فنجاني

الحياة تعلمنا ما هو الحب, والتجارب المريرة تعلمنا من نحب , والمواقف تعلمنا من هم الذين أحبونا, وتخيل أن يرتوي غيرك من فنجان قهوتك ويزيد أيض معدته وأنت غارق في السهر طوال الليل وأنت بأمس الحاجة إلى شربه كالمسنين الذين ليس لديهم عمل سوى الاتكاء على أطراف الكنب وشرب القهوة وانتظار ساعة نوم هادئة,قلت خليني أشوف الحظ…البخت..فنجان القهوة مثلي مثل أي إنسان, شربتُ فنجان القهوة وقلبته وذهبت به إلى قارئة الفنجان في بلدتنا, فتحت فنجاني وقالت: قدامك طريق طويله, وفي طريقك مطبات كثيرة, وهنالك مطب وفي داخل المطب حفرة كبيرة وبداخل الحفرة مطب آخر وبداخل المطب أكثر من حفرة..وقدامك طريق معبدة( مُزفته) وفي أقل من سنة واحدة أو من أول شتوه راح تظهر فيها مئات الحُفر ( الجُوَرْ), وبينما هي تتحدث لمحت على جدار الفنجان نافذة, فقلت لها: هذي أكيد طاقة فرج!! قالت: لا, أصبر.. هذا منهل راح يقع فيه عجل سيارتك في اربد أو عمان وراح يكلفك ثمن كفه وبلاطه وعمود شيال, أو من المحتمل تشيل سيارتك ثاني يوم على ميزان الستيرنغ وتغير أكسات 2 اليمين والشمال.
ثم ساد السمتُ ( الصمت) قليلا فعادت وقالت: حياتك كلها زفت, الشغل زفت, الدوام زفت, الحظ زفت,الجيزه( الزواج) زفت, المصاري زفت, إلا الشوارع اللي حضرتك بتمشي فيها محفره وكلها جور وما فيهاش زفت, قلت: شو هالزفت!!..أها وكمان ما فيش خبر؟ أو رسالة؟: قالت: في رسالة, وفي خبر, وفي فاتورة كهربه جايه على الطريق, وفي فاتورة مي( ماء) , وفي رسالة رايحه تيجيك من شركة أمنية للاتصالات إنهم رايحين يخصموا عليك دينارين شهريا ثمن التطبيقات اللي على موبايلك, وراح يدخلوك بدون علمك في مسابقة وكل يوم رايحين يخصموا عليك 10 قروش وراح تترجاهم كل يوم يوقفوا الخصم ومش رايحين يردوا عليك.
ثم أضافت: قدامك طريق طويلة جدا وشوارع مليئة بالماء وسواقين بلا أخلاق وما حدا بعطي الأولوية لحدا , ثم شهقت أنفاسها وقالت: يوجد في قاع الفنجان شيء!! فقلت: أكيد تفل قهوه,فقالت: بل افعى, قلت: أفعى؟ ولقطت أنفاسي بصعوبة ثم تمعنتُ في فنجان القهوة وبقيت حائرا من هول ما ساسمع وما سأرى وكأنني كولومبس يوم وقف أمام شواطئ أمريكا مندهشا من العالم الجديد, إنني الآن على وشك اكتشاف قارة جديدة من المعاني والكلمات والالغاز, قالت: عدوة…امرأة عدوة..قلت: أنا نصير المرأة فكيف بامرأة تعاديني!! قالت: تلبس ثوب العفة والطهارة وفي داخلها شيطانٌ أقرع, تمثل عليك دور التقوى والخوف من الله بينما في داخلها..ره.
إن فنجان قهوتي ليس مقلوبا, بل أنا المقلوب, والناس من حولي ليسوا مخدوعين بي بل أنا المخدوع بهم, فنجان قهوتي شرب منه الغرباء وإبريق الماء الذي كان من المتوقع أن يروي عطشي مع فنجان قهوة ملأ بطن غيري وروى عطش سنين غيري وتركني في أرض جرداء ليس فيها لا حب ولا عطف ولا حنان, حتى اللحظة لم يظهر في فنجان قهوتي ما ينبؤني بالسعادة غير تلك الحفر والمطبات, فنجان قهوتي بارد جدا في يدي بينما في يد غيري يشع حنينا وحرارة, فنجان قهوتي استطعت تمييزه من بين كل الفناجين ومن حقي أن أبحث لي في المقاهي عن فنجان قهوة يملئ فمي تفلا وحلاوة بدل تلك المرارة, فنجان قهوتي دائما بدون سُكّرْ بينما في رأس لسان غيري كله حلاوة, فنجان قهوتي شرب منه كل الناس إلا أنا.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.