نبقى معًا” دعا الى تكوين مرجعية سياسية مسيحية من نخب وأحزاب وتنظيمات ذات اقتدار لتكون الصوت السياسي للدفاع عن حقوق المسيحيين الاجتماعية والسياسية الكاملة، وتقوم بدور وطني رائد بالتعاون مع المرجعيات السياسية الاخرى. وهذا المنطلق بحد ذاته، يبين ضحالة ما يشاع من آراء غير واقعية، والعقبة امام تشكيل كذا هيئة هو التشدد القومي والطائفي!
لا غرو ان للناس آراء وتطلعات مختلفة ومتباينة، وترضية الناس غاية تدرك، الا أننا نستطيع أن نخلص الى القول بأن المرجعية المسيحية ان تشكلت والرابطة الكلدانية ستخففان من وطأة عمل البطريركية لمتابعة تفاصيل شؤون المسيحيين اليومية!”. (13)
والى جانب الكثير من الأقوال التي تشير الى عدم تدخل البطريركية في الشأن السياسي أو تولي المناصب، إلا إن الأفعال تأتي في غالب الأحيان على النقيض من تلك الاقوال، وقد برز هذا الموقف بوضوح على صعيد الإدارة الكنسية، وخاصة بعد الانسحاب من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، بسبب رفض منح الرئاسة لبطريرك الكلدان.
وكان إعلام البطريركية الكلدانية قد سبق وأصدر توضيحا حول ذلك الانسحاب وعلى موقعه الرسمي في 18 يناير 2017، قائلا: “صراحةً، لو لم يتم نشر بيان المجلس في وسائل الإعلام بعبارات غير موفقة لما كنا قد علّقنا. كانت البطريركية الكلدانية قد قدمت طلبا بتغيير التسمية والنظام الداخلي في 14 اذار 2016، لكن المجلس لم يستجب. فما كان من الكلدان سوى الانسحاب حفاظا على كرامتهم وحقوقهم. ثم عاد غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو من جديد ليقدم مشروع متكامل ومدروس … وتضمن المشروع في (ب) منه على تشكيل هيئة إدارية يكون بطريرك الكلدان رئيسا لها. (14)
في حين أبدى البيان الإعلامي الصادر عن مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، المرقم م ع/1-2017 الصادر في 3 كانون الثاني 2017، أسف المجتمعون لقرار غبطة مار روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى المسبق (13 كانون الأول 2016) بسحب الكنيسة الكلدانية الشقيقة بسبب طلبه رئاسة المجلس خلافا للنظام الداخلي”. (15)

– مواقف مثيرة للجدل
أصدرت البطريركية الكلدانية جملة من المواقف في مسائل سياسية متعددة، أثارت جدلا كبيراً في كل مرة. وهذا لا يعني بالضرورة أن جميع هذه المواقف خاطئة أو غير صائبة، على الأقل في جزء منها، إلا إن الطرح لم يكن موفقاً من ناحية جهة الطرح وأسلوبه. ومن هذه المواقف السياسية، على سبيل المثال لا الحصر: –
• دعوة جميع المسيحيين لتبني مصطلح “المكون المسيحي”
وجّه البطريرك الكلداني لويس ساكو يوجه نداء الى المكون المسيحي في العراق في 16 كانون الأول/ديسمبر 2016، جاء فيه: – “لقد حان الاوان ليتبنى المسيحيون مصطلح “المكون المسيحي”، وهذا لا يتعارض مع الهويّات الخاصّة التي تمتدّ جذورها إلى الاف السنين، ولا ينبغي تضييع الوقت في تجاذبات الهويّات؟”.
إن إعتماد هذه التسمية يتطلب موافقة جميع الطوائف المسيحية في العراق، والمنضوية تحت هذه التسمية، التي ليست حكراً على طائفة الكلدان. (16)

• ساكو ينتقد قرارات ترامب ويصف مطالبته بتعجيل قبول اللاجئين المسيحيين بـ”الفخ”
انتقد بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكو، اليوم الثلاثاء، قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحظر سفر مواطني سبع دول إسلامية للولايات المتحدة، وفيما وصف طلب ترامب بتعجيل قبول اللاجئين المسيحيين بـ “الفـخ”، محذراً من حركته “التمييزية” التي ستنعكس على مسيحيي الشرق الأوسط.
وأشار ساكو إلى أن “المسيحيين في المنطقة لا يريدون تمييزهم على بقية السكان فيما يتعلق الأمر بالهجرة على أساس ديني وعرقي لكي لا تحصل خلافات مع الآخرين”، مضيفاً “نحن لا نريد امتيازات وهذه هي تعاليم ديننا وتوصيات البابا فرانسيس الذي استقبل مهاجرين من منطقة الشرق الأوسط في روما من مسيحيين ومسلمين دون تمييز”. (17)

• دعوة أتباعه للانضمام الى الجيش العراقي والبيشمركة، وعدم الانضمام للحشد الشعبي
بطريريك الكنيسة الكلدانية يحث أتباعه على الانضمام الى الجيش العراقي أو البشمركة بدلا عن ‘فوضى الميليشيات’. وقال البطريريك ساكو لوكالة الصحافة الفرنسية “اذا اراد المسيحيون حماية بلداتهم عليهم الانضمام الى الجيش او الى قوات البشمركة (الكردية). الميليشيات دليل على الفوضى”. ويشير ساكو بذلك الى مجموعات مسيحية مسلحة تشكلت لحماية البلدات المسيحية التي ينسحب منها تنظيم الدولة الاسلامية في شمال العراق، على غرار “كتيبة بابل” المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي. (18)
ثم عاد وأنكر ذلك بعد شهرين في مقابلة مع قناة الغد بريس بتاريخ 20/02/2017، في معرض رده على السؤال التالي، وكما يلي: –
“خرج تصريح من حضرتكم يدعو المسيحيين الى عدم الانخراط في الحشد الشعبي.. ما مدى دقة هذا التصريح؟
-ابدا، هذا التصريح غير دقيق، لكن هناك بعض المسيحيين في الحشد الشعبي ينتحلون اسماء مسيحية، أسماء كلدانية مثل الشيخ الكلداني، الحشد الشعبي لا يحتاج الى تسميات متعددة، الامر به خطورة، هناك أكثر من شخص يدعي انه مسيحي ويتجاوز على الناس، بعض هؤلاء الناس اسرى ويتم وضع الاحذية على رؤوسهم واهانتهم، هذا الامر لا تقبله الديانة المسيحية، لسنا ضد انضمام المسيحيين الى الحشد الشعبي لكننا ضد التجاوزات باسم المسيحية، والامر لا يتعلق بالمسيحيين بل نرفض التجاوزات مطلقا”. (19)

• البطريرك ساكو يدعو إلى حماية المسيحيين في العراق
دعا بطريريك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق لويس روفائيل ساكو المجتمع الدولي إلى «حماية المسيحيين» الذين شردتهم الحرب «لمساعدتهم على العودة إلى ديارهم». وحضر القداس زعيم «المجلس الإسلامي الأعلى» عمار الحكيم وعدد من أعضاء المجلس.
ودعا المسيحيين إلى عدم الانضمام إلى مليشيات مسيحية مثل «كتيبة بابل» المنضوية تحت مظلة «الحشد الشعبي» الذي يضم فصائل شيعية مسلحة تحظى بدعم إيراني. قال «إذا أراد المسيحيون حماية بلداتهم عليهم الانضمام إلى الجيش أو إلى قوات البيشمركة (الكردية)… المليشيات دليل على الفوضى». (20)

• البطريرك ساكو يرفض الحماية الأجنبية
*رغم ما تذكرونه فقد رفضتم ان يتم حمايتكم من قبل قوات اجنبية او حتى مليشيات محلية… لماذا؟
-هذه ليست ثقافة المسيحيين، حماية المسيحيين وغيرهم واجب الحكومة، المليشيات واحدة من المشاكل خاصة المليشيات المنفلتة في بغداد نفسها، هناك خطف وتفجير وقتل، والمسيحيون مكون بسيط فلماذا يشكلون فصائل مسلحة؟ وكيف يمكن أن يحموا كل سهل نينوى؟ خصوصا وان سهل نينوى منطقة تماس ساخنة بين العرب والاكراد، وصراحة انا ارى هذا الامر غير مقبول، وسهل نينوى ليست حدودا بين بلدين كي يتم حمايتها بقوات دولية بل هي دولة واحدة، وهذا الامر لن تقبل به لا حكومة المركز ولا حكومة الاقليم، وانا اقترحت ان يكون في سهل نينوى مكتب اممي للمراقبة، وكذلك فأن المسيحيين سينخرطون في القوات المسلحة وحتى البيشمركة، اما خلق كيانات منغلقة على ذاتها فهذا نوع من الموت. (21)

