ماكنة مكافحة الأمية

الكاتب فريدون تنكابني

الكاتب الإيراني الساخر فريدون تنكابني
ترجمة عادل حبه

السنة هي عام 2007. في تلك السنة كانت حملة مكافحة الأمية جارية على قدم وساق وبسرعة متزايدة. وخصصت الحكومة كل ميزانياتها العسكرية وغير العسكرية، العلنية والسرية لمكافحة الأمية. واستبدلت الشرطة الهراوات بأقلام عملاقة مربوطة بوسطِ أفراده الذين راحوا ينهالون بها ضرباً بكل من يخل بالنظام العام. كما استخدمت حربة الجنود ليبروا تلك الأقلام العملاقة. واختفت العقوبات على الجرائم كاستخدام السوط والسجن والإعدام. فإذا ما خالف سائق السيارة قواعد المرور واجتاز الضوء الأحمر، فإنه يُجبر على الجلوس وراء منضدة عند أول نقطة لشرطة المرور ويعيد كتابة العبارة التالية مائة مرة:”سوف لا أجتاز الضوء الأحمرمرة أخرى”. وإذا ما دهس السائق أحد الأطفال، فالعقوبة تتضاعف ويُجبر السائق على كتابة الجملة التالية عشرة آلاف مرة:” سوف لا أدهس الطفل مرة أخرى”. لقد عُلقت لافتات كبيرة على واجهات دكاكين القصابين والخبازين والبقالين تتضمن الإعلان التالي:”لا نبيع البضائع للأميين”. كما أمتنع المصورون عن التقاط أي صور للأمييين، كما رفضت مديريات الجنسية العامة إصدار أية جنسية للأميين، هذا في الوقت الذي يُطلب من الملتحقين بصفوف مكافحة الأمية أربعة تصاوير ونسختين مصورتين من الجنسية. لقد كان الناس ينتظرون في صف انتظار الحافلات وسيارات الأجرة وهم يحملون ويقرأون كراريس صغيرة وكبيرة رخيصة الثمن نشرها “مركز نشر الكتب للأميين”، كما يمكن أن ترى هذه الكراريس وهي موزعة بكثرة على صالونات الحلاقة وصباغة الأحذية وغرف الانتظار في عيادة الأطباء. وتبرع موظفوا الدولة عن طيب خاطر براتب شهري كامل بدلاً من راتب يوم واحد من أجل هذه القضية المقدسة لمكافحة الأمية، ولذا فهم يذوقون طعم الموت وزوجاتهم وأولادهم وتتولى الدولة أقامة مراسيم العزاء لهم. وقام العامة بالتبرع بكل ما لديهم من نقود في صندوق خاص رقم “م-7-7” لمكافحة الأمية طبق خطة تستمر سبع سنوات. ولكن ما لبث أن راح كل متبرع يتذوق طعم الموت ويسير الناس في تشييع جنازتهم ولم يحصل المتبرعون على الجوائز التي خصصها هذا الصندوق وهي 70 سيارة و 70 كيلو من الذهب و70 كيلو من الفضة. وتم بناء مقبرة فخمة ليواروا فيها الثرى بأعتبارهم يمثلون رمزاُ من رموز نكران الذات والتضحية، وأصبحت قبورهم مزاراً تؤمهم الأجيال القادمة. وقد أقيمت مسابقة شعرية لأحسن شعر كي يتصدر المدفن، وحاز الشعر التالي في المسابقة:
خلا البيت من أي أثر للطعام كي يمتلأ بنور المعرفة والعرفان
وطبع هذا البيت على الكتب الرسمية كافة وعلى الكتب المدرسية، ونُقش على أبواب وجدران البيوت كي تبقى حملة مكافحة الأمية خالدة في وجدان الناس، كما نقش الشعر بأحرف كبيرة على سفوح جبل دماوند كي يسهل قراءته. وكان من المتوقع في ظل هذه الإجراءات الواسعة أن يتم القضاء على الأمية بشكل كامل. ولكن بسبب التطور الذي حدث في البلاد وما نتج عنه من وتيرة عالية في الزواج والولادة وارتفاع مستوى المعيشة والعناية الصحية وتراجع البطالة وحل مشكلة السكن، ارتفع عدد الأميين إلى عدة ملايين. وحسب آخر إحصاء في البلاد، فقد تجاوز عدد السكان إلى أكثر من 200 مليون نسمة. وبما