الإختلاف الايديولوجي لا يتعارض دائما مع وحدة الأهداف/1

1. إشكالية مصطلح الإرهاب وربطه بالإسلام حصرا
افرزت الأوضاع الدولية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الكثير من المصطلحات التي إعتاد رجال السياسة إستخدامها في أحاديثهم وحواراتهم، وكذلك وسائل الإعلام الدولية في تغطية الأخبار، على الرغم أن بعضها غير ناضج ويحتاج الى المزيد من التوضيح كي يمكن الخروج منه بتعريف دقيق يتوافق مع الحقائق على الأرض. وأبرز هذه المصطلحات هو (الإرهاب). من المؤسف ان هذا المصطلح رُبط بطريقة مجحفة بالإسلام، في الوقت الذي يصر حتى الساسة أنفسهم بالقول ان الإرهاب لا يرتبط بدين ومذهب وجنس وقومية ولون ودولة، لكن عندما يقوم مسلم بعملية إرهابية، تطلق أبواق الأعلام على الفور مصطلح (الإرهاب الإسلامي)، وعندما يقوم مسيحي او يهودي بعملية إرهابية، فلا تطلق مصطلح (الإرهاب اليهودي) و(الإرهاب المسيحي) مع ان هذه العمليات تدخل في خانة الإرهاب. فلماذا هذه الإزدواجية في التعامل مع مفهوم الإرهاب؟
سنحاول تفكيك المصطلح على ضوء التغييرات الحالية في المشهد السياسي الدولي، وانفراد القطب الأمريكي في تصنيف المصطلحات السياسية وفقا لمصالحه الخاصة ورؤية مفكريه، إنها بلا شك إرادة القوة والنفوذ وربما الغطرسة، أو ما أطلق عليه النظام الإيراني قوى الإستكبار العالمي. وربما الأوضاع السائدة في ايران والعراق وافغانستان وسوريا واليمن ولبنان وتداخل وتشابك العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة، وروسيا من جهة أخرى مع هذه المجموعة الحاضنة او المصدرة للإرهاب، يلقى ظلالا جزئيا على تعريف الإرهاب، أو على أقل تقدير التقرب من المفهوم. وهناك حاجة ماسة لتحديد خصائص الإرهاب واسبابه ومصادر تمويله وكيفية التعامل معه بصورة صحيحة في حال توفر الجدية والجهود الحقيقية لمحاربته.
إذا اخذنا بوجهة نظر الولايات المتحدة الامريكية واوربا في ربط الإرهاب بالإسلام، فأن من يدفع ثمن الإرهاب هم المسلمون أنفسهم، والدماء الامريكية والأوربية التي اراقها الإرهاب ليس سوى قطرة من نهر الدماء العربي والإسلامي المراق يوميا بل وفي كل ساعة. كما ان الحرب على الإرهاب تجري على الساحة العربية والإسلامية وليس على الساحتين الامريكية والأوربية، والثروات التي تستنزفها عمليات محاربة الأرهاب يتحمل وطئتها الرئيسة العرب والمسلمون، والأضرار التي خلفها الإرهاب في الولايات المتحدة واوربا لا تعادل عشر ما تعرضت له الدول العربية والإسلامية، بمعنى ان ضحية الإرهاب هم بالدرجة الأساس المسلمون أنفسهم، وليس من الإنصاف ان تُلصق صفة الإرهاب بالمسلمين، طالموا هم من أبرز ضحاياه.
