بين ناقدين كاتبين

كي لا يقال بأنني أنتصر هنا لفلان ضد علان، فإنني أؤكد سلفا أنني أعمل بالقاعدة التي تقول: “لا تنظر الى من قال، بل انظر الى ما قال”. إن كان قوله صحيحا قبلناه، بغض النظر عن صاحبه سواء كان يسوى او لا يسوى بالتقييم العام لما يكتب.
أصل الحكاية (بدون الأسماء) ان أحد الزملاء عَرَّضَ بزميل آخر له دون ذكر أسمه، معايراً اياه بأنه لا يجيد معرفة النحو العربي، كان الأول معلم مدرسة امتهن حرفة الأدب والنقد بعد ان خرج للتقاعد.
انا شخصياً اعتبر الزميلين صديقين وزميلين لي، أعزهما وأحترمهما وأكن لهما كل مودة واحترام بدون النظر الى مستوى ما يكتبان، لأنه من الطبيعي ان هناك تفاوتا بين انتاج الكتاب او الشعراء فيما يكتبون، حتى ان هناك تفاوتا بين انتاج الكاتب نفسه، فمنه الجيد ومنه الأقل جودة، بل وما هو دون ذلك أحيانا.
كنت اتمنى على الزميلين ان يعملا بمعيارنا الوطني والانساني القائل “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”، لكنهما أحيانا، وللأسف، ينزلقان الى خارج النهج الأدبي، يطلقان عبارات حادة نابية لا تليق بمكانتهما ولا بما يمثلان من ابداع أدبي او حتى بعلاقة مع موضوع النقاش.
على أي حال اريد فقط ان اؤكد لأديبنا الأريب اللبيب ان معرفة النحو العربي لا تخلق اديبا ولا تصنع أدبا. ضعف معرفة النحو لا تعيب الأديب المبدع ولا تضر بأدبه، كم من اديب مجيد وله اسم بارز في مجمل الكتابة الابداعية على مستوى العالم العربي ولا يحسن النحو العربي. وكم من نحوي ضليع بالنحو لدرجة منافسة سيبويه لكن لا علاقة له بالإبداع الأدبي، واذا كتب نجده لغويا بارعا وابداعا هزيلا لا يستحق القراءة!!
اليكم ما يقوله ابن خلدون، وثنى عليه الأديب الفلسطيني الكبير خليل سليم السكاكيني. قال ابن خلدون حول نفس الموضوع ” ان العلم بقواعد الاعراب، انما هو العلم بكيفية العمل وليس هو العمل نفسه، لذلك نجد كثيرا من جهابذة النحاة والمهرة في صناعة العربية المحيطين بتلك القوانين اذا سئل في كتابة سطرين الى أخيه أو ذي مودته، أو شكوى ظلامة، او قصد من قصوده، أخطأ فيها عن الصواب وأكثر فيها من اللحن ولم يجد تأليف الكلام لذلك ، والعبارة عن المقصود على اساليب اللسان العربي، وكذا نجد من يحسن هذه الملكة ويجيد الفنين، في المنظوم والمنثور، وهو لا يحسن اعراب الفاعل من المفعول ولا المرفوع من المجرور ولا شيئا من قوانين صناعة العربية، فمن هذا تعلم ان تلك الملكة هي غير صناعة العربية وانها مستغنية عنها بالجملة. وقد تجد بعض المهرة في صناعة الاعراب، بصيراً بحال هذه الملكة وهو قليل واتفاقي”.
فماذا يقول استاذ اللغة العربية الآن؟! هل يتراجع عن رأيه وموقفه؟! هذا بالرغم من اعتقادي بأن معرفة النحو تضيف للكاتب المبدع، صاحب الملكة الابداعية، وعدم معرفته تعتبر نقصا بسيطا لا يجب ان يحول دون اعطاء المبدع حقه ..لأن المضمون والأسلوب أكثر اهمية من الشكل.
في جميع اللغات ودور النشر، ما عدا اللغة العربية… هناك ما يعرف باسم المحرر اللغوي، الذي يضبط اللغة بالتنسيق مع المبدع، ولا يصدر أي كتاب دون ان يسجل اسم المحرر اللغوي على صفحة التعريف بالكتاب الى جانب اسم الكاتب.
nabiloudeh@gmail.com

About نبيل عودة

نبذة عن سيرة الكاتب نبيل عودة نبيل عودة - ولدت في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947. درست سنتين هندسة ميكانيكيات ، ثم انتقلت لدرسة الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو . أكتب وأنشر القصص منذ عام1962. عانيت من حرماني من الحصول على عمل وظيفي في التعليم مثلا، في فترة سيطرة الحكم العسكري الاسرائيلي على المجتمع العربي في اسرائيل. اضطررت للعمل في مهنة الحدادة ( الصناعات المعدنية الثقيلة) 35 سنة ، منها 30 سنة كمدير عمل ومديرا للإنتاج...وواصلت الكتابة الأدبية والفكرية، ثم النقد الأدبي والمقالة السياسية. تركت عملي اثر إصابة عمل مطلع العام 2000 ..حيث عملت نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الاهالي "مع الشاعر، المفكر والاعلامي البارز سالم جبران (من شعراء المقاومة). وكانت تجربة صحفية مثيرة وثرية بكل المقاييس ، بالنسبة لي كانت جامعتي الاعلامية الهامة التي اثرتني فكريا وثقافيا واعلاميا واثرت لغتي الصحفية وقدراتي التعبيرية واللغوية . شاركت سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين اول 2010 استلمت رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية، أحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست". منشوراتي : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية) كتاب الكتروني في الانترنت ومئات كثيرة من الأعمال القصصية والمقالات والنقد التي لم تجمع بكتب بعد ، لأسباب تتعلق اساسا بغياب دار للنشر، تأخذ على عاتقها الطباعة والتوزيع.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.