لو أن حلمك وقع وانكسر إلى ألف شظية, إلتقط واحدة منها لتبدأ من جديد

لم يمنعني المطر من أن أمارس طقوسي هذا الصباح… على العكس تماما، فالمطر هو أكثر الظواهر الطبيعية التي تسّهل عليّ التواصل مع الكون وقراءة رسائله!

دخلت مقهاي المفضل لاحتسي فنجان قهوتي، ورحت أتأمل بعمق كل شيء حولي لأستشف الرسالة الكونية لهذا اليوم، إذ لم يمر يوم ونسي الكون فيه أن يخصني ببريده، ومن ذلك البريد أستمد كل صباح حكمة تزيدني شوقا للصباح الذي يليه!
…..
على يساري جلست سيدة، وقبالتي لمحت سيدة أخرى… وبين السيدتين كانت الرسالة واضحة وجليّة، وتحمل حكمة ولا أجمل!
….
كلا السيدتين دخلتا المقهى لنفس الغاية… دخلتاه تنشدان بعض الدفء، وهربا من زخات المطر التي لم ترحم رأسا من لسعاتها! السيدة على يساري، ومن ثيابها تعرف أنها مشردة وتعيش في الشوارع… والسيدة على يمني تحمل سطلا من الورود وتنظر عبر الزجاج أملا في لحظة صحو لتركض إلى الخارج وتستمر في بيع ورودها للمارة!
..
تحسستُ طاقتها التي تفيض حبا للحياة، فاقتربت منها علني أمتصُّ بعضا منها! اشتريت وردة ودار بيننا حديث شيق، علمت من خلاله أنها متقاعدة في منتصف الستينات من عمرها.. وبأنها تمارس تلك الهواية التي تدّر عليها ربحا جيدا، كي تبرهن لنفسها أنها مازالت منتجة، علما بأن راتبها التقاعدي يكفيها من الناحية المادية! اسمها روز، وتصرّ أن لها من اسمها نصيبا، فهي تعشق الورود وتشعر بسعادة عامرة عندما تبيع أحدا وردة! تقول: ليس ما أجنيه من بيع الورود ما يسعدني كثيرا، وإنما البسمة التي أرسمها على شفاه الناس! وتتابع: لم يشتر أحد وردة إلا وبطريقة لا شعورية قام على الفور بشمها، تسحرني تعابير الوجوه عندما تشمّ ورودي، واشعر أنني ساهمت في رسم تلك التعابير… ثم شكرتني على شرائي لإحدى ورودها، وتمنت لي يوما جميلا!
….
بينما في الوقت نفسه، يقترب مدير المقهى من السيدة الأخرى، ويتمتم في اذنها، فتخرج وتجر وراءها رائحة قاتلة! لا أتصور أنه طلب منها أن تغادر، إذ لا يستطيع بالقانون أن يفعل ذلك، بل طلب منها أن تحرك عربتها المليئة بأغراضها لأنها تعترض المدخل إلى المقهى!
….
نعم، تلك هي الحياة مجرد قرارات، وأنت مسؤول عن قرارتك! سيدة قادتها قرارتها لتكون مشردة تفترش الشوارع وتلتحف السماء، وأخرى قادها قرارها لأن تمارس هواية محببة لنفسها، كبرهان على أنها مازالت تعشق الحياة، ومازالت بكامل وعيها لتعيشها بعمق!
….
أما أنا فعدت لأمارس شغفي، وأنهي كتابا كنت قد بدأته الليلة السابقة… الكتاب بعنوان:
What would you do if you knew you could not fail?
“ماذا ستكون قد فعلت لو علمت أنك لن تفشل”؟
في الفصل السابع من الكتاب، جاءت تلك العبارة: “لو أن حلمك قد وقع فانكسر وتحوّل إلى ألف شظية، إياك أن تخاف من أن
تلتقط على الأقل واحدة منها لتبدأ من جديد”

لا يوجد أحد فينا إلاّ وتشظى حلمه يوما، وحدهم الذين قرروا أن يتمسكوا ـ ولو بشظية واحدة ـ ليبدأوا من جديد، وحدهم قد بدأوا ووصلوا إلى حيث يريدون! السيدة المشردة وبائعة الورود أمثلة حيّة…

بع وردا ولا تلعن الحياة، فالحياة تلعن من يلعنها!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.