• موقف البطريرك ساكو من الإبادة الجماعية للأرمن
كان البطريرك قد أدلى بتصريح عن إبادة الأرمن أثناء تواجده في تركيا برأ بموجبه أتراك اليوم والدولة التركية الحالية من وزر تلك المذابح، مما أثار جدلا واعتراضا كبيرين حول ذلك التصريح.(22)
وقد أصدر إعلام البطريركية في 13يونيو2015 توضيحا بعنوان: توضيح حول تصريح البطريرك ساكو في تركيا، هذا نصه: –
“المشكلة ان الناس لا تقرأ جيدا وتبقى عند غلاف الكلمات من دون ان تتحقق من المضمون. ما قاله غبطته عقب الاحتفال بالقداس في كنيسة دياربكر حول ادانة البابا فرنسيس للابادة الجماعية في مؤتمر صحفي عند السؤال عن موقف البابا فاجاب: البابا يدين الابادة التي تمت قبل قرن ولا يدين اتراك اليوم ولا الدولة التركية الحالية التي ليست عثمانية، كما ان المسيحيين لا يحملون يهود اليوم مسؤولية صلب المسيح. البطريرك لم ينكرر الابادة ابدأ واشار اليها في كلمته في مجلس الامن، وهي حدث تاريخي وعائلته هجرت بملابسها في سفربرلك.
لا يمكن تحميل الناس (اليوم) ذنب اجدادهم. هناك حقوق في املاك يجب مطالبتها وارجاعها!! كذلك يمكن مطالبة تركيا بالاعتراف بالابادة كما فعلت دول عديدة.
ثم ذكر غبطته ان تركيا نموذج للدول الاسلامية في تبني دستور مدني (علماني) وهذا امر ايجابي جدا، فصل الدين عن الدولة. اما اذا كان هناك من يريد اعادة تركيا الى الاسلام المتشدد، فهذا شيء آخر. في الوثائق الرسمية لا يكتب الدين، والتقينا باشخاص غيروا دينهم…
التعصب لن يجدي نفعًا، انما قراءة الامور في سياقها وبموضوعية تساعد على تعلم الدروس من الحروب والابادة”. (23)

وكان البرلمان الأوروبي قد أصدر في سنة 2015، بأغلبية ساحقة، على قرار حول الإعتراف في مذابح الأرمن، بمناسبة الذكرى المئوية ما حرص النواب الأوروبيون على مطالبة كافة الدول الأوروبية بالاعتراف بمذابح الأرمن على أنها عملية إبادة جماعية. فضلًا عن تصريحات بابا الفاتيكان فرنسيس، الذي تبنى نفس المزاعم، مستخدمًا مصطلح “الإبادة الجماعية” حيث وصف مذابح الأرمن في الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى بأنها كانت “إبادة جماعية”، وذلك أثناء زيارته إلى يريفان يوم الجمعة 24 يونيو/حزيران 2016. واليوم، اعتبارا من عام 2015، قامت حكومات وبرلمانات من 29 بلدًا، بما في ذلك روسيا، البرازيل، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وكندا، وكذلك 44 ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، الى جانب الأمم المتحدة؛ بالاعتراف بأن الأحداث التي حصلت للأرمن كانت إبادة جماعية. حكومات تركيا وأذربيجان هي الوحيدة التي تحرم مباشرة الاعتراف التاريخي للإبادة الجماعية الأرمنية.
أما المنظمات الدولية التي تعترف رسميا بالإبادة الأرمنية فتشمل: الامم المتحدة، البرلمان الأوروبي، (1987، 2000، 2002، 2005) مجلس أوروبا، مجلس الكنائس العالمي، منظمة حقوق الإنسان، جمعية حقوق الإنسان التركية، ميركوسور، جمعية الشبان المسيحيين، واتحاد اليهود الاصلاحيين. في عام 2007 أعلنت رابطة مكافحة التشهير بأن قتل الارمن، التي كان يتم وصفها قبلا بانها “فظائع”، انها بمثابة ابادة جماعية. (24)

إن هذه المسألة، هي من المسائل القانونية-السياسية الشائكة، والتي يصعب على الكثير من فقهاء القانون الولي إبداء الرأي فيها، لان مواد قانونية كثيرة تثيرها هذه المسألة. وربما غاب عن البطريرك، إن تغيير الحكومات لا يؤثر على طبيعة إلتزامات الدولة بموجب القانون الدولي، وإن المانيا مازالت تدفع تعويضات الحرب العالمية الثانية منذ عام 1945، على الرغم من تبدل حكوماتها، وإنقسام المانيا الى دولتين شرقية وغربية قرابة نصف قرن، وإن العراق مازال يدفع تعويضات حرب الخليج الثانية لعام 1991، رغم تغير النظام والحكومات. إن هذه المسألة تثير جوانب قانونية عديدة، فإتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي صدرت نتيجة لهذه المذابح، قد تعذر تطبيقها، لان الاتفاقية تسري على الحالات اللاحقة لصدورها، كما إن الأرمن كانوا أنذاك، من مواطني الدولة العثمانية، وإن القانون الدولي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وعلى الصعيد الدولي، فإن تحريك دعوى الإبادة الجماعية أمام المحاكم الدولية، يتطلب تبنيه من دولة ما، وليس الأفراد. وتعترف اليوم 29 دولةً وكيانًا سياسيًا بتوصيف المشكلة الأرمنية كونها «إبادة جماعية»، وهي: أرمينيا، قبرص، فرنسا، ألمانيا، اليونان، إيطاليا، النمسا، بلجيكا، السويد، سويسرا، هولندا، لوكسمبرغ، سوريا، لبنان، روسيا، بولندا، بلغاريا، ليتوانيا، سلوفاكيا، جمهورية تشيك، بوليفيا، البرازيل، كندا، تشيلي، الأرجنتين، باراغواي، أورغواي، فنزويلا، والكرسي الرسولي للفاتيكان، إلا إنه ما من دولة تقدمت حتى الان بطلب رسمي الى محمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.
وأرمينيا اليوم هي دولة مستقلة جنوب القوقاز، بعد أن خضعت للنظام البلشفي طيلة 70 عاماً، ثم حصلت على الاستقلال من السوفييت في عام 1990م. كما إن نظام روما لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، قد استبعد من إختصاصها كل الجرائم التي حدثت قبل نفاذ قانون المحكمة. لذا فالأمر متروك للقانون الوطني للدولة العثمانية أو من يخلفها وهي الدولة التركية التي ورثت كل إلتزاماتها القانونية بموجب اتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول في المعاهدات لعام 1978، واتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول في ممتلكات الدولة ومحفوظاتها وديونها لعام 1983، أو بنص خاص سابق، والتي تحّمل الدولة الخلف إلتزامات الدولة السلف. وفي الواقع فقد انتهت الدولة العثمانية بصفتها السياسية بتاريخ 1 نوفمبر سنة 1922م، وأزيلت بوصفها دولة قائمة بحكم القانون في 24 يوليو سنة 1923م، بعد توقيعها على معاهدة لوزان، وزالت نهائيًا في 29 أكتوبر من نفس السنة عند قيام الجمهورية التركية، التي تعتبر حاليًا الوريث الشرعي للدولة العثمانية، وفقاً لنص المادة 65 من المعاهدة المذكورة.
علماً بأنه قد عقدت الأحكام التي نفذتها المحاكم العسكرية التركية بين السنوات 1919-1920 بحق القادة العثمانيين المشاركين في المذابح؛ حيث اعترفت الدولة العثمانية سنة 1919 في الإبادة الجماعية للأرمن (المعروفة آنذاك باسم “جرائم حرب”)، وحكم على الجناة حتى الموت. ومع ذلك، في عام 1921، خلال انبعاث الحركة الوطنية التركية، أعطي العفو عن الذين تثبت إدانتهم. بعد ذلك، فإن الحكومات التركية المتعاقبة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، اعتمدت سياسة الإنكار. هذا بإختصار شديد ما يمكن أن تثيره هذه المسألة من إشكالات قانونية متعددة، كما إنها وسيلة ضغط سياسيي معروف.

إن هذه المواقف السياسية التي تبنتها البطريركية أو البطريرك تنطلق عادة من فلسفة فردية مبتسرة، وغالبا ما تكون إرتجالية، وغير قادرة على قراءة الواقع بشكل صحيح، كما انها يسودها التشوش وعدم وضوح الرؤيا، لا بل يصل الامر في أحيان كثيرة الى التناقض فيما بينها، مما يدفع للتوضيح أو للتراجع أو الإنكار، دون جدوى، على الرغم مما يبذله المدافعون عنها، أو يُنَظّر لها البعض.