مع بروز الإدارة الامريكية الجديدة بزعامة ترامب، تصاعدت الحملات الإعلامية بين الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الإسلامية الايرانية، في الوقت الذي كانت إداراة اوباما الضعيفة ـ حسب وصف الامريكان أنفسهم ـ قد غضت النظر بشكل مقرف عن توسع الدور الايراني في المنطقة وما رافقه من إضطرابات وعنف وإرهاب، بل وتمزق دول وتحولها الى كيانات هشة كالعراق وسوريا واليمن ولبنان. فقد فتح الصمت الامريكي المطبق الأبواب أمام الدب الروسي على مصراعيها، وفقدت الولايات المتحدة أبرز حلفائها العرب سيما دول الخليج العربي علاوة على تركيا، وسخر النظام الإيراني كل امكاناته لخدمة الدب الروسي بما فيها إقامة قواعد عسكرية على أراضيه، ولكن ما لم يدركه النظام الإيراني في علاقته مع الروس ان المصالح هي الدفة التي تدير العلاقات الدولية، فلا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم كما عبر ونستون نشرشل في القرن الماضي، وابرز دليل على ذلك هو تفريط الولايات المتحدة بعلاقاتها مع دول الخليج العربي وتركيا لصالح إيران نفسها، ثم انقلاب الرئيس الامريكي الجديد على النظام الإيراني، فقد أختار طاقم رئاسي معادي للنظام الإيراني، واعتبر الإتفاق النووي أسوأ إتفاق قامت بها إدارة الرئيس السابق أوباما، بمعنى أيام السعد الإيراني قد ولت، وهذا ما عبر عنه (مايكل فلين) مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض” كان المجتمع الدولي متسامحا جدا مع سلوك إيران السيء، وقد ولت أيام غض الطرف عن أعمال إيران العدائية تجاه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي”. كما وصف (جيمس ماتيس) وزير الدفاع الأمريكي في 5/2/2017 إيران بأنها” أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وسط تصاعد التوتر بين البلدين. وجاءت تعليقات ماتيس بعد يوم واحد من فرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران بسبب تجربتها صاروخا باليستيا”.
علاوة على ذلك فرضت الإدارة الأمريكية الجديدة أول عقوبة على إيران شملت (13) شخصا و (12) شركة في كل من الإمارات العربية المتحدة، ولبنان، والصين، على أساس ان لها علاقة بتزويد إيران بالتكنولوجيا المستخدمة في صناعة الصواريخ الباليستية. كانت العقوبة بمثابة رد مناسب على تجربة إطلاق إيران صاروخ باليستي، وكردة فعل مقابل تلك العقوبات الأمريكية الجديدة أعلنت إيران في 4/2/2017 عن إجراء تدريبات عسكرية جديدة تتضمنها اختبار أنظمة رادار وصواريخ في تحدِ للعقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد. خلال فترة قصيرة تدرأت ايران على تجربة أخرى فُسرت كإستفزاز لإدارة ترامب أو لمعرفة قوة رد فعله انجاهها، فقد قامت بتجربة صاروخية ثانية، من جهتها اعتبرت إدارة ترامب اختبار إيران الصاروخي انتهاكاً للقرار الدولي المرقم (2231) الذي طالب إيران بعدم القيام بأي نشاط له علاقة بالصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية، وكتب دونالد ترامب تغريدة تحذيرية على تويتر” أن إيران تلعب بالنار، والإيرانيين لا يقدّرون كم كان أوباما طيبًا معهم، أما أنا فلست مثله”.
ويبدو أن غطرسة إدارة الرئيس الإيراني لا تقل قوة عن غطرسة إدارة الرئيس ترامب، فقد أطلق الرئيس الإيراني تصريحا إستفزازيا لم يحدد الجهة المقصودة، لكنها ليست طلسما غير قابل للحل، لذا جاء رد الرئيس ترامب سريعا في 10/2/2017 مخاطبا روحاني” عليك الحذر!” ويبدو ان النظام الإيراني أدرك بأنه يلعب بالنار، سيما ان الحليف الروسي لايؤتمن جانبه كما توضح في موقفه تجاه ايران وحزب الله في سوريا. سيما بعد أن عبر وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) عن قلقه من الإدارة الامريكية الجديدة خلال حديث خاص مع جريدة (إطلاعات) الإيرانية بأن” الرئيس الأمريكي يعتبر الإتفاق النووي أسوأ اتفاق مع إيران، لأن الأمريكان اعتادوا على أن يأخذوا أقصى ما يمكن أخذه من الآخرين”.
