اللّبن الشّرقيّة والحِسّ الانسانيّ

” هم أوّل من استدعوا الانقاذ والنجدة ، وقد وجدناهم بالبيجامات والمصابيح اليدويّة وتحت زخّات المطر وفي الوحل، يسحبون الجرحى والمصابين من الباص المتدهور ، يسقطون ويقومون ، ويسقطون ويقومون…انهم الفلسطينيون سكّان المنطقة “.
تصريح جميل ومؤثّر هزّني جدًّا وهزّ الكثيرين من المتابعين العرب واليهود في البلاد للمواقع الالكترونيّة التي نقلت الخبر المؤلم….خبر للضابطة الطّبيّة الإسرائيلية سيفان رفيف عن الباص الذي هوى فجر امس الجمعة من ارتفاع حوالي 300 مترًا قرب مستوطنة معاليه لبونة – بنيامين قرب قرية اللّبن الشّرقيّة في قضاء نابلس (يعتقد أن كلمة اللبن جاءت من كلمة (لبانوتا) باللغة السريانية وتعني صنع اللبن ) ، والذي راح ضحيته اثنان واصيب العديد من الركّاب بجروح متفاوتة.
قالوا قديمًا وما زالوا يقولون : ” صورة تغني عن الف مقال ، وحدث مؤثّر وحيّ قد يغني عن الف عظة وخطبة وتصريح..
حقيقة مشهد جميل !!! رغم الألم ورغم الوجع ، فالعمل الذي قام به الفلسطينيون اظهر النبل الانساني ّ بأحلى صوّره ، وأظهر الحِسّ الانسانيّ الرائع الذي تجلّى وقد يتجلّى في النفوس ؛ كلّ النفوس البشريّة .
مشهد أظهر أنّ الله المُحبّ يقطن في النفوس ايضًا ، وأنّ غبار الأيام قد يطير ويتبخّر في اوقات الضيق، فتظهر الانسانيّة الجميلة متجرّدة من كلّ الشوائب ، بل وتظهر كما زهرة من تحت الرماد تحمل شذاها الى كلّ الجهات دون ان تسأل من يستنشقها.
صورة جميلة جعلت هذه الطبيبة اليهوديّة تعترف وتُقرّ بالواقع الجميل الذي يحمل في طيّاته الأمل والرجاء ؛ هذا الأمل الذي كثيرًا ما يطمسه السّاسة والسياسيون ويُنجّسونه بتصريحاتهم وأقوالهم وتصرّفاتهم المُبيّتة المقيتة.
لا أبالغ إن قلت انّني دُهشتُ جدًّا حين تابعت تغريدات اليهود على المواقع إيّاها ، فلم يبخلوا بالشكر والعرفان والمديح لهذا التصرّف النبيل والانسانيّ الجميل للفلسطينيين ، بل ذهبوا أبعد كثيرًا ، فلاموا الساسة بحرفهم قائلين : ” الموت هو موت هنا وهناك” “والانسان أيًّا كان هو مخلوق على صورة الله ومثاله ” ” هيّا نلتقي في وسط الطّريق ” ” هيّا نتواصل ، هيّا نتفاهم “
سبحان الله ، حادثة بسيطة !!! فرغم وقعها الاليم غيّرت النفوس ولوّنتها بالأمل والحقّ والرجاء ، وزرعت المحبّة في القلوب التي طالما امتلأت بالحقد من الطّرفيْنِ.
حقًّا ..الشعوب هي من تصنع السّلام .
الشّعوب هي من تفرض على القادة الواقع .
الشعوب هي من تحسّ بالغير ومع الغير.
ولا شكّ أنّ المحبّة والتفاهم هما البلسم الوحيد لأوصاب الأنسان.
دعونا نلتقي في ظرف أجمل .
دعونا نتصالح مع بعضنا البعض ومع انفسنا ، فتفرح السماء وتُرنّم الأرض.
دعونا نزرع النفوس أملًا ورجاء لا ينقطع و…..خبزًا ، عندها سينمو القمح في كلّ الحقول ، ويغيب الزؤان الذي بات يُقلقنا جميعًا !!

About زهير دعيم

زهير دعيم زهير عزيز دعيم كاتب وشاعر ، ولد في عبلّين في 1954|224. انهى دراسته الثانويّة في المدرسة البلديّة "أ" في حيفا. يحمل اللقب الاول في التربية واللاهوت ، وحاصل على شهادة الماجستير الفخرية في الأدب العربي من الجامعة التطبيقيّة في ميونيخ الالمانيّة. عمل في سلك التدريس لأكثر من ثلاثة عقود ونصف . حاز على الجائزة الاولى للمسرحيات من المجلس الشعبيّ للآداب والفنون عن مسرحيته " الحطّاب الباسل " سنة 1987 . نشر وينشر القصص والمقالات الاجتماعية والرّوحيّة وقصص الأطفال في الكثير من الصحف المحليّة والعالمية والمواقع الالكترونية.عمل محرّرًا في الكثير من الصحف المحلّية.فازت معظم قصصه للاطفال بالمراكز الاولى في مسيرة الكتاب. صدر له : 1. نغم المحبّة – مجموعة خواطر وقصص – 1978 حيفا 2. كأس وقنديل – مجموعة قصصيّة –1989 حيفا 3. الجسر – مجموعة قصصيّة حيفا 1990 4. هدير الشلال الآتي – شعر 1992 5. الوجه الآخَر للقمر مجموعة قصصيّة 1994 6. موكب الزمن - شعر 2001 7. الحبّ أقوى – قصّة للأطفال 2002 ( مُترجمة للانجليزيّة ) 8. الحطاب الباسل- 2002 9. أمل على الطّريق -شعر الناصرة 2002 10. كيف نجا صوصو – قصة للأطفال (مُترجمة للانجليزيّة ) 11. العطاء أغبط من الأخذ –قصة للأطفال 2005 12. عيد الأمّ –للأطفال 2005 13. الخيار الأفضل – للشبيبة -2006 14. الظلم لن يدوم – للشبيبة 2006 15. الجار ولو جار – للأطفال 16. بابا نويل ومحمود الصّغير – للأطفال 2008 17. الرّاعي الصّالح –للأطفال 2008 18. يوم جديد – للأطفال 2008 19. الفستان الليلكيّ – للأطفال 2009 20. غفران وعاصي – للاطفال 2009 21. غندورة الطيّبة – للأطفال 2010
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.