– من أجل فهم أفضل
وعلى الرغم من الإحصائيات المؤلمة عن الوجود المسيحي في العراق، وتناقص أعدادهم بشكل كبير، فإننا نشهد تهافت العديد من الطراف على الادعاء بتمثيل المسيحيين بدلا من التكاتف حول إيجاد حل لمأساة هذه الفئة من الشعب العراقي، التي إنخفضت أعدادها وفقا لإحصائيات غير رسمية (25)، على الشكل التالي: –
عدد المسيحيين في العراق عام 1987 كان 1,400,000
عدد المسيحيين في العراق عام 2003 كان 1,500.000
عدد المسيحيين في العراق عام 2013 كان 450,000
وحالياً تبلغ نسبة المسيحيين الى سكان العراق زهاء 4%يتوزعون على النحو التالي:65% كلدان (كاثوليك)14% سريان (كاثوليك وأرثوذكس)16% أثوريون (من طوائف ثلاثة)4% أرمن (من طوائف عدة)1% مذاهب وطوائف بروتستانتية. (26)
إن نظرة شاملة للمسيحيين وللفصائل المسيحية المسلحة من جوانبها المختلفة، من شأنها أن تعطينا فهما أفضل لجوهر الصراع.
وهنا سنحاول، إبتداء، أن نبين طبيعة المسيحيين في العراق، بقصد وضع النقاط على الحروف، وتكرار تلافي مثل هذه الأزمات والصراعات، وإيجاد مخرج لها، للإلتفات الى مأساة المسيحيين الحقيقية في تهديد تواجدهم في أرضهم، وتحسين ظروف بقاءهم، وتنظيم شؤونهم الإدارية والقانونية كمهمة أساسية، بشكل أكثر دقة وتنظيماً من الإدارة الحكومية، وبما يعزز وجودهم، إذا ما أريد لهم البقاء في موطنهم الأصلي.
فمسيحيي العراق اليوم، يتوزعون الى طوائف متعددة، ويتبع أفرادها كنائس متعددة أيضا، ويمكن القول إنها غير متفقة فيما بينها تماما، على الرغم من إن هذا الإختلاف هو سلمي وغير مقرون بالعنف، كما هو الحال لدى المذاهب الإسلامية المختلفة، التي وجدت في العنف إسلوباً لمعالجة هذا الإختلاف.
ومن الناحية المذهبية، فإنهم يتوزعون الى المذاهب الأربعة الرئيسية التالية، والتي تقودها كنائس محددة، وهي: –
أولا. الكاثوليك
ويضم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، الطائفة السريانية الكاثوليكية، الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية، الروم الكاثوليك، طائفة اللاتين الكاثوليك.
ثانيا. الارثوذكس
ويضم الطائفة السريانية الأرثوذكسية، الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، الروم الأرثوذكس، طائفة الأقباط الأرثوذكس.
ثالثا. كنيسة المشرق
وتضم كنيسة المشرق القديمة، كنيسة المشرق الآشورية أو الكنيسة الآثورية.
رابعا. البروتستانت والطوائف الغربية
وتضم الطائفة البروتستانتية الإنجيلية الوطنية، الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآثورية، طائفة الأدفنتست السبتيين.
ومن الناحية التاريخية، تنقسم الى خمس كنائس، وهي: –
1-الكلدانية. 2- الآشورية. 3- السريان. 4- الأرمن. 5- البروتستانت والطوائف الغربية الأخرى.
أما من الناحية القانونية، فإن القانون العراقي قد أعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية في العراق وفقاً لنظام ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية، الطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق رقم 32 لسنة 1981(27)، هي: –
1 – طائفة الكلدان
2 – الطائفة الاتورية
3 – الطائفة الاثورية الجاثيليقية
4 – طائفة السريان الارثوذكس
5 – طائفة السريان الكاثوليك
6 – طائفة الارمن الارثوذكس
7 – طائفة الارمن الكاثوليك
8 – طائفة الروم الارثوذكس
9 – طائفة الروم الكاثوليك
10 – طائفة اللاتين
11 – الطائفة البروتستانتية والإنجيلية الوطنية
12 – الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الاثورية
13 – طائفة الادفنتست السبتيين
14 – الطائفة القبطية الارثوذكسية
إزاء هذا التعدد المذهبي، والاعتراف القانوني، أثيرت بعد عام 2003 مشكلة التمثيل السياسي لمسيحيي العراق، وقد برزت توجهات عديدة، عززت من روح الإنقسام لدى هذه الطوائف بدلا من توحيدها، وهي: –
(1) التمثيل وفقاً لمبدأ التنظيم السياسي: ووفقا لهذا التوجه، فإن الأحزاب الآشورية هي التي تمثل مسيحيي العراق، نظراً لسبقها للتنظيم السياسي المتمثل بالحركة الديمقراطية الأشورية (زوعا)، الى جانب أحزاب أخرى صغيرة ظهرت فيما بعد، لتمثل الأشوريين والكلدان والسريان وغيرها.
(2) التمثيل وفقاً لمبدأ الأغلبية العددية: ووفقا لهذا التوجه، فإن الكلدان الكاثوليك يعدون أكبر الطوائف المسيحية في العراق، وهم الأحق بتمثيل مسيحيي العراق قاطبة.
(3) التمثيل وفقاً للإعتراف الرسمي أو الحكومي: ووفقا لهذا التوجه، فإن من يسبق غيره في الحصول على الإعتراف الرسمي هو الأولى بتمثيل المسيحيين، ويقع تنظيم ريان الكلداني المسمى بالحركة المسيحية في العراق، ضمن هذا التمثيل، بالإضافة الى أحزاب وتنظيمات أخرى صغيرة نشأت في بغداد أو أقليم كردستان العراق، وحظيت بإعتراف رسمي.
أما بعد تأسيس الحكم الوطني في العراق سنة 1921 فقد تضمن الدستور تمثيلا يتناسب وعددهم ومن الاوائل الذين انتخبوا نواباً في مجلس النواب الدكتور سليمان غزالة ورؤوف شماس ألّوس والخوري يوسف خياط ثم تكللت مشاركتهم فيما بعد بتعيين البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني عضوا في مجلس الاعيان، وتبعه البطريرك يوسف غنيمة في نفس المنصب حتى وفاته قبل ثورة 14 تموز1958 بايام قليلة عندما عطلت اعمال المجلسين. (28)
إن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم قدرة هذه المجموعات على توحيد نفسها تحت أي مسمى كان. وهذا الأمر ذاته تعاني منه المجموعات السياسية المسيحية جميعها، فالكلدان والسريان في غالبيتهم، يجدون صعوبة في الانضمام الى الحركة الآشورية، لان التسمية تعيق ذلك. كما تعذر قيام أحزاب سياسية مسيحية، لتعارضها مع التعاليم المسيحية السمحاء، ولتلافي أثارة أي صراع ديني غير متكافئ مع الأغلبية المسلمة.
وقد واجه الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر هذه المشكلة العويصة، وأشار لها في مذكراته المعروفة بعنوان “عام قضيته في العراق”، فكتب عن يوم 12 تموز 2003 قائلا: –
“ثم خطر ببالي أن أبلغ العديد من المرشحين بأنهم لن يكونوا في عداد المجلس.
أولا. المطران (البطريرك لاحقا في 3/12/2003) دّلي، زعيم طائفة المسيحيين الكلدان. فقد كانت الجالية المسيحية الصغيرة في العراق مجزأة، على غرار كافة الطوائف الدينية في البلد. كان هناك الكلدان الذين يبدو إنهم يفوقون الآشوريين عدداً، لكنهم لم يكونوا منظمين جيدا مثلهم وأقل فعالية سياسية. وللمحافظة على هدف الحصول على أصغر هيئة تمثيلية ممكنة، كان لدينا مكان لمسيحي واحد فقط في المجلس (يقصد مجلس الحكم الانتقالي).
أخذنا ممثلاً للمسيحيين الآشوريين وتوقعنا أن يسبب ذلك إستياء لدى الكلدان. وكان ذلك صحيحاً، إذ في تلك الليلة لم يكن قلب المطران يفيض بالمحبة المسيحية. فبعد التذمر من إستبعاده، غادر غاضباً”. (29)
ونستشف من هذا النص الموجز مشاكل التمثيل السياسي لمسيحيي العراق، وهي: –
1- إن رجال الدين المسيحيين، وخاصة الكلدان، قد رغبوا بالمشاركة السياسية في الحكم بعد 2003، إسوة بأقرانهم المسلمين وغيرهم.
2- إن الكلدان يشكلون أغلبية المسيحيين في العراق.
3- إن الجماعة المسيحية في العراق، هي جماعة صغيرة ومجزأة.
4- إن الأشوريين قد سبقوا الكلدان وغيرهم في تشكيل تنظيماتهم السياسية المعارضة لحكم صدام حسين، لذا فقد بدوا أكثر تنظيما وفعالية في هذا المجال.
5- إن المطران الكلداني، قد تناسى مبادئ المحبة، وتصرف وفقاً لمبادئ السياسة، عندما لم يمنح فرصة المشاركة السياسية، أو منحت لطائفة مسيحية أخرى.
6- ويضاف الى جملة الأسباب المذكورة أعلاه، سبب أخر تغافل عنه بريمر، وهو إن زعيم الأشوريين يونادم كنّا يحمل الجنسية البريطانية، وليس من المعقول أن يمنح الأمريكان المقعد المخصص للمسيحيين في مجلس الحكم الإنتقالي لوطني عراقي، وإن كان زعيما دينياً، في مواجهة أقل ما يقال عنه إنه شخص ثبت ولاءه للغرب قبل سقوط النظام السابق.
وبهذا الصدد، فقد إستمعت الى قادة المركز الكلداني للثقافة والفنون في دهوك في خريف عام 2003، وهم يتحدثون عن سبب تفضيل بريمر للآشوريين قائلين: لقد فاتحنا بريمر بذلك، وكان يونادم كنّا حاضراً، فأشار اليه بريمر قائلا: لقد خدعتني يا كنّا، عندما قلت لي إن الآشوريين هم أكثرية المسيحيين في العراق. في حين تكشف مذكراته بوضوح، إنه كان مطلعاً تماما على وضع المسيحيين في العراق، وإنه قال ذلك لمجاملة الكلدان وخداعهم.