علاوة على ما يدور في أروقة المخابرات الأمريكية والتي عبرت عنها صحيفة (واشنطن بوست) بشأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي، وقد رفض ( شون سبايسر) المتحدث باسم البيت الأبيض التعليق على هذا الموضوع. وذكر مراقبون بـأن مثل هذا القرار سيكون فريدا من نوعه في الولايات المتحدة حيث تُصنف مؤسسة حكومية على قائمة الإرهاب الدولي، وأن ذلك في حال حدوثه سيعزز موقف المتشددين مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد.
لا يوجد شك بأن وجود الميليشيات المسلحة في المنطقة يعتبر واحد من أبرز أوجه الإرهاب، وان معظم الميليشيات ترتبط بالنظام الإيراني من ناحية الدعم والتدريب والتمويل والتسليح والتجهيز، وهي تخدم أجندة السيطرة والتوسع والإستيطان الإيراني في المنطقة، فالحوثيون في اليمن، وحزب الله في لبنان والشبيحة والميليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية في سوريا علاوة على وجود حوالي (100) ميليشيا مسلحة خارج القوات المسلحة العراقية بإعتراف رئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) علاوة على أكثر من (60) ميليشيا حكومية منضوية تحت ما يسمى بالحشد الشعبي في العراق ترتبط إرتباطا مباشرا بالجنرال الإيراني سليماني بإعتراف قادتها، كل هذا يعني إنه على مستوى المنطقة تعتبر إيران فعلا الراعية الأولى للإرهاب المحلي، ولكن على المستوى العالمي وبالرجوع الى التركة الأمريكية الثقيلة في العراق وإفغانستان وسوريا وتأريخ الولايات المتحدة في المنطقة سنجد أن الولايات المتحدة هي الراعية الأولى للإرهاب الدولي.
الأمر الذي يثير الغرابة ان هناك تخادم امريكي ايراني محير في المنطقة على الرغم من الضجيج الإعلامي للطرفين، فالنظام الإيراني الذي يعتبر الولايات المتحدة الأمريكية (الشيطان الأكبر)، والولايات المتحدة التي تعتبر النظام الإيراني (محور الشر) كلاهما يتعاونان علنا في العراق! فالولايات المتحدة الأمريكية توفر الغطاء الجوي للميليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني في المعارك الدائرة في العراق، ولولا هذا الغطاء الجوي لما تمكنت القوات العراقية والحشد الشعبي من تحرير قرية واحدة بإعتراف سياسيين عراقيين. وهذا التخادم بين الأخوة الإعداء يفند كل الإدعاءات التي يصرح بها زعماء هذه الميليشيات الشيعية ضد الولايات المتحدة بالتناغم مع تصريحات الولي الفقيه في إيران ضد الشيطان الأكبر، وآخرها تصريحات زعيم ميليشيا (أبو الفضل العباس) إحدى تشكيلات الحشد الشعبي، فقد هدد زعيمها (أوس الخفاجي) في 10/2/2017 بضرب البارجات الحربية الأمريكية في البحر الأحمر، في الوقت الذي تؤمن الولايات المتحدة لجماعته الغطاء الجوي في الحرب على داعش! ولا يخفى على مطلع بأن الولايات المتحدة الامريكية تدعم الميليشيات الحكومية وسبق أن أشادت بدورها في الحرب على داعش مع ان هذه الميليشيات مصنفة بالإرهاب وفقا للتعريف الامريكي من جهة، وميثاق الأمم المتحدة من جهة أخرى. ولا نفهم لماذا يهدد الخفاجي البارجات الامريكية في البحر الأحمر مع ان القواعد الامريكية في العراق بالقرب من مقراته!
