كيف يقتل الشرف ؟‎

لفت نظري مقالة للكاتبة احلام كرم في موقع – مفكر حر – بعنوان مخيف ومرعب هو – مسؤولية الفقهاء (لقراءة المقال هنا:  مسؤولية الفقهاء) – فظننت للوهلة الأولى بأن الفقهاء قاموا بثـقب الغلاف الجوي مرة أخرى أو ربما قاموا بزراعة الربع الخالي بالخشخاش والحشيش ؟….
فخاب ظني لأن المقال يناقش مقال آخر للكاتبة سهى الجندي ولكن بعنوان طريف وغريب ومضحك بقدر سذاجته والعنوان هو ( قتل الشرف ) ؟….
فتساءلت ؟.. من الذي يقتل الشرف ؟ بل وكيف يقتل الشرف ؟ !
ثم تقف احلام عند الفقرة الثالثة من مقال سهى الذي تخاطب القاتل فيها قائلة : – إنك خالفت القانون والشريعة إذ لا يحق لك أن تقتل نفساً ؟…. فازدادت حيرتي من هذا الإنتقال المفاجئ .. مِن قتل الشرف .. إلى قتل النفس ؟..
فهل من المعقول أو من الممكن أن تكون النفس هي الشرف ؟!…
وقبل أن أتابع القراءة دفعني حب التطفّل والفضول إلى الغوص في أعماق ذاكرتي المتعبة باحثاً في زواياها المعتمة عن أي شئ مخزون فيها عن قتل الشرف في القانون والشريعة فلم تسعفني الذاكرة إلّا باكتشاف عبارة – القتل بدافع الشرف – وشتان بين العبارتين ؟ فالقتل بدافع الشرف لاعلاقة له أبداً بقتل الشرف ؟..
فرحت أبحث عن عذر لصاحبة هذا العنوان .. فعلّلت لها ذلك بدافع الأمانة في النقل ؟.. هذا النقل الذي صبغ المقالة كلها بألوان قوس قزح لأن النقل على مايبدو كان مجتزأً .. وهنا تساءلت بمرارة وأسى : ماعلاقة الشريعة وإقحامها بمثل هذا الموضوع ؟.. وماهو ذنب الفقهاء لتحميلهم مسؤولية لاعلاقة لهم فيها ؟… فالشريعة لم تذكر ولم تتطرأ ولم تشرّع ولم تبرّر بل تعاقب على القتل بدافع الشرف ؟…
ثمة عذر آخر خطر في بالي لأ برّر خطأ أو جهالة إحداهما وهو الخلط غير المقصود
وربما عدم القدرة على التمييز بين القتل بدافع -الشرف – الذي لاعلاقة له بالشريعة
وبين القتل بدافع -الشفقة – الذي تعرّضت له الشريعة ؟…
ثم .. وبعد ذلك تغوص الكاتبة احلام بنقاش للموضوع الذي لاعلاقة للشريعة به بعبارات بدون رابط وبدون تأصيل وبدون محاكمة عقلية ومقارنة وأدلّة منطقية وعقلية من مصادر معتمدة وموثوقة … بل اعتمدت في كل ماجاءت به من عبارات منقولة على كتب التراث التي لم تذكر شيئاً عن أسماء مؤلفيها ولا عن عناوينها ؟!…
فراجعت كتب التراث التي استشهدت بما جاء فيها على إثبات ماتقوله .. فلم أجد فيها أي شئ يشير من قريب أو بعيد على ماذكرته ولم أترك عنواناً إلّا وراجعته حتى بعض الكتب التي تباع على البسطات ……
القتل بدافع الشرف وليس – قتل الشرف – لم تأت الشريعة على ذكره ولا التعرض له … القتل بدافع الشرف … هذه الفكرة تعرضت لها القوانين المدنية ولم تذكر في قوانين الأحوال الشخصية … فقد جاء ذكرها في المادة – 340 – من قانون العقوبات الأردني … وكذلك في المادة – 548 – من قانون العقوبات السوري .. وكذلك في القوانين المدنية الأخرى في كل البلاد العربية .. لأن قوانينها المدنية هي بالأساس مترجمة عن القوانين الغربية … والفرنسية منها بشكل خاص … أمّا الشريعة فقد كان جلّ اهتمام قوانينها هو التأكيد على طهر المرأة لأنها مصنع الرجال والحفاظ على عدم إختلاط الأنساب لطهارة النسل والسلالات … وحماية المجتمع من تفشي الرذيلة فيه والعمل على إبراز قيم الفضيلة والمروءة والأخلاق والعفّة والنبل والسمو والرقي … ثم تختتم الكاتبة مقالتها بزجّ كمّ من جمل الوعظ والتنظير المسبقة الصنع والمنقوعة في الإنشاء والتي استهلكت لدرجة فقدان بريقها وصلاحيتها .. وخاصة في ماتكرّره في قولها ( والطريق الوحيد لتجديد الخطاب الديني والثقافي تبدأ من ثورة تشريعية في القوانين تستند إلى الحقوق العالمية للإنسان والمرأة …..)
وهنا أحب أن أسأل الكاتبة احلام كرم : مالذي فعلته قوانين الحقوق العالمية للإنسان والمرأة التي يتشدّق بها العالم والكثير من الكتّاب والمجددين والمصلحين والمعاصرين و……. مالذي فعلته هذه القوانين العالمية لحقوق المرأة …للمرأة السورية ؟!… وخاصة كما ذكرت أنت في بداية مقالتك في قولك : في هذه الفترة الحالكة السوداء التي تمر بها مجتمعاتنا العربية ؟!….
ناهيك عن المرأة الفلسطينية ؟؟؟!!!………

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.