عود على بدء.. حول العرب والآراميين

كلما طرح موضوع بيت عربايا شمالي بلاد الجزيرة الفراتية هب الأخوة السريان للمجادلة بأن هذا المصطلح لا يعني مكان أو بلاد العرب بل يعني الصحراء والبادية في اللغة السريانية. وكلما ظننت أن الادلة التي أقدمها لهم كافية لجعلهم يعدلون عن فكرتهم غير الصحيحة، أجد أحدهم يسارع إلى فتح جدال معي حول نفس الموضوع.
ولذلك أود أن أوضح مايلي:
1- أنا لست عروبياً، ولا أحمل أي ايديولوجيا، ولا أبشر بأي فكر أو كيان، وما أفعله هو بحث تاريخي آثاري علمي لا هدف له سوى توسيع المدارك بالعودة إلى المصادر الأصلية من دون المرور على فلاتر الباحثين والمستشرقين.
2- بالنسبة لمصطلح بيت عربايا، مرتبط بمصطلح آخر هو بيت أرامايا، وهذان المصطلحان ظهرا في الفترة المسيحية بعد القرن الثالث الميلادي، فبيت عربايا تعني بلاد العرب وبيت آرامايا تعني بلاد الآراميين، وأي مبتدئ باللغة السريانية يعرف أن كلمة بيت لا تقترن بتسمية مجهولة أو عامة، بل تقترن بشيء محدد، هو، على الغالب اسم قبيلة أو شعب أو مهنة أو جماعة أو شخص. فمثلا لايقال بيت الصحراء أو بيت الجبل أو بيت البحر، بل يقال بيت صيدا مكان الصيد أو الصيادين، بيت يقين، مكان قبيلة يقين الكلدانية، بيت ساوا مكان شخص يدعى ساوا، بيت الدين، مكان العبادة أو المعبد.. إلخ، عربايا هي صيغة جمع النسبة بالنبطية والتدمرية والسريانية الرهاوية، فيقال عربايا أي العرب وأرمايا أي الآراميين، وتدمريا أي التدمريين، نبطيا أي الأنباط. أرمنيا أي الأرمن، روميا أي الروم، أما إذا أردنا أن نقول عربا بمعى بادية وأرض جرداء فهي عربا وليس عربايا، وحتى في العربية الفصحى كلمة تعرّب أي سكن البادية، لأن البادية هي العربة، وسميت البادية بالعربة لأنها واضحة وبسيطة ومنها أعرب عن فكرته أي أفصح. فمصدر عربا السريانية وعربة العربية الفصيحة هنا لا علاقة له بالعرب كجنس بل بمعنى البادية والوضوع والإبانة. ولذلك فالزعم بأن عربايا السريانية تعني الصحراء هو زعم غير صحيح وإلا لجاز لنا أن نقول أن معنى بيت أرمايا يعني مكان المرتفعات على اعتبار أن آرام تعني المكان المرتفع.
3- تسمية هذه المنطقة بأنها عربيا أو
arabia
هي تسمية قديمة جداً، تعود إلى الحقبة اليونانية، وبعدها الرومانية، بليني وديودور الصقلي وغيرهم من المؤرخين ذكروا هذا الاسم الذي يعني شعب وليس صحراء. وقد ذكر بلوتارخ في كتابه الحياة، وتحديدا عند حديثه عن حملة كراسوس على بارثيا في العام 53 قبل الميلاد أن الشيخ العربي (حرفيا) أريا بن معن، (مصادر أخرى تسميه أبجر الأول)، قال لكراسوس وهم لم يتجاوزوا أرض حران جنوب الرها: أنت الآن في البرية الفاصلة بين
(arabia و assyria)
وفق الترجمة الانكليزية، ووفق النص اليوناني
(Ασσυρία. Άραβες).

4- لم أجد أي فرق بين الشعوب التي تسميها المصادر اليونانية والرومانية في القرون الاولى قبل الميلاد وبعده باسم العرب وهي (الانباط جنوب دمشق إلى شمالي الحجاز، والايطوريين سكان جبال لبنان والجليل والجولان، وسكان أدوم في جنوبي فلسطين، والاسروينيين الرهاويين، وسكان الحضر في بادية الموصل، والميسانيين في جنوبي العراق. وعرب شمسي جرم سكان حوض العاصي) لم أجد أي فارق بينهم وبين من يسميهم المورخون المعاصرون الآراميون، فلا أثر للتسمية الآرامية خلال العصرين اليوناني والروماني، والتسمية الوحيدة المعتمدة هي تسمية العرب.
5- التسمية الارامية تواصلت في النصوص الدينية خلال العصر البيزنطي، وفي هذه المرحلة تحديداً ظهر مصطلح بيت أرمايا في استعادة لمدينة أور الأسطورية القديمة موطن النبي ابراهيم.
6- من أجل كل ذلك أفضل تسمية العرب الشماليين لأنها أدق من الناحية العلمية والتاريخية من تسمية الآراميين.

الصورة: رأس تمثال سنطروق ملك العرب كما هو مدون على قاعدته (ملك د عرب) وهو ملك مملكة الحضر شمالي العراق، عثر عليه في لبنان بيد عصابة تهريب

About تيسير خلف

تيسير خلف كاتب وصحفي ومؤرخ سوري
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.