– اللون السياسي للمسيحين
إن واحدة من المشاكل الخفية في تمثيل المسيحيين الكلدان سياسيا، والتي نبّهنا اليها في مناقشاتنا مع الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة هي، عدم إنتماءهم لجماعة سياسية معينة بعينها، لا بل فضلوا البقاء على إستقلاليتهم، وإنحيازهم للسلطة القائمة إسوة بالمسيحيين الأقباط في مصر. لذا فقد ظلت كل الحكومات العراقية المتعاقبة تنظر إليهم بإرتياح كبير، ورأت إن موقفهم هذا يتمتع بقدر كبير من الواقعية السياسية. وهذا ما جعل منهم جماعة بلا لون سياسي واضح. مما دفع الكثير من الأفراد المسيحيين الى الانضمام والإنضواء تحت واحد من الأحزاب السياسية القائمة، لذا رأيناهم ينضمون للحزب الشيوعي العراقي في خمسينيات القرن الماضي، أمثال مؤسس الحزب ذاته يوسف سلمان يوسف (فهد)، والمناضل توما توماس وآخرون. فيما إنضم عدد أخر منهم الى الحزب الديمقراطي الكردستاني في الستينات، أمثال هرمز ملك جكو، ومارغريت جورج، وفرنسو حريري. وانضم أخرون الى حزب البعث العربي الاشتراكي في السبعينات، أمثال طارق عزيز وغيره.
كانت الكنيسة قد نقلت التراث الكلداني عبر القرون لكنها لم تكن في موقف يحث الشعب على استخدام الاسم الكلداني في فضاء التعامل السياسي فبقيت الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية تنأى بنفسها عن الجوانب السياسية للمسألة القومية لشعبنا الكلداني بعكس الكنيسة الآشورية التي لا تألوا جهداً للمساهمة الفعالة في تنمية الروح القومية لشعبها.
كانت البداية في انبثاق التنظيمات الكلدانية في تأسيس المركز الكلداني للثقافة والفنون في دهوك سنة 1996 وعمل على نشر الوعي والثقافة والتعريف بتاريخ الكلدانيين. وفي عام 1999 كانت هناك جهود حثيثة لتأسيس حزب سياسي قومي للشعب الكلداني وفي 1/ 10/ 2001 اثمرت تلك الجهود عن انعقاد اجتماع موسع ضم 35 شخصية كلدانية، وتم الأتفاق على وضع النظام الداخلي لحزب سياسي كلداني. وقد كانت ولادة حزب اتحاد الديمقراطي الكلداني المعروف.
ولم تظهر التنظيمات الكلدانية بشكل واضح إلاّ عام 2000، وقبل سقوط النظام في العراق، حيث ظهر حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، ثم في عام 2005 تشكل المجلس الشعبي الكلداني -السرياني-الاشوري، وغيره.
أما الطوائف الأخرى كالسريان والأرمن والروم واللاتين وغيرهم فقد إرتأوا النأي بأنفسهم عن معترك السياسة نظراً لقلة عددهم، وتجنيباً لأنفسهم من صدمات السياسة وهزاتها في العراق. وإسوة بأقرانهم الكلدان، فلم تظهر الأحزاب السياسية السريانية إلا بعد عام 2003.
“من أهم العوامل التي أدت إلى طوفان الأحزاب السياسية في العراق هو التشظي الاجتماعي وتعدد الهويات الفرعية (القومية والطائفية) في مقابل غياب مرجعية قادرة على أن تجمع كل الأطياف في هوية عراقية واحدة. وعلى خلفية هذا التشظي ظهرت أحزاب تسعى لضمان حقوق الأقليات الإثنية والدينية التي تمثلها وإن كانت صغيرة من الناحية الديمغرافية، ففي العراق هناك أربع قوميات أساسية هي العربية والكردية والتركمانية والكلدوآشورية، وداخل هذه الهويات هناك هويات أخرى فرعية مثل الكرد الفيليين وهم الأكراد الشيعة والايزيديين وهم ديانة داخل القومية الكردية، والشبك الذين لا يعترفون بانتمائهم للقومية الكردية. وداخل أفراد الديانة المسيحية الذين طرحوا أنفسهم سياسياً كقومية تحت ضغط شعورهم بالتهديد من قيام دولة إسلامية تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية (أهل الذمة)، هناك مجموعة من الطوائف غير المنسجمة فيما بينها وكل من هذه الطوائف سعت إلى تشكيل كيان سياسي أو حزب يمثلها، فتشكلت أحزاب تعبر عن هوية مركبة (عرقية/ دينية) وقد بلغ عدد التنظيمات السياسية للكرد الفيليين التي رفضت الاندماج بالجسم الشيعي أو الكردي خوفاً من استهلاكهم وابتلاعهم شاركت جميعها في العمليتين الانتخابيتين، كما بلغ عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية لأتباع الديانة المسيحية (12) توزعوا بين حزب واتحاد ومنظمة سياسية وحركة، أما التركمان فقد انتظموا في (14) تكتل سياسي”. (30)

– التنظيمات السياسية المسيحية اليوم
بعد عام 2003 شهد العراق إنفتاحاً سياسياً كبيراً بعد زوال سلطة الحزب الواحد، إلا إن ذلك قاد الى الفوضى نتيجة عدم وجود قانون ينظم الحياة الحزبية في العراق، حتى تاريخ صدور قانون الاحزاب السياسية في 27 آب 2015.
واليوم، ينقسم مسيحيو العراق الى 14 طائفة دينية، وهناك 12 حزباً سياسياً مسيحياً، و7 فصائل مسيحية مسلحة، و37 صحيفة ومجلة، وقناتين تلفزيونيتين، وخمس إذاعات، وأكثر من 20 موقعاً ألكترونياً. في الوقت الذي تدّعي جميعها تمثيل مسيحيي العراق، بينما تزداد أمور المسيحيين العراقيين سوءا ويتناقص أعدادهم بإضطراد. فمَن يمّثل مَن؟ وما الذي تحقق لمسيحيي العراق؟
أما التنظيمات المسيحية اليوم، فهي: –
1. الحركة الديمقراطية الآشورية، تأسس عام 1978، أمينه العام يونادم كنّا.
2. حزب بيث نهرين الديمقراطي، تأسس عام 1976، أمينه العام روميو هكاري.
3. إتحاد بيث نهرين الوطني، تأسس عام 1996، رئيسه يوسف يعقوب متي.
4. الحزب الوطني الآشوري، تأسس عام 2003، أمينه العام عمانوئيل خوشابا يوخنا.
5. حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، تأسس عام 2000، أمينه العام أبلحد أفرام ساوا.
6. المجلس القومي الكلداني، تأسس عام 2007، امينه العام سمير عزو داود.
7. المنبر الديمقراطي الكلداني، تأسس عام 2007، أمينه العام سعيد شامايا.
8. المجلس الشعبي الكلداني-السرياني-الاشوري تأسس عام 2005، أمينه العام شمزدين كوركيس زيا.
9. حركة تجمع السريان، تأسس عام 2005، رئيسها نجيب بنيامين.
10. مجلس أعيان بغديدا، تأسس عام 2007، رئيسه أسطيفو جميل حبش.
11. كيان أبناء النهرين، تأسس عام 2013، رئيسته گلاويژ (كاليتا) شابا جيجو.
12. الرابطة الكلدانية، تأسست عام 2015، رئيسها صفاء هندي.

– الفصائل المسيحية المسلحة
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وما تبعه من حل للأجهزة الأمنية والجيش، سقط مفهوم ماكس فيبر الشهير للدولة من “أنها الكيان الذي يَحتكر شرعية ممارسة القوة”، حيث تَسربت السلطة بيد القوى الاجتماعية والسياسية والتيارات الراديكالية والمليشيات السنية والشيعية التي كان بعضها يعود تأسيسه إلى ثمانينات القرن الماضي ويُجهز نفسه ويستعد في إيران لملء الفراغ الأمني بعد سقوط بغداد، وبعضها الآخر تَشكل بعد 2003 بمبررات مختلفة، وقد ساهمت الأوضاع المضطربة والاحتلال والتعقيدات التي رافقت إسقاط نظام البعث في ولادة الكثير منها.
لقد برزت بعد الاحتلال سلطات في العراق أعادت البلد إلى مرحلة ما قبل فكرة الدولة وهي سلطة رجال الدين والجماعات والأحزاب والقوى العشائرية التي كانت الأنظمة تُقيم معها علاقات معقدة لحفظ الأمن والحدود وإعلان الولاء فيما إذا تعرض النظام والسلطة المركزية للخطر، وهذا ليس في العراق فحسب وإنما في كثير من البلدان العربية خاصة التي مرت بها رياح التغيير، فقد كانت تؤدي أدوارًا مهمة في مساعدة النظم ذات التأسيس غير الوطني أساسًا وهي تتمتع بمقدرات عسكرية محدودة وغير نظامية وترتكب جرائم تسيئ للدولة وتهز فكرة الانتماء لها. (31)
تتسع دائرة التشكيلات المسلحة خارج سلطة الدولة في العراق ليكون لكل مكوّن ميليشيا خاصة توفر الحماية له وتنفذ أجندته، وفي هذا الصدد شكل المسيحيون ميليشيا خاصة بهم لحماية بعض قراهم في الموصل.
أعلنت الطوائف المسيحية في العراق عن تشكيل ميليشيا مسلحة في محاولة لاستعادة بلداتهم التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، الذي استولى على مساحات واسعة من العراق في العام الماضي.
وجاء تشكيل ميليشيا مسيحية مشابهة لعمل ميليشيات الأحزاب الشيعية كقوات بدر أو سرايا السلام التابعة للتيار الصدري أو عصائب أهل الحق.
وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 4 آلاف مواطن عراقي مسيحي انضموا إلى ما يسمى “وحدات حماية سهل نينوي” التي قامت الحركة الديمقراطية الآشورية- زوعا- بتأسيسها، وهي الحزب السياسي الرئيسي للآشوريين في العراق، والمدعوم من قبل الحكومة العراقية والبيشمركة الكردية.
وشكل مسيحي قرية باقوفا بمنطقة سهل نينوي، ميليشيا لحماية قريتهم من الهجمات المسلحة، يبلغ فقوامها أكثر من 200 مسلح، وهم يتولون حماية القرية على مدار الساعة.
وتعد أولي الكتائب المسيحية، كتيبة «شهيد المستقبل»، والتي تم تشكيلها في 11 أغسطس، وعدد أفرادها حوالي مائة رجل، وفقا للمقدم أوديشو، وقال المقدم بينما كان في طريقه لتدريب المتطوعين «عددنا قليل لكن إيماننا كبير». وينتمي رجال الكتيبة التي تشكلت مؤخرا إلى الآشوريين المسيحيين الذين يسكنون منذ آلاف السنين سهول نينوي.
ويعتبر غالبية مسيحيي العراق هم من الكلدان والآشوريين، الذين عاشوا في تلك المنطقة منذ آلاف السنين.
وعانت الطوائف المسيحية والتركمانية واليزيدية والأقليات الأخرى، من الاضطهاد على يد التنظيم المتطرف منذ الهجوم الشرس الدموي الذي شنه على المناطق في شمالي العراق في العام 2014.
واضطر آلاف المسيحيين واليزيديين إلى ترك منازلهم في مدينة الموصل، عندما فرض عليهم التنظيم إما الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو القتل؛ الأمر الذي أدى إلى تهجير 150 ألفا في العراق.

