النمور الورقية وملعقة الخشب

ذات يوم أمسك الشيخ بملعقته الخشبية وأخذ يتوعد بها النجوم . وإستنفر نموره الورقية التي أحرقت عيونها هربا من الحقيقة ، مغريا لها بعداء النجوم ، وأخذ يضحك ـ كعادته ـ دون سبب واضح .
اليوم بات تلاميذ الشيخ و نموره الورقية أكثر إيقانا بأن الهتهم التي أطنبهم بها شيخهم قد تقلصت ،تشوهت ، أصبحت أنصاف الهة ، ورغم عيونهم التي حرقوها ذات يوم خوفا من الحقيقة إلا أن ظلال الحقيقة تلك طاردتهم . لقد أتخمتهم الأساطير التي رواها لهم الشيخ وشبعوا منها ، فخلعوا ثيابها المهترئة وتخففوا من هراءاتها وألقوا بملعقة الخشب فإذا هي أوهام رثّة .
أرادت نمور الورق أن ترجع عذراء من جديد أمام النجوم ، بريئة لم تدنس ثيابها عداء النجوم وأخذ شيخها في قبره يضحك ـ كعادته ـ دون سبب واضح ..
لم تكتفي نمور الورق بخلع ثيابها ، فقد أحست أن جلودها تطردها وتفضح خلاعتها وتحول بينها وبين العذرية فسلختها غير مكترثة بضحكات شيخها الجنونية التي يطلقها من قبره ـ كعادته ـ دون سبب واضح .
زعم تلاميذ الشيخ و نموره الورقية أن الملعقة الخشبية ـ التي توعد شيخهم بها النجوم ذات يوم ـ لم تكن له ، قالوا أنها كانت ملعقة خصومه الشيوعيين ، وطفق الشيخ من قبره يطلق ضحكاته المسرحية ـ كعادته ـ دون سبب واضح .
أصبحت النجوم الشيطانية الكبرى ـ والتي ناصبها تلاميذ الشيخ ونموره الورقية العداء بالامس ـ أسطورة أخرى ، حقيقة جديدة ، أصبح إسمها النجوم الطاهرة ، وأصبحت قبلة نمور الشيخ الورقية و تلاميذه التي يوجهون إليها صلواتهم الزليلة ، وأصبح رفاق الأمس وشركاء الجهاد بالملاعق الخشبية قرابين تُبذل على محراب النجوم الشيطانية الكبرى تزلفا وقربا لها تحت مسمى التعاون ضد الإرهاب ، وهكذا تحول جهاد الملاعق الخشبية إلى إرهاب وسط ضحكات الشيخ الجنونية والتي يطلقها ـ كعادته ـ دون مبرر واضح حتى وهو في قبره .
توسل تلاميذ الشيخ و نموره الورقية للنجوم وهم يجأرون بأنه قد إنقصم منهم الظهر وتورمت الأقدام وإفتت العضد وهم يحاربونها بملاعقهم الخشبية ويستحقون أن يحظوا ببعض السمعة الطيبة برفع إسمهم من قائمة محاربي الملاعق الخشبية .
فرفعت عنهم النجوم الإصر والإغلال ، وباركتهم ووسمتهم بميسم القبول والرضاء ، وأنعمت عليهم بإتخاذها لهم كلابا تتولى حراسة شؤونها بالمنطقة ضمن قطيع كلابها الخليجية ، و هكذا إستحالت نمور الورق كلابا بوليسية تلهج بشكر سادتها الجدد بعد أن كانت تمني نفسها خيالا بإسقاطهم .
أدرك تلاميذ الشيخ ونموره الورقية حجم سذاجتهم وهم يركضون خلف شعارات شيخهم الذي عجز عن توحيد شعبه بل عن توحيد نموره الورقية ذاتها ورغم ذلك ما فتئ يوما عن وعده لهم بوراثة الأرض وتمكينهم فيها . غسل أدمغتهم بهراءات الحور العين وأنهر العسل والخمر واللبن ولحوم الطير التي يشتهون ، مصورا لهم أن بلادهم ذات يوم ستكون كدمشق الأمويين أو كبغداد العباسيين أو كاسطنبول العثمانيين ، مركزا للدولة الإسلامية العالمية المرتقبة التي ستنازل أمريكا ، أرض النجوم وتنزلها عن جواد كبرياءها الجامح ، وتهديها إلى الحق والهدى .
سبحان مغير الأحوال ! كيف إنتهى المآل بنمور الشيخ الورقية إلى هذا الحال؟ كيف أسرى خلفاء الشيخ بنموره الورقية من جهاد الملاعق الخشبية إلى لعق القضبان الأميريكية الشيطانية ؟سبحان مغير الأحوال من كان يصدق أنّ النمور الورقية تحت سمع وبصر شيوخها الأجلاء الأتقياء الورعاء ، بل وبمباركتهم وتشجيعهم سيعلونون فخرهم برضاء أمريكا عليهم وإعتبار ذلك إنجازا إقتصاديا عظيما وفتحا سياسيا مبينا ؟ سبحان مغير الأحوال كيف يصبح الفتح مبينا وقد كانوا يزعمون أنهم سيفتحون أبواب البيت الأبيض ويدنسون أرضه بحوافر خيولهم ، واليوم بات الفتح المبين هو أن تفتح النمور الورقية استها لقاطن البيت الابيض ترامب سبحانه وتعالى ؟
سبحان مغير الأحوال كيف للشيخ أن يطلق من داخل قبره ضحكاته الجنونية لكن ـ وعلى غير العادة ـ يكون لها مبررا واضحا للغاية هذه المرة.

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.