فقد اكدت منظمة العفو الدولية في تقرير بعنوان (العراق: غض الطرف عن تسليح ميليشيات الحشد الشعبي) نشر في 5/1/2017 بـأنه ” منذ حزيران 2014 أعدمت ميليشيات الحشد الشعبي خارج نطاق القضاء٬ أو قتلت على نحو غير مشروع٬ وعذبت واختطفت آلاف الرجال والصبيان، وان بعض هؤلاء تم اقتيادهم من بيوتهم أو أماكن عملهم٬ أو من مخيمات النازحين داخليا٬ أو لدى مرورهم بحواجز التفتيش٬ أو من أماكن عامة أخرى وان الآلاف منهم لا يزالون في عداد المفقودين٬ رغم مرور أسابيع وأشهر وسنوات على اختطافهم”. وهنا نقف مشدوهين أمام الدعم الأمريكي للميليشيات العراقية التابعة لإيران، سيما بعد أن صرح العميد ناصر شعباني قائد الفيلق الرابع في منطقة كرمانشاه غربي ايران ومستشار قاسم سليماني في 20/11/2016 أن ” اقرار قانون الحشد الشعبي سيمهد الى جعل العراق ضمن الامبراطورية الايرانية القوة العظمى بوجه الولايات المتحدة”!
والأمر الآخر الذي يثير الحيرة هو تصنيف الولايات المتحدة لحزب (بي كي كي) التركي كتنظيم إرهابي، من المعروف أن الحكومة الإيرانية والنظام الحاكم في العراق يتعاونان مع هذا التنظيم الإرهابي وفقا للرؤية الامريكية والذي يحتل خطا بطول 100كم يمتد من سنجار الى جبل قنديل منذ عام 2015، وتوفر القوات الأمريكية الغطاء الجوي للتنظيم الإرهابي بحجة محاربة داعش. وقد إعترف نائب رئيس الجمهورية (أسامة النجيفي) في 15/2/2017 بأن الحكومة العراقية” قطعت رواتب حزب العمال التركي بعد الإتفاق الذي أبرمته مع تركيا مؤخرا”. في الوقت الذي كانت فيه حكومة العبادي تنكر هذا التعاون والدعم المادي لحزب (بي كي كي). ويبدو على أقل تقدير أن تنظيم الدولة الإسلامية قد جمع ووحد جميع الخصوم والمتصارعين في جبهة واحدة، لذا تاه تعريف الإرهاب في مسالك الأساليب المتناقضة لمحاربته، وصار من الصعب تفهم كيف يُحارب الإرهاب بالإرهاب! ولماذا يدفع المسلمون فاتورته وبقية الدول الفوائد فقط؟ ومن يقف وراء هذا الإقتتال الإسلامي ـ الإسلامي؟ وكيف سُمح لتنظيم الدولة بالتحول من برعم الى شجرة شاهقة في ظل الحرب ضده منذ أحداث سبتمبر، ولماذا لم يجهض خلال تبرعمه؟ كيف نتفهم ان من يحارب الإرهاب هو نفسه متهم بالإرهاب. أسئلة كثيرة لا أجوبه لها، وتداخلات لا يمكن فك رباطها، ربما الأجيال القادمة ستعرفها بعد (25) عاما أو أكثر عندما تسمح الدوائر الأمريكية بالكشف عنها، هذا إذا سمحت فعلا!
لكن الحقيقة المؤكدة هي (أن كانت الولايات المتحدة مصنع الأنظمة الفاشلة، فأن النظام الإيراني مصنع الميليشيات الإرهابية التي تدعم تلك الأنظمة الفاشلة).
لأن الحديث في هذا الموضوع متعدد الجوانب، ومتشعب الأطراف، لذا سنحاول التركيز على الموقفين الأمريكي والإيراني من الإرهاب، وسنقصر الحديث على موقفهما من تنظيمي القاعدة وخلفه تنظيم الدولة الإسلامية، وهل فعلا إن إيران هي الدولة الأولى في العالم الراعية للإرهاب؟ وسيكون المبحث على شكل حلقات، نبدأها بتعريف الإرهاب ونختمها بالمواقف المتناقضة لتنظيم الدولة تجاه دول المنطقة عموما وإيران بشكل خاص.
علي الكاش

About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.