– أهم الفصائل المسيحية المسلحة
1- كتائب “بابليون” الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق
وتعد الدراسة التي كتبتها ميرفت عوف بعنوان: «كتائب بابليون» أول فصيل مسيحي مسلح في الحشد الشعبي العراقي (33)، أول دراسة مفصلة عن هذا الفصيل المسلح، والذي دافعت عنه بشكل كبير، نقتطف منه ما يلي: –
” بالرغم من أن أطرافاً مسيحية لا تعتبره ممثلاً لكل المسيحيين إلا أن حركة «بابليون» وهي أول فصيل مسيحي في العراق، أصبحت خلال مشاركتها في عدة عمليات عسكرية منها معركة تحرير الفلوجة، رقماً فاعلاً في الحشد الشعبي وأيضاً في معادلة العملية السياسية المعقدة في العراق.
تمكنت «بابليون» من تثبيت أقدامها على الأرض متحدية بذلك حملة قوية شنتها أطراف مسيحية أخرى تعتقد أن الحركة التي أعلنت استعدادها للمشاركة في تحرير الموصل خصوصاً المناطق المسيحية، تدق إسفين الانقسام في المجتمع المسيحي العراقي، وذكروا أن البطريركية الكلدانية أكدت في أكثر من مرة بأنه لا أحد يمثل الكلدان كنسياً إلا رئاستها وسياسياً أحزابها المعتمدة أو نوابها المنتخبون. وترفض حركة «بابليون» ما تصفها بالمزاعم واتهامات لها بأنها مدعومة من ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وبالتالي إيران، لتقديم صورة إيجابية عن الحشد الشعبي وأنه ليس طائفياً ولا يقتصر على الشيعة.
ويتزعم «بابليون» ريان سالم الكلداني وهو ناشط للدفاع عن حقوق المسيحيين الوطنية والقومية والتاريخية المشروعة في العراق، وقام بتأسيس الكتائب بعد ان أطلق المرجع الشيعي الكبير السيّد علي السيستاني فتواه الشهيرة عام 2014 والتي دعا فيها العراقيين إلى الجهاد الكفائي بعد اجتياح تنظيم «الدولة الإسلامية» لعدد من المدن والبلدات العراقية في نينوى وصلاح الدين وكركوك والأنبار بسبب الإنهيار المفاجئ وغير المتوقع للجيش والشرطة العراقية والمنظومة الأمنية الأخرى وهكذا ولد الحشد الشعبي التي ينضوي تحت خيمته فصيل كتائب «بابيلون». وفي عام 2015 اعتبر الحشد الشعبي منظومة رسمية وقانونية ضمن تشكيلات الجيش العراقي وتعمل تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة العراقية.
وخارج إطار كتائب «بابليون» ينقسم المسيحيون في من يمثل المجتمع الكلداني السرياني الاشوري المسيحي في العراق دستوريا وقانونيا وديمقراطيا وجماهيريا، ومن لهم الحق في المطالبة بحقوقه المشروعة والتحدث بإسمه رسميا، بين من يرى أن ذلك ينحصر في ممثليه الشرعيين المنتخبين ديمقراطيا بأصواته في مجلس نواب العراق الاتحادي (كوتا) وعددهم خمسة نواب ومن يمثلهم دستوريا وديمقراطيا في أقليم كوردستان وهم النواب الخمسة أيضا في برلمان الإقليم.
وخاض ريان الكلداني انتخابات برلمان العراق الاتحادية 2014 كرئيس لقائمة «بابليون» ولم ينجح في انتخابات الكوتا لكنه نجح في جمع 800 متطوع من عناصره أكملوا تدريباتهم في 3 معسكرات في بغداد وصلاح الدين للمشاركة في معركة تحرير الموصل، وأضاف أنهم ينضمون تحت لواء الحشد الشعبي التابعة للحكومة العراقية.
وبيّن أمين السر أن «بابليون منضوية بشكل رسمي في هيئة الحشد الشعبي التابعة للحكومة الاتحادية وتتلقى الدعم العسكري من الحكومة العراقية».
في المقابل كانت الكتلة المسيحية في البرلمان العراقي تحدثت في وقت سابق عن انضمام أكثر من 1000 مسيحي إلى قوات «الحشد الشعبي» تمهيدًا لتحرير مناطق سهل نينوى (شمالًا- مركزها الموصل) الذي يضم العديد من البلدات المسيحية التي سيطر عليها تنظيم «الدولة».
2- الحراسات التابعة للمجلس الشعبي
وهي مجاميع من أبناء المسيحيين أوجدهم تنظيم المجلس الشعبي لـ”نينوي” من أجل حماية القرى والقصبات التي يقطن فيها المسيحيون، وكان التنظيم يخصص لهم راتباً شهرياً عن جهودهم، هؤلاء الأشخاص لم يجر إدخالهم في معسكرات تدريب للحماية، كان يقدر عددهم بما يقارب 3000 عنصر.

3- تنظيم “زوعا” يتزعمها “يونادم كنا”
عقب تهجير المسيحيين من الموصل على يد تنظيم “داعش” فتحَ بابٍ للتطوع لأبناء الطائفة المسيحية من فرع “زوعا” في عاصمة إقليم كردستان أربيل أمام الشباب والشيوخ؛ لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ومحاربة التنظيم وتحرير القرى التي سيطرت عليها.

وتشير التقارير الإعلامية المسيحية العراقية إلى أنها مرتبطة بقوات البيشمركة الكردية، وكان تواجدها بقرى المسيحية بالموصل مع مجيء قوات البيشمركة إلى نينوي في 2003 عقب سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الأمريكية.

ولدى الحركة الديمقراطية الآشورية 500 مقاتل من المسيحيين الآشوريين يقومون بحماية البلدات الواقعة في سهل نينوي من المقاتلين المتطرفين، وهناك 500 آخرون يتلقون التدريبات اللازمة، إضافة إلى وجود 3000 شخص ينتظرون الدخول إلى معسكرات التدريب.

ويتزعم تنظيم “زوعا” الذي تأسس عام 1982 رئيس قائمة الرافدين النيابية والسكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية السيد “يونادم كنا”، وهو لديه علاقات وثيقة بحكومة إقليم كردستان العراق.

4- ” الـ دويخ نَوشا” كتائب الحزب الوطني الآشوري
سرايا أو “مفارز” هي كتائب تابعة للحزب الوطني الآشوري تشكلت، بعد سقوط نينوي على يد “داعش” في يونيو الماضي، وكان أهدافها حماية قرى وقصبات سهل نينوي، وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يقارب الـ 200 عنصر، وحسب بيان للحزب الوطني الآشوري ضد ما كان يعرف بتجمع التنظيمات السياسية.

5- قوات سهل نينوي
وهي كما تبدو قوات تم تشكليها من قبل حزب بيت نهرين، ويبلغ عددها 500 عنصر كدفعة أولى، متوقعا أن تكون أكثر من ذلك خلال الأيام القادمة.

وأكد السكرتير العام لحزب بيت نهرين الديمقراطي روميو هكاري، أن تشكيل قوة سهل نينوي تم بالتنسيق بين الحزب ووزارة البيشمركة، لافتا إلى أنها قوة وطنية ذات خصوصية قومية من حيث المهام والتركيبة وليست حزبية.

وقال هكاري إن “الإجراءات القانونية لتشكيل القوة المذكورة بلغت النهائية وما تبقى هو فقط تدريب عناصرها وتجهيزها بالسلاح واللوازم العسكرية؛ لأخذ مواقعها في جبهات سهل نينوي”، لافتاً إلى أن “تشكيل القوة تم بالتنسيق بين الحزب ووزارة البيشمركة في حكومة الإقليم لتكون قوة عسكرية وطنية ذات خصوصية قومية وأبعاد استراتيجية تتولى مهام تحرير بلدات سهل نينوي، إلى جانب قوات البيشمركة من سيطرة “داعش” وحمايتها في المستقبل من أي تهديد إرهابي”.

6- كتائب “أسود بابل” المشتركة
كتائب أسود بابل المشتركة، هي قوات حديثة التشكيل ضمن تجربة الحشد الشعبي، الأمين العام لهذه الكتائب هو”سرﮔون يلدا” مستشار المصالحة الوطنية، وحسب بيان التطوع لهذه القوات الرسمية فإن باب التطوع مفتوح للكلدان والسريان والآشوريّين بصورة خاصة، إلى جانب الشبك والتركمان والأكراد والأيزيديّين والصابئة وغيرهم.

ويبلغ عدد عناصر هذه الكتائب أو الفوج الـ 2500، وتشير بعض التقديرات أو المؤشرات إلى أن أعداد التطوع تجاوزت هذا العدد وتعمل تحت غطاء الدولة، مما يستوجب التدريب والتسليح إلى جانب شمولهم ببقية المخصصات والامتيازات حسب التشريعات من رواتب أو في حالة الجرح.

7- كتائب “عيسى ابن مريم”
سرايا أبناء السريان أو كتائب عيسى ابن مريم، وهي كتائب منطوية تحت لواء الميليشيات الشيعية أو “الحشد الشعبي” قائد هذه القوات هو السيد سلوان موميكا، وتتكون من أبناء “بغديدا” يتلقون تدريبهم في معسكر التاجي وهي سرايا تعمل تحت غطاء الدولة والجيش، تتلقى تدريباً عالي المستوى وستكون مسلحة بتسليح الجيش وتعمل ضمن السياقات العسكرية النظامية.

وبهدف تعزيز صفوفهم، توجه وفد من الآشوريين العراقيين إلى لبنان للقاء القوات اللبنانية، أحد أهم الميليشيا لمسيحيي لبنان “كان لها دور كبير خلال الحرب الأهلية 1975 و1990″، بحسب تأكيد مصدر من الميليشيا لوكالة فرانس برس، ونقل عن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع قوله إنه «مستعد لدعم أي قرار يتخذه المسيحيون العراقيون للحفاظ على وجودهم» في العراق.