أن الأمم المتحدة قد عولت على بلادنا في حملتها لمكافحة الأمية في العالم، فإن السلطات في بلادنا كانت على عجلة من أمرها كي يتم القضاء على أمية من تبقى من أفراد الشعب واللحاق بسائر الدول المتقدمة. ولذا وبعد فترة من التفكير والتعمق وجدوا الحل، حيث خُصصت جائزة معتبرة لكل من يشترك بحملة مكافحة الأمية بحيث تغدو جائزة 70 سيارة و 70 كيلو و 70 كيلو من الفضة مجرد جوائز للأطفال وتثير السخرية. وبعد ستة أشهر أتت هذه الفكرة بنتيجتها، حيث بادر أحد المخترعين الشباب من خريجي الكردسة المهنية إلى اختراع ماكنة “مكافحة الأمية”. وتفاوتت حجوم هذه الماكنة وصممت لشخص واحد أو عدة أشخاص، وكان أصغر التصاميم بحجم غرفة مخصصة لجهاز التلفون. ليس لدينا أي إطلاع على الماكنة، فقد حافظ المخترع الشاب على أسرارها بشكل كامل وسجل الماكنة باسمه. ولكن كيفية عمل الماكنة كان في غاية البساطة. فالشخص الأمي يقوم بتشغيل الجهاز الذي يعمل بشحنة كهربائية ذات 220 ولت، وبعد مرور دقيقة يخرج هذا الشخص من الماكنة بعد أن أصبح متعلماً. وهكذا فبدلاً عن شهر أو سنة كاملة لا يحتاج المرء إلاَ لدقيقة واحدة لمحو أميته، ف الاقتصاد في الوقت يحتل أهمية استثنائية.
وبعد أن امتحن الأخصائيون نموذج الماكنة وأطمئنوا على عملها، حصل المخترع الشاب على الجائزة وتم نصب ماكنة كبيرة من النموذج الأصلي وشرعت بعملها. وراحت تعمل على شاكلة عمل الثلاجة بدرجات متوسطة وباردة وشديدة البرودة؛ أي عملت الماكنة بدرجات مختلفة. فإذا ما وضعت الماكنة على درجة واحد، فإن الأمي لا يحتاج إلاّ إلى دقيقة واحدة كي يغادر الماكنة. وإذاما وضعن على درجة 6 فإن الشخص الذي يسعى إلى اتمام الصفوف الابتدائية الست لا يحتاج إلاّ إلى ست دقائق. أما درجة 9 فتعني أكمال الدراسة الثانوية، ودرجة 12 لإكمال المعهد ودرجة 16 للححصول على البكالوريوس. وينبغي زيادة الدرجة للحصول على شهاداة الماجستير. أي أن المتطوع يزيد من حرار الجهاز لدقيقتين أضافيتين أو أربعة دقائق كي يحصل على شهادة الماجستير أو الدتوراه ويغادر الجهاز.
وهكذا شرعت الماكنة بعملها ولقي المخترع شهرة واسعة النطاق في العالم. وتراكمت سيول من الجوائز والنياشين والدعوات الرسمية على المخترع. وتوالت الطلبيات من جميع بلدان العالم على المخترع الشاب بحيث أضطر الزبائن إلى الانتظار ستة أشهر أو سنة كاملة لاستلام طلباتهم. ولقد استلموا طلباً تجارياً من اليابان بشرط أن تعمل الماكنة بالبطارية والترانزيستور عوضاً عن الكهرباء. وعلى الفور جُهزت الماكنة وتخرجت مجموعة كبيرة من الأميين بتعليم ياباني وعرفوا بالمتعلمين الترانزيستوريين. وطلبت إجدى شركات النفط العاملة في صحاري آسيا وأفريقيا لماكنات تعمل بالنفط بسبب انعام الكهرباء أو أرتفاع أثمان الكهرباء هناك، في حين يتوفر النفط بغزارة. وصنعت ماكنة تعمل على درجة 16 كي تخرّج مهندسين واخصائيين في الصناعة النفطية. ولكن في أحد الأيام وبسبب إهمال المسؤول عن الماكنة ارتفع فتيل الماكنة وتصاعد الدخان منه. ونتيجة لذلك خرجت مجموعة ملطخة بالسخام والدخان، مما دفع الإدارة إلى رفضهم في العمل كمهندسين ومتخصصين وأجبروا على العمل كعمال عاديين.