ويعيد تشكيل كتيبة للمسيحيين في العراق التذكير بدور نظرائهم في سوريا المجاورة؛ حيث شكلوا المجلس العسكري السرياني الذي يلعب دورا فاعلا، إلى جانب حزب وحدات حماية الشعب الكردي.

ويعكس انتشار الميليشيات المسلحة وتعددها في العراق مدى ضعف الحكومة المركزية، التي لا تستطيع مسك زمام الأمور في البلاد وضم كل المكونات في جيش نظامي موحد يكون لكل العراقيين، بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم.

وأصبح العراق دولة ميليشيات بامتياز سواء بين الشيعية أو السنة أو المسيحيين أو الأديان المختلفة، وأصبح كل طائفة تضم داخلها عشرات الميليشيات، في خضم الصراع الديني المذهبي الذي يشتعل في العراق، وأمام رئيس الحكومة العراقية الجديد أزمة كبيرة وهي كيف يعود بالعراق إلى ماضيه الجميل وعصره الذهبي، بدلا من مجموعات الدم التي تقاتل فيما بينها باسم الدين والمذهب وليس باسم الوطن؟ (34)

– الاستنتاجات
بعد إستعراض كل جوانب الموضوع، فإن عدد من الاستنتاجات التي تبرز من هذا الصراع، وكما يلي: –
أولا. إن ما يقوم به ريان الكلداني هو تصرف فردي مستغلا حالة ظهور داعش، بالانضمام الى الحشد الشعبي الذي كان في الأصل عبارة عن مجموعة فصائل مسلحة شيعية شعبية (ميليشيات) غير خاضعة لسلطة الدولة، ولم يجري الاعتراف بها منذ نشأته في تموز 2014 وحتى صدور قانون هيئة الحشد الشعبي (36) الذي أقره مجلس النواب العراقي (البرلمان) بالأغلبية يوم السبت 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، فأصبح جزءا من القوات المسلحة العراقية، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة. لذا فقد إكتسب الشخصية القانونية المعنوية بحكم القانون. ولما كانت كتائب بابليون-الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق، منضوية تحت قيادة هيئة الحشد الشعبي، فإنها تستمد شرعيتها منه، ولا يحق لأي جهة سياسية أو دينية الإعتراض عليها.
وفي هذا المجال لايختلف تصرف ريان عن تصرف أي عراقي مسيحي أخر أنضم أو ينضم الى أحزاب وحركات وجماعات سياسية سواء أكانت مدنية أو مسلحة كما ذكرنا سابقا، فيركب الموجة دون الإلتفات الى إنها موقتة وسرعان ما تنحسر موجة المّد هذه لتعقبها موجة جَزر معارضة، حيث انضم العديد منهم الى الحزب الشيوعي وحزب البعث، والبيشمركة، وغيرها. وغالباً ما يكون ذلك محدود بفترة زمنية معينة (عهد)، سواء طالت أم قصرت، ولكن من المؤكد إن هذا العهد سينتهي عاجلا أم آجلا.
ثانيا. إن موقف البطريركية هو مكرر، ولم يتم تغييره بتغير الظروف. فقد سبق وإن أعربت البطريركية عن موقف مماثل، عندما أصدرت بيانها بالعدد 49 في 13 مارس 2016. إلا إنها لم تراعي التغيير القانوني لهذه الفصائل.
ثالثا. من الناحية القانونية، فإن تصريح البطريرك ساكو قد جاء مخالفا للقانون، وحتى التوضيح جاء متناقضاً، فلا يمكن التفريق اليوم، من الناحية القانونية بين البيشمركة والحشد الشعبي، لإعتراف القانون لهما بالشخصية المعنوية. كما إن وجود فصائل مسيحية مسلحة أخرى تتبع أحزاباً قومية لم يعترف القانون بشرعيتها أولى بالانتقاد.
رابعا. إن إستخدام ريان الكلداني تسمية (المسيحية) في عنوان تنظيمه السياسي المعروف بالحركة المسيحية في العراق، بهذا الشكل العام والمطلق هو إساءة للدين المسيحي، وكان على البطريركية الكلدانية، الاعتراض على ذلك منذ 2014، لما يسببه من إساءة لثاني دين معترف به في العراق، بعد التشاور وإستحصال موافقة رؤساء بقية الطوائف المسيحية الرئيسية في العراق. ومن الناحية الواقعية، فإن الجناح العسكري المتمثل بكتائب بابليون هو التنظيم الفاعل، في حين إن الحركة المسيحية في العراق لا تأثير لها.
خامسا. إن إستشهاد ريان الكلداني بقصة قديمة مستمدة من المراجع الشيعية يعود تاريخها الى ما قبل 1376 سنة، ليست أكثر من تفاخر شخصي يثير الحساسيات المذهبية في العراق، والذي تتغاضى عنه حكومة العراق، بشكل مؤسف. وبالرجوع الى الرواية التاريخية، فإنها تثير جملة مفاهيم وحقائق، يجب الوقوف عندها، وعلى ريان الكلداني ان يضعها نصب عينيه، وهي: –
1. إن جون كان من الموالي. الموالي جمع مولى، وهم الخدم والحلفاء في لغة العرب تم استخدامه بكثرة في زمن الخلافة الاموية للإشارة إلى المسلمين من غير العرب (سكان البلاد المفتوحة خارج الجزيرة العربية) كالفرس والافارقة والاتراك والاكراد. في ظل النظام القبلي واعتماد الاسياد بالاساس على الجمع، وكون الموالي من التجار والحرفيين واصحاب الملك، فقد اعتمد عليهم رموز السلطة العرب لجلب قوتهم ودعم عائلاتهم… فقد تحولت كلمة “موالي” أو “مولى” من معنى: الحليف أو الصديق، إلى معنى: الخادم أو المعين، ولهذا كان المسلمون يشترون العبيد من أسواق النخاسة وعندما يسلمون يعتقونهم ويصبحون مساعدين لهم، ولكن في نفس الوقت، يحضون بكامل حقوق المسلمين، ويعاملون معاملة المسلمين، ولهم ما على المسلمين وعليهم ما عليهم. وأما الموالي (الخدم) من غير المسلمين، فهم على دينهم، ولهم ما على بني دينهم تماما.
وكان جون عبداً مملوكاً اشتراه علي بن أبي طالب ثمّ وَهَبه لأبي ذرّ الغِفاريّ، وبعد وفاة هذا الصحابيّ رجع جَون إلى الحسن بن علي. قال الفتّونيّ: «كان جون مُنضمّاً إلى أهل البيت عليهم السّلام بعد أبي ذرّ رضي الله عنه، فكان مع الحسن بن عليّ عليهما السّلام، ثمّ انضمّ إلى الحسين عليه السّلام وصَحِبَه في سفره إلى مكّة ثمّ إلى العراق». هو کان من شهداء كربلاء. مولى أبي ذر الغفاري وكان عبداً أسود. منعه الحسين في يوم عاشوراء عن القتال، حيث قال له الإمام الحسين عليه السّلام: أنت في إذْنٍ منّي، فإنّما تَبِعْتَنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا. (أي إنك ملزم بإتباعنا طلبا لمعيشتك، وانت في حّل مني، لكيلا تصاب بأذى)، ولكنه قال للإمام: والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.
2. أما وهب، فالمصادر التاريخية المعتمدة كالطبري ونور العين، لا تذكره أطلاقا، بل تذكر والده «عبد الله بن عمير الکلبي» لا «وهب بن عبد الله»، وربما جاء الخلط من كنية أمه التي كانت تدعى أم وهب. وتشير المصادر الشيعية الى إن وهب قاتل حتى قتل، ولما قُتل وهب كانت أمه وزوجته واقفتان في مدخل المعسكر. وجهاهما كان يُشع فخراً واعتزازاً بوهب وتضحيته. عمر ابن سعد أمر بقطع رأس وهب عن جسده ورمى به لأمه. أمه رفعت الرأس وقبلته ورمته إلى عمر ابن سعد وصرحت أنها لا تسترجع شيئاً وهبته لإمامها وإسلامها وأنها تتأسف أن لديها ابن واحد لتضحي به. ولو كان لديها عشرين غيره لحاربوا جميعهم ضد يزيد. ثم دخلت الخيمة وعانقت عروس ابنها. وفي تلك اللحظة أقبلت عليهما السيدة زينب أُخت الإمام الحسين (ع) معانقة ومواسية لهما ودعت الله سبحانه وتعالى أن يلهمهما الصبر والقوة. حسب بعض الروايات فإن عروس وهب قُتلت أيضاً في ذلك اليوم في كربلاء. اوعند الخوارزمي أن التي قتلت هي أمه.
سادسا. إن إنتقاد البطريرك ساكو لريان الكلداني لم يكن مبرراً، ولا موافقاً للقانون. فكتائب بابليون، وكما أسلفنا، هي فصيل واحد من سبعة فصائل مسيحية مسلحة، كما إنه جاء مخالفاً للتوجه الحكومي الرسمي في الوقت الحاضر، ومتوافقاً مع توجهات مذهب أخر، حيث أثار إمتعاض الشيعة، وإستحسان السُنة في نفس الوقت. وهذا ما يفسّر تسارع قناتي الجزيرة والشرقية، وصحيفتي القدس العربي وغيرها الى تبني الموضوع وتطويره. كما إنه لم يكن مقبولا من رجل دين بمثابة رأس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق. وكان من الأفضل صدور التصريح من جهة سياسية مدنية.
سابعا. إن البطريرك الكلداني يمثل المسيحيين الكلدان الكاثوليك دينياً فقط، ولا يستطيع تمثيل المسيحيين سياسياً، وحتى لو تسنى له ذلك، فإنه لن يكون إلا ممثلا للطائفة الكلدانية فقط. كما إن ريان الكلداني لا يمّثل المسيحيين، وكما أقّر هو بذلك، في مقابلة له على قناة NRT بتاريخ 18/2/2017.
ثامنا. إن رضا البطريركية والبطريرك عن ممثلي المسيحيين الأخرين مثل يوخنا ويونادم بحسب تصريح البطريرك، وإنكاره ذلك على ريان الكلداني، إنما يدل على إن البطريركية ما زالت تعتمد المبدأ القديم وهو مبدأ الموالاة، أي منح البركة للإمبراطور، بعد أن يقدم الأخير فروض الولاء والطاعة لممثل الكنيسة. وهذا المبدأ لم يعد متبعاً أو مقبولا بعد فصل الدين عن الدولة، منذ قيام الثورة الفرنسية عام 1789، ثم قرار الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1790 التي أرغمت رجال الدين للخضوع للقانون المدني، وأخيرا قرار فصل الدين عن للدولة عام 1905على أساس التفريق بينهما. فريان الكلداني يختلف عن الممثلين المسيحيين الآخرين في إستقلاليته، وعدم الرجوع الى الكنيسة في قراراته. كما إن الكنيسة، وتحديداً الكلدانية، كانت تتبع سياسة الإنحياز لسلطة الدولة، وإذا كانت هذه السياسة ناجحة وموفقة عند وجود الدولة، فإنها غير ذات جدوى، في حالة غياب مفهوم الدولة، وهذا ما يشهده العراق في الوقت الراهن. وهذا ما يعاني منه البطريرك ساكو أيضا، وقد أشار الى ذلك بمرارة في مستهل كلمته التي ألقاها أثناء إنعقاد مؤتمر الحوار بين الأديان والمذاهب في العراق للفترة من 31كانون الثاني ولغاية 2شباط 2015، عندما إنتقد مغادرة الرئاسات الثلاث العبادي والجبوري ومعصوم فور الإنتهاء من إلقاء كلماتهم، حيث قال: “الرؤساء الثلاثة أسمعونا أصواتهم ثم غادروا ثم غادروا دون أن يسمعوا معاناتنا ومشاكلنا وهذا مؤسف”. (39)
كما إن هذا الموقف السياسي قد أوقع البطريرك في حبائل السياسة المتغيرة، كما أوقعه في دسائس الإعلام وتضليله. فهذا النائب (عماد يوخنا) الذي إعتبره بيان البطريركية الصادر في 13 ماس 2016، الممثل الرسمي للمسيحيين، بإعتباره عضواً في مجلس النواب، كان أول من سارع للدفاع عن الحشد الشعبي وبضمنها هذه الكتائب، في مقابلة له مع قناة المساء بتاريخ 7/2/2017، قائلا: “وجود الحشد الشعبي التي أصبحت هيئة رسمية في العراق، قبل كانت هيئة غير رسمية، وكانت هيئة مؤقتة، لكن بعد أن قامت بمهام قتالية وتضحيات عالية في كثير من المناطق، وربطها بالقائد العام للقوات المسلحة … أصبحت هيئة الحشد الشعبي هيئة رسمية اليوم”.(38) أما النائب الآخر يونادم كنّا، فقد إلتزم الصمت ولم يصدر منه أي تصريح، ولم يدافع عن البطريرك، لا من قريب ولا من بعيد. وجاء تغيير موقفهما إنسجاماً مع القانون الجديد، الذي أضفى الشرعية لهذه الهيئة.
وبعد تجربة الحكم الديني في العراق لمدة 14 سنة، وما جلبه من إخفاقات وكوارث، يمكن القول إن هذا المبدأ الأوربي بدأ ينمو في العراق، وقد تبنى بعض السياسيين المسلمين عموما، والشيعة على وجه الخصوص، هذا المفهوم، وإنطلاقا من هذا المفهوم فقد صّرح النائب فائق الشيخ علي، في مقابلة تلفزيونية على قناة الرشيد بتاريخ 22/2/2017، قائلا: –
“رجل الدين الحقيقي، أنا أقلده وأمشي وراءه في أحكام الدين. أما بالسياسة فهو يمشي ورائي، أنا السياسي وليس هو. يجوز حفاظاً عليه لأن السياسة مستنقع، فلا أريده أن يتلطخ، وهو طهارة يمّثل … والممارسة السياسية أنا أمارسها وهو لا يمارسها”. (40)