في هذه الأثناء واصلت الماكنة الأصلية عملها بشكل جيد، وتم جمع مجموعة تلو الأخرى من الأميين من جميع بقاع البلاد ونقلوا في سيارات الحمل إلى أحد المخازن ليتم تحويلهم إلى ماكنة مكافحة الأمية. ولكن ما أن اقتربت الماكنة من اتمام حملة مكافحة الأمية حتى جرت حادثتين مرعبتين جراء فصور المسؤول عن الكهرباء.
الحادثة الأولى كانت بسبب غلبة النعاس على المسؤول عن مراقبة الماكنة بسبب العمل الاضافي والتعب والانهاك. ولأسباب غير معروفة تراجعت فولتية الكهرباء إلى النصف. وما أن استفاق المسؤول حتى وجد الماكنة قد انتجت عدة آلاف من شهادات الدبلوم والبكالوريوس، ولكن للأسف لم تعمل الماكنة بشكل حيد بسبب النقص في الحرارة لم يتم تجفيفها وتحولت إلى خميرة وعجين. وبالرغم من أنه قد تم حفظ كل المواد المدرسية بشكل جيد ولم يتم خلط الكلمات، ولكن كل هذا لم يخرج عن إطار فهم الحمار.
أما الحادثة الثانية فقد وقعت بعد يومين من الحادثة الأولى. فقد بادر عامل السيطرة على زيادة الجهد الكهربائي، ونتيجة لذلك تعرضت كل أجهزة الماكنة إلى حرارة عالية واحترقت. وفتحت أبواب المخزن على مصراعيها، وعسى أن لا ترى عيناكم المشهد، فقد خرجت أعداد كثيرة من البرفسورين وقد بدت عليهم النحافة وتجعدت بشرتهم وبانت عظامهم وتمزقت ملابسهم وساروا بنظارتهم العدسية على طرفي عيناهم وهم يتداولون بحماس لا يوصف حول العلوم والأدب في العصر الحجري ولغات تلك المرحلة التاريخية وجذور اللغات واشتقاقاتها ومفردات قواعد تلك اللغات وفروعها وروافدها دون تعب ودون أن يشعروا بالجوع، ولا يصرفهم عن هذا النقاش أي شيء. وحتى ولو تم قتل شخص ما إلى جوارهم فإنهم لا يلتفتون إليه ولا يكفون عن البحث والمناقشة وكأنهم، أولاد الخايبة، لا يسكنون هذه الكرة الترابية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ولد فريدون تنكابني في عام 1930 في عائلة مثقفة في طهران. وعمل والده كمدير في مدرسة ثانوية في حين عملت والدته مدرسة في احدى المدارس. وبعد أن اكمل دراسته، اشتغل كمعلم للغة والأدب الفارسي. وفي عام 1962 نشر أولى قصصه المعنونة ” رجل في قفص” التي تميزت بلحنها الرومانسي. وبعد ذلك تعاون مع مؤسسة النشر الأدبي الايراني وتميزت منشوراته بالأدب الساخر. وفي عام 1969 شارك في تأسيس “رابطة الكتاب الإيرانيين” التي دافعت عن حرية النشر والبيان. اعتقل بعد نشره قصته المعروفة ” مذكرات المدينة الصاخبة” التي انطوت على عبارات تمس الشاه وحكمه آنذاك. وقد شاركنا الكاتب لفترة في سجن قصر في طهران عام 1970 وكان بصحبة الروائي الإيراني المعروف محمود اعتماد زاده (به آذين). بعد الثورة الايرانية في عام 1979، شارك بتأسيس “مجلس الكتاب والفنانين الإيرانيين” التي ضمت عدداً كبيراً من الأدباء والفنانين التقدميين والديمقراطيين واليساريين. وعندما شرعت السلطة الحاكمة بشن حملتها وملاحقاتها ضد قوى الأحزاب الايرانية العلمانية في عام ،1983 توارى تنكابني عن الأنظار وغادر البلاد في أواخر تلك السنة واستقر في النهاية في مدينة كلن الألمانية. قام بشر 18 مؤلفاً وأشهرها ” مذكرات المدينة الصاخبة” و” نجوم في ليلة مظلمة”و “عقم الحزن”. وقد استمر في المنفى بالنشر في مطبوعات متنوعة.

مواضيع ذات صلة: قضية مؤلمة لا يُراد لها أن تُفضح

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.