– نحو بناء موقف متطور
إن معضلة المسيحيين في العراق تتمثل في الإنقسام المذهبي والقومي، وهو أمر تعاني منه بقية الأديان والقوميات في العراق، وهذا ما نجده لدى المسلمين والاكراد وغيرهم، بحيث تعذر إيجاد قواسم مشتركة توحد جميع فئات الشعب، وخاصة بعد عام 2003 وحتى يومنا هذا. ويمكن طرح جملة مقترحات في هذا الصدد:
1- إعتماد مبدأ المواطنة أساساً للتعامل، حتى في ظّل تجاهل الحكومة له.
2- الإستناد الى ضمانات حقوق الانسان، وتحديداً حقوق الأقليات والشعوب الاصيلة، لتعزيز الخطاب الديني.
3- تطوير الخطاب البطريركي، ليكون أكثر تحديداً ودقة، وفقاً لقواعد الإعلام المهني المحترف.
4- الابتعاد عن القضايا الشائكة والمثيرة للجدل، وخاصة تلك التي لا تدخل ضمن الإختصاص الديني.
5- عدم الانجرار وراء سلطة الإسلام السياسي القائم حاليا، لإن ذلك سيربط مصير الجماعات المسيحية ومرجعياتها في العراق بتلك السلطة، والتي تشير كل المؤشرات الى قرب نهايتها.
6- إستحداث وظيفة المتحدث الرسمي للبطريركية الكلدانية، إذا ما أريد لها الخوض في مجالات متعددة.
7- الاستعانة بمشاور قانوني أو فريق من المستشارين القانونيين لدراسة الجوانب القانونية لأي مشكلة، وتقديم الإستشارة القانونية المطلوبة.
8- ترتيب البيت المسيحي، ليعود لدوره الأصلي والفاعل في بناء العراق.
9- تطوير وتوحيد خطاب الأحزاب السياسية المسيحية، والتنسيق مع الفصائل المسيحية المسلحة، وعدم الإنسياق وراء سياسات الأحزاب الأخرى، وإستنساخ تجاربها الفاشلة على هذا الجزء الأصيل من الشعب.

إن من شأن هذه الخطوات وغيرها، أن تجنب مسيحيي العراق أزمات جديدة، وأن يلعبوا دورا أفضل في مستقبل العراق ما بعد داعش كما هو شأنهم دائما، والذي ترى كل مراكز الدراسات الستراتيجية وحاويات الفكر السياسي انه مستقبل صعب، حيث سيظهر التصارع بين الجماعات المسلحة التي قاتلت داعش والتي ستبرز كقوى مؤثرة على الساحة السياسية العراقية مطالبة بمكانتها المتميزة ومكافئتها في القضاء على داعش، لذا فقادم الأيام حبلى بالمفاجآت.

د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
7 مارس 2017

المصادر
(1) https://www.youtube.com/watch?v=UwlCnnSJEgs
(2) هو جَون بن حَوِيّ، كان عبداً مملوكاً اشتراه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ وَهَبه لأبي ذرّ الغِفاريّ، وبعد وفاة هذا الصحابيّ الجليل رجع جَون إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام. التحق جون مولى أبي ذرّ بالركب الحسينيّ، وسمع من الإمام الحسين عليه السّلام إذْنَين: الأوّل ـ عامّ للأصحاب بالانصراف: انطلِقُوا جميعاً في حِلّ، ليس عليكم منّي ذِمام، هذا الليل قد غَشِيَكم فآتَّخِذوه جَمَلاً، فأبَوا جميعاً.. مُقْبِلين على الشهادة. والإذْن الثانيّ ـ خاصّ لبعض الأصحاب بالانصراف.. كان منهم جَون، حيث قال له الإمام الحسين عليه السّلام: أنت في إذْنٍ منّي، فإنّما تَبِعْتَنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا. فماذا أجاب جون إمامه؟ قال له: يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحَسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذُلُكم؟! واللهِ إنّ ريحي لَنتِن، وإنّ حَسَبي لَلئيم، ولوني لأسوَد، فتَنَفّسْ علَيّ بالجنّة فتطيبَ ريحي، ويَشرُفَ حَسَبي، ويَبيضَّ وجهي، لا واللهِ لا أُفارقُكم حتّى يختلطَ هذا الدمُ الأسود مع دمائكم.
أخذ أصحاب الحسين عليه السّلام يبروزون واحداً واحداً أو اثنين اثنين. وخلال هذا برز جون يستأذن الحسين عليه السّلام، فأذِن له، فحمَلَ جون وهو يرتجز ويقول:
كيف تَرى الفُجّارُ ضَربَ الأسْودِ بالمـشـرفـيِّ القـاطعِ المُـهنَّدِ
أحمـي الخيـارَ مِن بنـي محمّدِ أذُبُّ عنـهم بـاللـسـانِ واليـدِ
أرجو بذاك الفـوزَ عندَ المـوردِ مِـن الإلهِ الـواحدِ المـوحَّدِ
فقَتَل جونٌ خمسةً وعشرين رجلاً من الأعداء. حتّى تعطّفوا عليه فقتلوه رحمه الله. فجاءه الإمام الحسين عليه السّلام ووقف عليه قائلاً: «اللهمّ بَيِّضْ وجهَه، وطَيِّبْ ريحَه، واحشُرْه مع محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وعَرِّفْ بينه وبين آل محمّد عليهم السّلام».
دفن مع بقية الأنصار عند رجل الحسين. أنظر، أعيان الشيعة، ج1، ص605. وجون بن حوي، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(3) وهب ابن عبد الله الكلبي هو أحد شهداء كربلاء في يوم عاشوراء.
الروايات التي تتكلم عن شخصيته تروي قصة عروس وعريس كانا في كربلاء في يوم عاشوراء ولم يمض على زواجهما إلا حوالي شهرين. العريس كان وحيد أمه. بعد الزواج قررت الأم أن تحج إلى بيت الله الحرام وأن تأخذ معها ابنها وزوجته. وتركوا الكوفة في شهر شوال في السنة الستين للهجرة.
في طريق العودة إلى الكوفة وجدوها محاصرة. ولما سألت الأم عن السبب قيل لها أن مجموعة من المنتفضين ضربت خيامها في كربلاء وأن معسكرها محاصر لحماية أهل الكوفة من هجمتها. ولما سألت عن هذه المجموعة قيل لها أنها بقيادة الإمام الحسين (ع). لما سمعت الأم بهذا الاسم توضحت لها الأمور. تلك الأم كانت أمله وابنها متزوج حديثاً. أبوه كان من أصحاب الإمام علي (ع). لما كانت حامل بابنها مرضت مرضاً شديداً فذهب زوجها عبد الله الكلبي إلى الإمام علي (ع) وشكي إليه أنها لم تنجب أطفالأً لفترة طويلة والآن وقد أصبحت حامل مرضت مرضاً شديداً وترجى الإمام علي (ع) أن يدعوا لها بالشفاء العاجل. بعدها شفيت زوجته. في نفس السنة استشهد الإمام علي (ع) وبعد بضعة أشهر وُلد وهب وبعد سنتين توفي والده وقامت أرملته بتربية ابنها بكل حب وعطف وحنان.
لما سمعت أم وهب أن ابن الإمام علي (ع) يُتهم أنه يريد أن يُهاجم الكوفة ليقتل أهلها رفضت تصديق هذا الافتراء وصارحت ابنها أنها تريد أن تعرف ما يجري فعلاً. وهب طلب من أمه الذهاب معها. في السابع من محرم في السنة ٦١ للهجرة وصل ثلاثتهم إلى كربلاء. لما عرفوا الظروف الحقيقية للإمام الحسين (ع) قرر وهب البقاء معه والمشاركة بالقتال. لما عرفت أمه بقراره أخبرته بإحساسها أنها تشعر بالفخر الشديد به.
في يوم عاشوراء قاتل وهب مع الإمام الحسين (ع). لما قُتل وهب كانت أمه وزوجته واقفتان في مدخل المعسكر. وجهاهما كان يُشع فخراً واعتزازاً بوهب وتضحيته. عمر ابن سعد أمر بقطع رأس وهب عن جسده ورمى به لأمه. أمه رفعت الرأس و قبلته و رمته إلى عمر ابن سعد و صرحت أنها لا تسترجع شيئاً وهبته لإمامها و إسلامها و أنها تتأسف أن لديها ابن واحد لتضحي به. ولو كان لديها عشرين غيره لحاربوا جميعهم ضد يزيد. ثم دخلت الخيمة وعانقت عروس ابنها. و في تلك اللحظة أقبلت عليهما السيدة زينب أُخت الإمام الحسين (ع) معانقة و مواسية لهما و دعت الله سبحانه و تعالى أن يلهمهما الصبر و القوة. حسب بعض الروايات فإن عروس وهب قُتلت أيضاً في ذلك اليوم في كربلاء. وعند الخوارزمي أن التي قتلت هي أمه. أنظر،
http://www.eslam.de/arab/begriffe_arab/27waw/wahab_ibn_abdullah_qalbi.htm
من المقتل و الطبري، و في النسخ: حباب. الا أن في الطبري و نورالعين: «عبدالله بن عمير الکلبي» لا «وهب بن عبدالله».
(4) تم حذفه لاحقاً.
(5) د. رياض السندي، بؤس إعلام البطريركية الكلدانية، موقع عنكاوا كوم، أنظر،
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=830234.0
(6) “بابليون” تستغرب تصريحات “ساكو” وتصفه برجل الدين “المسيس” وتهدد بمقاضاته، قناة السومرية، في 16 شباط 2017. أنظر،
http://www.alsumaria.tv/news/195348/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D8%A7%D9%83%D9%88-%D9%88%D8%AA%D8%B5%D9%81%D9%87-%D8%A8%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A/ar
(7) المسيحية في العراق – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(8) كتائب بابليون – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(9) بيان البطريركية الكلدانية “لا علاقة للكنيسة الكلدانية بكتائب بابليون او غيرها”، العدد 49 في 13 مارس 2016.
(10) ميرفت عوف، «كتائب بابليون» الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق، موقع ساسة بوست في 9 يوليو,2015. https://www.sasapost.com/babylon-brigades
(11) البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية، بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق صحيفة الزمان في 22/5/2013.
http://www.azzaman.com/?p=35002
(12) البطريرك لويس ساكو يترأس ندوة تعريفية عن الرابطة الكلدانية في بغداد، موقع عنكاوا كوم في 10/05/2015.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=780345.0#sthash.RwxugPLe.dpuf
(13) البطريرك ساكو يكتب: جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي، موقع أبونا الألكتروني في 2016/03/17.
http://www.abouna.org/content/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%83-%D8%B3%D8%A7%D9%83%D9%88-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%AF%D8%A6%D9%8A
(14) بيان البطريركية حول مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، موقع البطريركية الكلدانية الالكتروني في 12 يناير2017. http://saint-adday.com/?p=16005
أنظر أيضاً، توضيح حول انسحاب البطريركية الكلدانية من “مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق”، موقع البطريركية الكلدانية الالكتروني في 18 يناير2017.
http://saint-adday.com/?p=16052
(15) البيان الإعلامي الصادر عن مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، المرقم م ع/1-2017 الصادر في 3 كانون الثاني 2017.
(16) نداء الى المكون المسيحي في العراق، موقع البطريركية الكلدانية في 15 ديسمبر 2016.
http://saint-adday.com/?p=15524
(17) ساكو ينتقد قرارات ترامب ويصف مطالبته بتعجيل قبول اللاجئين المسيحيين بـ”الفخ”، موقع المدى برس في 2017/01/31.
http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=82000
(18) البطريرك ساكو يدعو المسيحيين إلى الابتعاد عن الحشد الشعبي، موقع ميل إيست أونلاين، في 2016-12-24.
http://www.middle-east-online.com/?id=239026
(19) أنظر نص المقابلة،
https://www.alghadpress.com/news/92213/%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A7-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%86%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%AF-%D9%84%D9%83%D9%86%D9%86
(20) البطريرك ساكو يدعو إلى حماية المسيحيين في العراق، موقع عنكاوا في 26/12/2016.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=828853.0#sthash.0bgfcc2r.dpuf
(21) تصريح البطريرك ساكو في تركيا في 18 نيسان 2015.
http://www.aydinses.com/genel/goruntulu-haber-dunya-keldanileri-patrigi-soykirimla-ilgili-konustu-h522603.html

(22) أنظر نص المقابلة،
https://www.alghadpress.com/news/92213/%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A7-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%86%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%AF-%D9%84%D9%83%D9%86%D9%86
(23) توضيح حول تصريح البطريرك ساكو في تركيا، موقع بطريركية بابل الكلدانية في 13 يونيو، 2015.
http://saint-adday.com/?p=8625
(24) الاعتراف بالإبادة الجماعية – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(25) المسيحية في العراق – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(26) فؤاد يوسف قزانجي، المسيحيون في العراق، موقع زينيت في July 2008 25.
https://ar.zenit.org/articles/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82
(27) نظام ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية، الطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق رقم 32 لسنة 1981.
(28) بهنام عفاص، الحضارة المسيحية في العراق عبر العصور، 2009.
(29) بول بريمر، عام قضيته في العراق، ترجمة عمر الأيوبي، بيروت 2006، ص 131.
(30) أسماء جميل وفالح عبد الجبار، الأحزاب السياسية في العراق، مركز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجية في 29-07-2013.
(31) مجاهد الطائي، مليشيات السلطة وسلطة المليشيات.. ماذا يعني انتشار السلطة في العراق؟، موقع نون بوست، في 10 مارس 2016.
(32) وحدات “حماية سهل نينوي”.. 6 ميليشيات مسيحية في العراق تقاتل “داعش”، بوابة الحركات الاسلامية في 10 /فبراير/2015. http://www.islamist-movements.com/26010
(33) ميرفت عوف، «كتائب بابليون» الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق، موقع ساسة بوست في 9 يوليو,2015. https://www.sasapost.com/babylon-brigades
(34) وحدات “حماية سهل نينوي”.. 6 ميليشيات مسيحية في العراق تقاتل “داعش”، بوابة الحركات الاسلامية في 10 /فبراير/2015. http://www.islamist-movements.com/26010
(35) قانون هياة الحشد الشعبي في 26 تشرين الثاني، 2016.
http://ar.parliament.iq/2016/11/26/%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d9%87%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b4%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%a8%d9%8a
(36) الموالي – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(37) وهب ابن عبد الله جناب الكلبي، الموسوعة الإسلامية.
http://www.eslam.de/arab/begriffe_arab/27waw/wahab_ibn_abdullah_qalbi.htm
(38) مقابلة مع النائب عماد يوخنا على قناة المساء في 7/2/2017.
https://www.youtube.com/watch?v=P4sgrrLLuJw&t=1153s
(39) مؤتمر الحوار بين الأديان والمذاهب في العراق … دعوة لوحدة الصف وانتقاد لمغادرة العبادي والجبوري ومعصوم، موقع عراق برس، في 31 كانون الثاني 2015.
(40) فائق الشيخ علي، مقابلة تلفزيونية على قناة الرشيد بتاريخ 22/2/2017.

About رياض السندي

د. رياض السندي دكتوراه في القانون الدولي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.